جرى اغتصاب فتاة تونسية من قبل رجلي أمن. واقعة ثقيلة في بلد لا يزال يتلمس الطريق بعد افتتاحه عصر الثورات العربية.
لكن المسار الذي كان يفترض أن تسلكه الأمور في هذه الحادثة أي توقيف الرجلين ومحاكمتهما انقلب، وباتت القضية في مكان آخر. لقد تحولت الفتاة من ضحية اغتصاب إلى مدانة تنتظر المحاكمة بتهمة «المجاهرة بعمل فاحش». ألم تكن برفقة شاب في سيارة في وقت متأخر ليلا حين هجم عليها عنصرا الدورية وهددا الشاب الذي برفقتها!
يكفي توافر معطى من هذا النوع للتساهل مع رجلي الأمن ولاتهام الفتاة والشك فيها وقلب القضية كلها وتحويرها أمام الرأي العام برد الأمور إلى سلوك الفتاة وتحميلها المسؤولية.
لم تعد القضية اعتداء على فتاة وانتهاكا لأبسط معاني الدولة أي الحماية والأمن وبات تفصيلا أن رجلي الأمن قد اقتادا الفتاة في سيارة الأمن واعتديا عليها!
تضعف وقائع الاعتداء أمام تفصيل من نوع أن الفتاة كانت برفقة شاب ويتحول هذا التفصيل إلى أس القضية ومحور الحملة الشعواء التي تحاول بعض الأجهزة الرسمية التونسية إبرازها في إطار مجابهة رأي عام غاضب حيال كيفية التعامل الرسمي في قضية الفتاة.
أما الحملة المدنية الإلكترونية التي انهالت على موقع وزارة الداخلية التونسية تنديدا باتهام الفتاة فهي «توظيف إعلامي» على ما ورد في بيان رسمي للوزارة الذي يحمل في طياته تحريضا على الفتاة من خلال اللعب على وتر عبارات من نوع «الفاحشة». إنها تعابير تجد صدى لدى كثيرين في المجتمع من سلفيين ومحافظين ومتربصين.
ألسنا نعيش عصر صعود تيارات الإسلام السياسي التي تجد في المرأة بوابة رئيسة للسيطرة على المجتمعات وصوغ قيم بحسب مفهومها ونظرتها للحياة والكون.. ليست حادثة اغتصاب الفتاة التونسية على يد عناصر أمن مؤشرا وحيدا لمكامن القلق والخوف.
فالمصريات يتحسسن أنفسهن من نظرات ولمسات المتحرشين ومن سلطة لا يتورع بعض من فيها عن الدعوة لتشريع زواج الصغيرات وتقلق التونسيات من احتمال فقدان بضع مكتسبات في ظل النظام السابق ولا ترى الليبيات واليمنيات كثيرا من الأمل.
إنها لائحة هموم تطول لفتيات ونساء كن وما زلن في طليعة الحراك العربي ليفاجأن بعد ذلك بإقصائهن عقب انتهاء الثورات. ألم يتذرع بعض من وصل إلى السلطة بأن أولويات المرحلة لا تتسع لحقوق المرأة.
لسنا نعيش وهما، إن الجدل حول المرأة لن يحسم قريبا، ولا حل له طالما لا تتضمن الدساتير الجديدة، وتلك التي تخضع للتعديل، حقوقا وحريات كاملة وواضحة لنا كنساء وكأفراد. قبل أيام حصلت الناشطة السورية رزان زيتونة على جائزة ابن رشد تقديرا لجهدها في رصد انتهاكات حقوق الإنسان وكتاباتها قبل الثورة وخلالها.
ترى هل سنجد من يقول لنا مستقبلا، إن رزان زيتونة لا تستحق أن تكون جزءا ممن يصوغون دستور سوريا الجديد.
diana@ asharqalawsat.com
733 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع