"تطلعات وأحاسيس للنهوض بالطاقة النووية العربية بعد أن ضاع توهجها في العراق وخفت في مصر"
في هذا الزمن التأريخي وما يدونه من أحداث وتحولات اقليمية وعالمية خصوصاَ في منطقتنا حيث اصبحت مثار تساؤلات كثيرة تحتاج الى أجوبة صريحة وليست أجوبة مفاهيم المصالح، ومن أهمها توقيع مجموعة الدول الكبرى الست، أميركا وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين زائدا ألمانيا، والاتحاد الأوربي مع إيران في فيينا يوم 14 تموز2015 الاتفاقية النووية التي أطلق عليها خطة العمل الشاملة المشتركة بعد مفاوضات بين الطرفين بدأت عام 2006، تباينت ردود الافعال الدولية على توصل السداسية وايران الى ذلك الأتفاق، منهم من رحب ومنهم من شكك ومنهم من عارض، والخاسر الاكبر هم العرب وذلك بما تشيره الدلائل فإن إيران زعزعت استقرار المنطقة بتصرفاتها وتدخلاتها المكشوفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إذا منح الاتفاق تنازلات لإيران فإن المنطقة ستصبح أكثر خطورة في المستقبل القريب وهو تحصيل حاصل في ظل غياب التطمينات الموثقة، وبها تغيب الأحلام، وتنبعث من تحت الركام التاريخي الطويل أمتنا، عارية الصدر في وجه تلك التحديات الجسام الماثلة أمامها، في حين أن هناك أمم تتسابق لتحصيل المنعة والقوة والتفوق.
ورغم أن المشهد يبدو قاتماً للوهلة الأولى فإن المدرك لحركة التاريخ يعلم أن فجر كل نهضة يسبقه ليل طويل، وكما انطلقت أمم الأرض جميعها نريد ان تنطلق أمتنا اليوم والذي حبى الله ارضنا ليس فقط بالنفط والغاز بل بأشعة الشمس التي لا تنضب وما علينا الا السعي لاستغلالها لمصلحة اجيالنا طالما انها تمتلك قدرة بشرية ووضع أقتصادي ملموس وقاعدة علمية لا يستهان بها، وهي ولا شك قادرة على تحصيل أسباب القوة والمنعة، ولهذا اتخذت بعض الدول العربية منها دولة الامارات العربية والمملكة العربية السعودية والاردن ومصر مجال الاستفادة من الطاقة النووية في برامجها الانمائية لانتاج الكهرباء، حيث تعاقدت مع شركات روسية وكورية على إنشاء محطات نووية لإنتاج الكهرباء، جاء ذلك بعد أن ضاع توهج البرنامج النووي العراقي بعد ان خفت من قبلها في مصر، تلك هي بعض من الآمال والأحلام لدى علماء العرب، وبدورنا كأحد العاملين في النشاط النووي تنتابنا السعادة وتشعرنا بالفخر بانه لازالت اقلام لها ماض علمي واداري تساهم بما تملكه من طاقات ودراية ومتابعة ان تشارك بخبرتها بأصدارات أو تأليف أو مساهمة في ابداء الرأي بهذا النشاط، ليس بدافع الشهرة وأنما بدافع تقديم ما هو أسمى لرسالة المعرفة بغية عدم ضياع جهد الأمة للوصول الى غاياتها، هذه المقدمة ضرورية طالما أننا أمام كتاب صدر حديثاً عن دار الأيام للنشر والتوزيع، في الأردن، كتاب علمي جديد للأستاذ الدكتور نعمان سعد الدين النعيمي، بعنوان “ الطاقة النووية للبلاد العربية للكهرباء وتحلية المياه المالحة والارتقاء بالقدرات العلمية والتكنولوجية ”، كتب عنه الخبير النفطي الاستاذ سعد الله الفتحي بمقالة مهمة في صحيفة أخبار الخليج الناطقة بالأنكليزية تحت عنوان:
"Nuclear energy policy needs studied"
، حيث تطرق لاهم ما حواه الكتاب بفصوله، وبين فيها بان مسالة اعتماد الطاقة النووية في مشاريع الكهرباء يجب أن تأخذ دورها مع ضرورة أتباع التوطين في القدرات البشرية لمواكبة هذه التكنلوجيا المهمة.
وبدورنا يتوجب علينا ان نساهم بأبداء تثميننا وشكرنا لاستاذنا العزيز دكتور نعمان على جهوده وتفانيه بأصدار هذا الكتاب حيث سبق وان ساهم بأصدار كتاب"الأعتراف الأخير، حقيقة البرنامج النووي العراقي" وكتاب"التفتيش عن أسلحة الدمار السامل في العراق، دور لجان التفتيش وفرقها في تدمير العراق والتمهيد لاحتلاله" والذي كان لي الشرف بالمشاركة فيه، والحمد لله فلا زال قلمه ينبض بما يجول فكره الثاقب، وهي مسائل درج الدكتور نعمان النعيمي على التعبير عنها بأسلوبه العلمي وتجربته في منظمة الطاقة الذرية والبرنامج النووي العراقي الغنية بعلمها والغنية بمعالمها الفنية والأدارية، والتي كانت شعلة وضاءة سيظل التأريخ يذكرها رغم ماحصل لها من تدمير ممنهج لم يسبق ان حصلت لاي بلد في العالم، كما تجدر الاشارة فان الدكتور نعمان النعيمي هو أحد قيادات البرنامج النووي العراقي والذي ترك بصمته واضحة في عمله العلمي والاداري..، لقد وجدت محطات مهمة في هذا الكتاب يتوجب علي عكسها بالشكل الموضوعي حيث أنها تمثل مسعى لتوطين العلم والتكنلوجيا لنشاط غير تقليدي يتسم بالمعرفة والتصور وأتخاذ القرار لما تحمله من معاني وثابة لأسلوب العمل والتكيف مع ماهو مطلوب، فقد جاءت صيغة الكتاب بأسلوب واضح وبسيط التزاما بمقولة آينشتاين "علينا تبسيط الموضوع قدر المستطاع ولكن علينا ان لا نبسطه أكثر من ذلك" وهو ايضاً الأقرب الى التحفيز وشد الانتباه من خلال كونه يعمم الثقافة العلمية الكفيلة بتوجه جيل الشباب صوب التخصصات العلمية والهندسية والطبية والزراعية، فالأهتمام بأجيال المستقبل هو في حد ذاته اهتمام بالوطن والأمة، وضمت محتوياته في اربعة عشر فصلاً بمائتي صفحة في ابراز الحقائق العلمية ومسالك التكنولوجيا للطاقة النووية التي تعتبر صناعة شغلت الأنسانية في عصرنا الحالي، كما أن الكتا ب هو مساهمة في نشر الثقافة العلمية وتوطينها للارتقاء وتمجيد الإنسان العربي وقيمه النبيلة من خلال العلوم والتكنلوجيا في المجتمعات العربية لصالح ابنائها حاضراً ومستقبلاً ولرفد البشرية بنتاجاتها،
فهو يرينا كيف ولدت الذرة والنواة من خلال شرح المبادىء الأساسية للعلوم النووية، ويمضي الكاتب معددا سلسلة العمليات، تشمل: خام اليورانيوم، و معالجة الخام، و إنتاج الكيك الأصفر، و تحويل وتخصيب اليورانيوم، و صناعة الوقود وصولا الى المفاعلات البحثية وعملية انتاج الطاقة الكهربائية.
أعطى تصورا لما أصاب البيئة من استخدامات الفحم والغاز والنفط لأنتاج الطاقة الكهربائية وتاثيراتها لظاهرة الأحتباس الحراري منذرا بذلك من كوارث للحياة ولهذ عمد على تشجيع استخدامات مصادر الطاقة المتجددة كطاقة الشمس والرياح والحرارة وضرورة البدأ باستخدامها في الخدمات الموقعية والارياف وقرى الجبال على ان تتطور لاحقا لمساحات اكبر.
بين ان استخدام الطاقة النووية مرجح بالنمو لانتاج الطاقة الكهربائية بالرغم من الحوادث التي حصلت في بعض البلدان ومنها حادئة تشرنوبل وحادثة فوكوشيما.
تطرق الى احتياطيات اليورانيوم وتنقيته وتخصيبه وتصنيعه وقوداً لانواع مفاعلات والى السلامة النووية والى معالجة الوقود المستنفذ والى تفكيك المحطات النووية بانتهاء عمرها التشغيلي، بحيث تكون أمام من يتخذ القرار صورة شاملة وواضحة لهذه الصناعة المهمة.
ان المنتوج من محطات تحلية المياه المالحة الآن47% من مجمل منظومات تحلية المياه الدولية المالحة، وبانتاجية21.2 مليون متر مكعب يوميا وهذا يتطلب تشغيلها مقادير كبيرة من الكهرباء ويتوقع ان تزداد الحاجة مستقبلا فالطاقة النووية خيار أمثل من الطرق التقليدية المستخدمة الآن.
أشاد الدكتور نعمان بالتقدير للدور الريادي لدولة الآمارات العربية المتحدة ليس في برامج المياه والبيئة فحسب بل في تبني الطاقة النووية مصدراً للكهرباء وفي نشاط الطاقات المتجددة الشمسية والرياح كمثل على ذلك.
بأعتقادنا بأن المرحلة الحالية تتطلب من الدول العربية الخليجية أن تستثمر الطاقة النووية لانتاج الكهرباء لتحلية المياه المالحة من خلال إقامة مشروعات مشتركة، وتوطين وتعزيز قدراتهم العلمية نظراً لتوفر الأرادة السياسية لتشجيع وتنمية تلك المشاريع من أجل بلدانهم وامتهم، نحن نتطلع ان يقرأ هذا الكتاب نظراً لأحتوائه على معلومات في غاية الأهمية لمستقبل صناعة الطاقة النووية لمنطقتنا التي يتوجب استثمارها قبل فوات الآوان أي اليوم وليس غداً ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود
1644 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع