لم اعتد الكتابة عن مطبوع او مجلة دورية ، لقناعتي بأن القراء هم الحكم في رصدها ، بالسلب او الايجاب ، لكن زخم ما أراه من مجلات عراقية ، بلا هوية صحفية ، وبعيدة عن الذائقة المجتمعية ، جعلني اقف فرحاً ، لأعلن عن غبطتي بمجلة توفرت فيها ادوات صحفية ، تحريرا ، وتصميما ، ونهجا ، ورقي طباعي يبتعد عن البهرجة التي تعتمدها بعض المطبوعات التي تسعى الى الرواج بعيدا عن الموضوعية ..
والمجلة التي سحرتني بمستواها المهني هي مجلة نسوية ، لكنها تحاكي العائلة ، بأكملها : زوجاً ، وفتية ، وصبايا وبراعم الطفولة ، وأعني بها مجلة "نرجس "التي تصدرها مؤسسة"المدى"للإعلام والثقافة والفنون ببغداد ..
في عددها الصادر امس الاول ، دخلت المجلة عالما ، ظل غائباً عن النقاش الموضوعي بسبب المحرمات التي جبلنا عليها ، وهذا العالم هو ( الانحراف والإغواء الجنسي ) وما يلعبه " الانترنت " في حياة الاسرة لاسيما الشابات حيث دخل الاغواء الالكتروني مرتدياً رداء مجهولاً عبر شاشة الكومبيوتر !
وأعتمدت المجلة في طرقها لهذا الموضوع الأسري الهام ، على احصائيات رصينة بينت ان 40 % من الاطفال والمراهقين مدمنون على تصفح المواقع الاباحية ، فضلاً عن دخول 60 % من المراهقين تلك المواقع رغماً عنهم عبر اعلانات غير قانونية مهمتها اختراق المواقع التي يتصفحها الاطفال والمراهقون ..
وفي "ملف العدد" فتحت المجلة ، قضية في غاية الخطورة ، تحت عنوان ( 6 ملايين يتيم في بلد الأرامل والبترول ) وهو عنوان كبير لحالة كبيرة جدا ، وصلت الى حد الانفجار في الواقع المجتمعي العراقي ، بل هي الانفجار بعينه وربما تحمل سطور مقدمة الملف شجنا ، وألماً ما يعجر المرء عن تحمله ، فتقول مقدمة الملف التي كتبتها الزميلة " نورا خالد " ( موقف قد يصادف أياً منا ، طفل لم يتجاوز عمره الايام او ساعات معدودات ، ملقى في حديقة او موضوع أمام جامع او باب كنيسة ، اوحتى امام منزلنا .. طفل يحتاج في هذه اللحظات الى مأوى ليس إلا .. ولكن بعد ان أيجد هذا المأوى ، يصبح بحاجة الى حضن أم ، ورعاية أب ) الخ وفي سبع صفحات ، تترأى رؤى أجتماعية وتربوية وحكومية ، تصب جميعها في وعاء هذه المشكلة التي باتت الشغل الشاغل للمجتمع العراقي ، فتبعات اليتم عديدة وتحمل من الخطورة الشئ الكثير ، وهي مثل الرصاصة تنطلق ، ولا تعود، وقد تقتل.. بل هي قاتلة فعلاً في واقع العراق الحالي .. مع الاسف !
والى جانب ذلك ، تناولت المجلة موضوعا آخر لا يقل خطورة عن ملف العدد ، وهو شيوع ظاهرة الطلاق في العراق بأسباب لم يألفها المجتمع العراقي من قبل ، بل هي غريبة ودخيلة عليه ، كالتفسخ الخلقي المتمثل بعشق الشاب المتزوج حديثا لوالدة زوجته ، أووالد الزوج ، المتصابي الذي يقوم بأغراءات لزوجة ابنه وما الى ذلك من اسباب طارئة ظهرت حديثاً على سطح المجتمع العراقي ..
وتناولت المجلة ، موضوعة النزف اثناء الحمل ، واعطت حلولا وعلاجات طبية .. وفي المجلة ، نقرأ لمديرة تحريرها الاديبة " عالية طالب " مقالة جميلة بعنوان ( المبدع اولاً ) والكاتبة لطفية الدليمي ، طالعتنا بمقالة أسمتها ( يوميات فيرجينيا وولف : نظرة أنثوية مبسطة للعالم ) وفي صفحتها الاخيرة نقرأ للموسوعي" حميد المطبعي " مقالته المثيرة للجدل ( من مبادئ الصراع )
وتنتظر المجلة خطوات تطورية ، كما علمت من الزميلة د. غادة العاملي مديرة عام مؤسسة " المدى " التي تصدر عنها المجلة ، وبذلك يحق للصحافة العراقية ان تفرح وتفتخر بمجلة عراقية ، توزع في في الشام ولبنان ومصر مثلما توزع بوقت واحد في كردستان وجميع محافظات العراق ..
اليس من حقنا ان نصفق لـ"نرجس" .. ؟
686 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع