سماك العبوشي
أم حسين مثل عراقي دارج شهير، يطلق على من كان قد ابتلي بمصيبة واحدة فإذا به على حين غِـرّة يبتلى بمصيبة ثانية!!.
المستقبل العربي - حبست نفسي في داري ورحت أتنقل بين مقعدين اثنين، فتارة أجد نفسي مرغما على الجلوس على أريكة في الصالة أقلب القنوات الفضائية وأتابع باكتئاب شديد ما تتناقله تلك القنوات عبر شاشات التلفاز من أحداث الساعة العربية المأساوية، وسرعان ما يضيق صدري، فأترك أريكتي تلك وأجلس على كرسيّ الدوار أمام لوحة التحكم في حاسوبي النقال ضاغطا على أزراره باحثا بنهم شديد عن تقرير إخباري أو تحليل استراتيجي رصين فيه إجابات لما ضاق صدري مما رأيته وسمعته قبل قليل في القنوات الفضائية، فلا أجد نفسي إلا وقد ازددت هما على هم سواءً بما رأيت وسمعت في القنوات الفضائية تلك وما قرأته عبر المواقع الألكترونية في الشبكة العنكبوتية!!.
كذبة كبرى كنا قد عشناها منذ كنا صغارا بمشهدين متلازمين:
الأول: حول فلسطين وحتمية تحريرها من رجس الاحتلال الصهيوني، يومها قيل لنا بأن فلسطين العربية قد سلبت واغتصبت، وهجر أبناؤها، وأن أنظمتنا العربية تعد العدة لتحريرها من بحرها حتى نهرها، وأن مؤتمرات ومهرجانات وقمم عربية قد نظمت للتدارس في كيفية تحريرها وطرد مغتصبيها، ألقيت خلالها خطب رنانة طنانة حماسية ألهبت مشاعرنا، كما أن دراسات وبحوثا عربية صدرت بمجلدات كان قاسمها المشترك الأعظم، أن "فلسطين قضية العرب الكبرى"، وأن "فلسطين قلب العروبة"، وأن "فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية".
وكبرنا، وتزوجنا، ورزقنا بأولاد وأحفاد، ورحل عنا أباؤنا وأجدادنا، وانتظرنا، فلا عادت فلسطين إلينا، وما اندحرت الصهيونية، ولم يطرد المحتل الغاصب، بل على العكس تماما، فالصهيونية قد رسّخت أقدامها، وازدادت اتساعا وتمددا، طولا وعرضا وعمقا تحت الأرض المقدسة حيث يقام المسجد الاقصى، وليس هذا فحسب، فكيانهم المغتصب الدخيل قد بات بمأمن تام من خطط قادة العرب وساستهم (التحريرية!!)، كما ونأى مستوطنوها من بطش جيوشنا العربية الباسلة، والأدهى من ذلك كله انشغال أبناء العروبة عن قضية فلسطين بمداواة جراحات بلدانهم وإيقاف نزيف أبنائها ... كما سنرى لاحقا!!.
الثاني: وبالتزامن مع ما قيل عن فلسطين يومها، وحتمية عودتها وتطهيرها من رجس من أحتلها، فقد درسنا وتعلمنا وآمنا مذ نعومة أظافرنا بأننا أمة عربية واحدة ذات تاريخ مجيد، وأن من جزأها يوما هو الاستعمار البغيض في لحظة ضعف عاشها أجدادنا الكرام وفي غفلة من سياسيينا وقادتنا، وبأننا أمة لا تسكت على ضيم أبدا، وأن قادتها وجامعتها العربية يسعون جاهدين لتحقيق الأمل المنشود بالوحدة الكبرى، وبارتقاء سلم التطور والتجدد والتنمية الستراتيجية.
وكبرنا، وتزوجنا، ورزقنا بأولاد وأحفاد، ورحل عنا أباؤنا وأجدادنا، فإذا بأحلامنا الوردية تلك يطاح بها، فلم نكتف بضياع فلسطين عبرة ودرسا لنا، بل صار حالنا أقرب إلى المثل العراقي الشهير الدارج "أم حسين ... جنت (كنت) بوحدة ... صبّحت (أصبحت) باثنين"!!(*)، وها هي الشقيقات الكبرى لفلسطين السليبة والجريحة يعم فيها الهرج والمرج، نراها تخطو سريعا نحو مستقبل مجهول محفوف بالمخاطر والمزالق، إثر ربيع عربي كنا ننتظره طويلا لتصحيح أوضاعنا الفاسدة، فإذا بقوى الاستكبار العالمي تمتطي صهوة جواد ذاك الربيع، وتمسك بتلابيب لجامه لتقوده بعيدا عن حلمنا الوردي الجميل، فصرنا أقرب ما نكون لمشهد ما قبل بزوغ الإسلام، يوم كنا قبائل متنازعة متناحرة، يتقاسمها النفوذ الفارسي (دولة المناذرة) والنفوذ الروماني (دولة الغساسنة)، ويازيد كأنك ما غزيت!!.
لقد انقلب الربيع العربي فصار خريفا بكل ما تعنيه الكلمة، فأحلام التغيير نحو الأفضل قد تبخرت، وصرنا أمَّعة "طراطير" نسير مرغمين تبعا لأهواء هذه الدولة الكبرى أو تلك الدولة الإقليمية المجاورة، لا إرادة لنا في تقرير مصائرنا، ولنا في المشهد السوري المتأزم على سبيل المثال لا الحصر خير دليل على سوء أوضاعنا، فإيران باتت دولة لاعبة كبرى في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، شأنها في ذلك شأن تركيا، وها هي الأنباء تترى بأن إيران قد أعلنت بأن "اتفاق جنيف" يدخل حيز التنفيذ في 20 يناير، وأن وزير خارجيتها سيتوجه الى سورية في الايام المقبلة، فيما تناقلت الأنباء عن لقاء مفصلي بين كيري "الأميركي" ولافروف "الروسي" حول سوريا في باريس!!.
ختاما ... أقتبس مقطعا ورد في مقال للكاتب غسان شربل "يخالجني شعور أن السنة الجديدة ستكون مثقلة بالمذابح والويلات وستعمق مشاعر الطلاق. سنة قاسية من بغداد إلى بيروت. ويخشى أن تكون مؤلمة أيضاً في مصر وأشد إيلاماً في ليبيا. حققت إسرائيل انتصاراً تاريخياً فاحشاً من دون أن تجازف بدم جندي واحد. كل السلاح المجاور لحدودها يسبح الآن في دم الحروب الأهلية".
وأمجاد ياعرب ... أمجاد!!!.
1644 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع