شارع الفاروق في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
شارع الفاروق في الموصل ، من أبرز الشوارع ، وأقدمها وأجملها ..وهناك شارع الفاروق القديم ، وشارع الفاروق الجديد . وقد حرص المسؤولون عن تخطيط الموصل خلال العهد الملكي ، على ان يكون شارع الفاروق مميزا بما نسميه نحن في الموصل ( الدنك أي الاعمدة التي تشبه اعمدة شارع الرشيد ببغداد والتي تستقر عليها أبنية الطابق الثاني ) .
وتشير المدونات التاريخية التي بأيدينا الى ان شارع الفاروق في قسمه القديم ، أفتتح يوم 24 تشرين الثاني سنة 1946 .. فتحته بلدية الموصل في احتفال رسمي .. وشارع الفاروق فُتح على درب قديم من دروب مدينة الموصل ، وهو (درج دراج ) الذي ذكره المؤرخ الموصلي الاستاذ أحمد الصوفي في خارطته الشهيرة التي صممها لمدينة الموصل ونفذها سنة 1953 ونشرها في كتابه ( خطط الموصل ) .
ويمتد هذا الشارع من الباب الجديد الى دورة كنيسة اللاتين في منطقة الساعة في محلة الاوس ومحلة الاوس هي محلة الساعة حاليا ومحلة الجولاق في العهد العثماني والساعة برج ساعة كنيسة اللاتين للاباء الدومنيكان .
سمي شارع الفاروق بأسم الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي عهد رئيس البلدية خير الدين العمري الفاروقي والذي تولى ادارة بلدية الموصل منذ سنة 1933 حتى سنة 1949 وقد قام خير الدين العمري – كما يقول الحاج عبد الجبار محمد جرجيس في كتابه (بلدية الموصل ) بهدم الباب الجديد ونقل انقاضه وباشر بفتح شارع الفاروق في المرحلة الاولى حيت امتد الشارع كما قلنا من باب الجديد الى دورة الساعة قرب كنيسة اللاتين وجامع الصفار ليربط جهة مدينة الموصل الجنوبية بجهتها الشمالية في محلة الشفاء ، وشارع الفاروق يتقاطع عموديا مع شارع نينوى الذي يربط بين باب الجسر القديم شرقا برأس الجادة غربا . وبداية العمل كانت في شارع الفاروق خلال السنوات الاولى من الاربعينات من القرن الماضي اي القرن العشرين ، وعند الانتهاء من العمل تم الافتتاح يوم الاحد 24 من تشرين الثاني سنة 1946 واقيم احتفال كبير حيث تجمع الناس في ( مقهى باب الجديد ) ، وقام متصرف لواء الموصل وكان انذاك السيد مصطفى اليعقوبي ( 12تشرين الاول 1946 – 28 شباط 1948 ) ، بقص الشريط ايذنا بالافتتاح ، والقى رئيس البدية السيد خير الدين العمري كلمة بالمناسبة قال فيها أنه يفتتح الشارع بإسم الله وعلى بركة الله . وقال ان افتتاح هذا الشارع مر بمراحل عديدة منها ان البلدية قامت بهدم اول ُملك في باب الجديد بتاريخ 26 تموز سنة 1937 ومع الايام تم استملاك (150) عقارا بلغت نفقات استملاكها (65 ) الف دينار ونيف اما التسوية والحفر والتبليط فقد بلغت نفقاتها (9) الاف دينار ، والقسم الاول من الشارع طوله 800 متر وعرضه 20 مترا وقد جرى حفر 7500مترا مكعبا والاملاء بلغ 16 الف مترا مكعبا .اما الكلفة الكلية فبلغت (74000 ) الف دينار .
ان من عمل في تخطيط الشارع مهندسون وعمالا عراقيون منهم المهندس نظمي والمهندس ادوارد رسام ، وعيسى حلو ، وماردين سركيس وبقية موظفي شعبة المساحة والرسم في بلدية الموصل .
خلال حفل الافتتاح ، قام المتصرف السيد مصطفى اليعقوبي ورئيس البلدية السيد خير الدين العمري بالسير مشيا على الاقدام في الشارع مع بقية المدعوين ووصلوا الى ملتقى شارع نينوى عند دورة الساعة ومن هناك ركبوا سياراتهم متجهيين يسارا الى شارع نينوى ثم بعدها الى شارع غازي فباب الطوب ومبنى المتصرفية في بناية بلدية الموصل اليوم .
أرخ الشاعر الموصلي الكبير اسماعيل حقي فرج افتتاح شارع الفاروق بقصيدة جميلة جاء في مطلعها :
طابَ المسير بشارع الفاروق ِ
مذ مهدوه فكان خير طريق
في حمى الخضراء تنضر شارع
قد جل عن أمتٍ وعن تضييقِ
في فتحه قد جد (خير الدين) ض
من قبل مهد (شارع الصديق ِ)
الى ان يقول :
قلنا كما قال طيبا
طاب المسيرُ بشارع الفاروقِ
هذه هي قصة شارع الفاروق القديم ، والممتد من الباب الجديد الى دورة كنيسة اللاتين في الموصل القديمة . ولكن ما قصة شارع الفاروق الجديد الذي يمتد من دورة الساعة الى المستشفى الجمهوري ؟ .
انها قصة جميلة اخرى من قصص تحديث مدينة الموصل وتطويرها في عهد رئيس البلدية الهمام خير الدين العمري ، هذا الرجل المتنور والمتأثر بالحضارة الغربية الحديثة والذي ترك بصمات واضحة في تاريخ الموصل ، وقدم لها الكثير الكثير في مجال التطوير والتوسع العمراني في القرن العشرين .
الذي اريد ان اقوله ان شارع الفاروق الجديد ، قد تمت المباشرة بالعمل به في سنة 1948 ، واكتمل العمل سنة 1950 وقد روعي ان تكون ريازته كريازة شارع الفاروق القديم من حيث الاعمدة أو ما نسميه نحن في الموصل (الدنك ) الممتدة على جانبيه وعليها تقع الشقق ، والبنايات في الطابق العلوي والتي كانت لها فوائد عديدة جمالية وفي مجال الاستخدام الصحيح للارض والوقاية عند التحرك في الشارع من الامطار واشعة الشمس .
ومن المؤكد ان فتح هذا الشارع اقصد شارع الفاروق بقسميه القديم والجديد ، كان له اثر كبير في التركيب السكاني والوظيفة الاقتصادية ؛ فشارع الفاروق كان ولايزال من الشوارع المهمة التي تمتد على طوله البالغ كيلومترين ونصف وهو اطول من شارع نينوى بحوالي نصف كيلو متر، المحلات التجارية والدور السكنية والجوامع والمدارس وعيادات الاطباء ومحلات كوي الملابس وتصليح وبيع الادوات الكهربائية ومحلات البقالة والنجارة والافران والسمكرة والمنجدين والمطاعم وبعض الشقق السكنية والنقطة المهمة هي ان هذا الشارع ظل اقل ازدحاما من شارع نينوى نظرا لان محلاته التجارية اقل من محلات شارع نينوى .
كان شارع الفاروق ، حسب المسح الموقعي يضم في سنة 1979 (526 ) محلا تجاريا فضلا عن (210 ) منزل وشقة سكنية و(11) مسجدا وجامعا وكنيستين ، وعددا من الدوائر الحكومية وبعض مواقف للسيارات وساحات فارغة وابنية تحت الانشاء ومن مجموع محلات الشارع التجارية كان هناك ( 98 ) محلا للبقالة ، وفي الشارع محلات للاعمال والحرف اليدوية منها (26 ) للسمكرة و(15) محلا لتصليح الادوات الكهربائية و(14) منجدا و(54 ) محلا للنجارة و(19) خياطا و(16 ) فرن و(12) حلاقا و(6 ) محلات لتنظيف وكي الملابس و(7) خفافين وهذه المحلات تشكل حوالي (23%) من مجموع محلات الشارع التجارية والحرفية المختلفة وقد ازدادت نسبة عدد محلات الحرفيين بعد ذلك لتصل الى (44%) من مجموع المحلات مما يجعلنا نقول ان شارع الفاروق تغلب عليه صفة الاعمال والصناعات الخفيفة وليس الصفة التجارية كما هو حال شارع نينوى .
نقطة مهمة اخرى اريد ان اتحدث اليكم عنها تتعلق بشارع الفاروق ، هي ن هناك الكثير من المعالم الحضارية التي تمتد من بدايته في دورة المستشفى الجمهوري حتى نهايته في الباب الجديد ، وهي ان على جوانبه محلات سكنية عريقة منها الخاتونية ومنها الجامع الكبير ومنها اليهود ومنها حمام المنقوشة ومنها الاوس ومنها شهر سوق ومنها الرابعية ومنها الشيخ محمد ومنها الحويرة .كما ان هناك العديد من المساجد والجوامع على امتداد الشارع بقسميه منها جامع العمرية وجامع الجويجاتي ومدرسة الحاج زكريا التاجر وجامع عمر الاسود وجامع الصفار .كما ان هناك بيوتات الجليليين الذين حكموا الموصل بين سنتي 1726 -1834 وكلية الموصل التابعة للاباء الدومنيكان وكنيسة الطاهرة هذا فضلا عن عدد من الساحات والحدائق منها البقجة عند دورة قاسم الخياط وحديقة الجليليين في شهر سوق .
في سنة 1982 اصدر الدكتور هاشم خضير الجنابي استاذ جغرافية المدن في جامعة الموصل كتابه (التركيب الداخلي لمدينة الموصل ) ، وفيه وقف عند شارع الفاروق وقال انه يعد من اهم شوارع الموصل القديمة بعد شارع نينوى ؛ فهو يخترق المدينة من جهتها الجنوبية اي منطقة باب الجديد حتى جهتها الشمالية في محلة الشفاء عند المستشفى الجمهوري ويتقاطع مع شارع نينوى في الجزء القديم من المدينة .
كما ان شارع الفاروق ، كان له تأثير على التركيب الداخلي للمدينة القديمة من خلال اختراقه تسعة احياء سكنية فيها هي :الباب الجديد وشهر سوق والرابعية والاوس والجامع الكبير وحمام المنقوشة وباب المسجد والخاتونية والشفاء وطبيعي فهو قد ترك اثره على تركيب الوظيفة السكنية في الاحياء المجاورة حيث استوعب السكان الذين فقدوامنازلهم عندما فتح الشارع بقسميه القديم والجديد .
هذه هي قصة شارع الفاروق في الموصل تقف لتذكرنا ب (الهمة ) و( الرغبة) و( الارادة ) التي نحتاجها اليوم بعد الدمار الذي حصل في مدينتنا ، لكي نعيد البناء من جديد إن شاء الله تعالى .
2901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع