شخصيات من ذاكرتي مروكي وصوصو ....

                                   

                           سلام توفيق

حادثتان متلاصقتان لايمكن ان افصل بينهما..فكلما تذكرت احداها..انسابت الاخرى تلقائيا الى مجرى افكاري..مع ان بينهما فاصل زمني يمتد الى 15 عاما.. ساسرد الحادثتين..ثم اربط بينهما

الحادثة الاولى
تعود وقائعها الى ما قبل 40عاما تحديدا في العام 1974 ..وكنت وقتها تلميذا في الصف الابتدائي الرابع..في مدرسة الخمائل في منطقة الصالحية -بغداد
كنا مجموعة تلاميذ قد شكلنا شلة اصدقاء وكان اغلبهم من المسيحيين ..لانهم جيران ومن نفس المنطقة ونلتقي خارج المدرسة ..فكانت العلاقة هي امتداد طبيعي..
اتذكر اسمه وشكله تماما كما لو كان الان يجلس معي..اسمه (ع. مروكي) ..المميز بشعره الاحمر ووجهه المنمش ..كان جسمه ممتلئا واضخم منا بعض الشيء..ولذلك كان هو زعيمنا غير المتوج..الذي نلجاء اليه .. وكان من اصول الهيبة ان نطعمه من كاسة اللبلبي اذا كنا نتناولها وحضر صدفة !! في الفرصة او الاستراحة بين الدروس خصوصا في الفرصة الطويلة التي كانت تختلف عن بقية الفرص..وكان لزاما علينا (ادبيا) !! ايضا ان نقاسمه الكيكة التي نشتريها من الحانوت المدرسي اذا كان جائعا ..وهو كان كذلك دائما ...وكنا نعمل كل ذلك بطيب خاطر للامانة لاننا كنا نظن انه سيكون المنقذ لنا اذا تعاركنا مع التلاميذ الاخرين( بالطلعة ) وهو المصطلح الذي كنا نطلقه على نهاية الدوام والذهاب الى البيت.
اراد مروكي يوما ان يرينا بعض قوته وسطوته فتمادى على تلميذ اصغر منه وفي مرحلة اقل من مرحلتنا حيث كان في الصف الثاني ..فامسك به وطرحه ارضا .. وقتها ادركنا ان هناك خللا في المعادلة.. امر لم يكن وديا ...ولا منطقيا ..ويبدوا ان الله اراد ان يعلمنا شيئا كبيرا..ونحن صغار..

لم يكن مروكي يعلم ان شقيق ذلك التلميذ الذي اعتدى عليه هو تلميذ ايضا وفي المرحلة الخامسة .. الا بعد ان خرجنا من الباب الرئيسي للمدرسة حيث اوقفه الشقيق الاكبر للتلميذ مستفسرا عن سبب اعتدائه على شقيقه الاصغر ومتوعدا بالرد فورا..فارتبك مروكي وبدا خائفا وحاول الكذب وقال انه شتمه ..فلم يصدقه..ولم نصدقه لان الامر شاهدناه باعيننا..وحاول مروكي التملص ومحاولة كسب الوقت لعل احد المعلمات تمر من هناك لتنقذه من المازق ..في الوقت الذي كان الشقيق الاكبر للتلميذ يحاول جره للمنازلة...
لم تنفع محاولات مروكي..وامسك به غريمه وطرحه ارضا واوسعه ضربا على مراى ومسمع منا ..وبعد جهد جهيد انقذنا زميلنا من ذلك الثائر ..رغم انه كان اقل ضخامة من صاحبنا
وفي الطريق الى البيت كنا نجمع حاجيات مروكي المبعثرة على الارض وننظف له الصدرية التي كنا نرتدي مثلها نحن ايضا وكان مروكي يبكي بحرقة ..
لم نستطيع ان نخفي مشاعرنا..فانبرى احدنا وساله ..لماذا ضربت الصغير وقسوت عليه..ولكنك تخاذلت امام الكبير؟؟؟؟
فاجابنا :( والله ابويا موصيني ما اتعارك عركة جبيرة الا ورا الامتحانات)

  

الحادثة الثانية
كان هذا في العام 1989 ..في اثناء الخدمة العسكرية في منطقة العزير بين مدينتي البصرة والعمارة..كنا نخرج صباحا الى التدريب الاجمالي كوننا كتيبة دبابات ونعود بعد الظهر الى المعسكر.. الذي كان عبارة عن خيم نصبناها في منطقة الاهوار وقتيا..وكان لكل سرية خزانان للماء سعة 1000 لتر..وكنا نترك احد جنود المشاة ليقوم بحراسة الخيم وملئ الخزانات عند قدوم تانكر الماء الذي كان سائقه نائب ضابط يدعى محمد وكنا نلقبه (صوصو) بفتح الصادين ، لانه كان مدمنا على تناول الصوصج في الحانوت ..
في ذلك اليوم اصر صوصو وهو رجل طويل عريض ذو شارب كث ثخين وهيئة توحي بانه مصارع !! على ملئ خزان واحد فقط.بينما اصر محمد حنش وهو اسم جندي المشاة المتروك للحراسة. بصراوي قصير القامة وضعيف البنية ولكنه نشط وحرك وداهية!! على ملئ كلا الخزانين.. بعد مشادة كلامية تماسكا باليدين وبين شد وجذب اصبح صوصو على الارض ملطخا بالطين ومحمد حنش فوقه يوسعه ضربا
كان امر السرية مشغولا جدا بشرح درس ذلك اليوم نظريا للجنود قبل القيام بتطبيقها عمليا بالدبابات عندما حضر صوصو بسرعة الصاروخ ونزل من تانكر الماء ووقف مقابل امر السرية ورمى بيريته على الارض..صارخا باعلى صوته:
سيدي اريدك تاخذ حقي !!
ساله الامر.. البس بيريتك ..شنو القضية اشرحلي
قال صوصو سيدي: محمد حنش ضربني ودبج على صدري
انفجر الكل بالضحك واولهم الامر ..وقال له:
ولك ماتستحي على نفسك يتفصل منك 3 مثل محمد حنش..وتكول ضربك
استدرك صوصو بسرعة الموقف وقال:
(اي صح سيدي..بس اني سويتله سقطة..مع الاسف ما نجحت بيدي !! )
سقطة للذي لايعرف معناها بالعراقي عندما تضع ساقك خلف ساق غريمك وتدفعه للوراء فيسقط على الارض !!
..
الان نعود للربط...الحادثتان فيهما غرابة عدم تكافئ الموازين..والحادثتان فيهما تبرير للفعل الفاشل ..ولكنه تبرير مضحك وغبي!!
وكم من الافعال تؤتى اليوم ..فتفشل..ثم تبرر مثلما بررها مروكي وصوصو !!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

707 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع