كاظم فنجان الحمامي
شاب عراقي واعد خرج من ضواحي البصرة, وشق طريقه بصمت نحو المراكز المتقدمة, ليحرز أعلى المؤهلات العلمية والأكاديمية في التشريعات البحرية الدولية, فتألق في هذا المضمار من دون أن تعلم به المؤسسات الأكاديمية العراقية, ومن دون أن تستشيره وزارة الخارجية في صياغة اتفاقياتها البحرية المبرمة مع دول الجوار, ومن دون أن تكتب عنه الصحافة, ومن دون أن تتصل به فضائياتنا لتناقشه على ما آلت إليه سواحلنا المنكمشة نحو الداخل.
حصل حتى الآن على أعلى الشهادات في التشريعات البحري, كان آخرها شهادة صادق عليها (باراك أوباما) بتوقيعه وبخط يده, وأمضاها وزير الخارجية الأمريكي بنفسه.
تلقى (علي عباس خيون الناصري) تعليمه الجامعي الأولي على يد الأستاذ الدكتور هاشم الجزائري, الذي يعد من أفضل أساتذة القانون البحري في جامعة البصرة, فبدأ مشواره العلمي بشهادتين جامعيتين من جامعة البصرة, كانت الأولى بكالوريوس القانون (1996), والثانية بكالوريوس اللغة الانجليزية (2003), ثم التحق عام (2006) بمعهد القضاء البحري العالي(1) في جزيرة مالطا, وهو من أعلى المعاهد البحرية, التي تديرها وتشرف عليها المنظمة البحرية العالمية(2), فكان العراقي الأول والوحيد الذي اشترك في برامج هذا المعهد القضائي العالي.
واصل (علي) مشواره العلمي عام (2011) في الولايات المتحدة, فحصل على القبول في برنامج (همفري)(3), وهو من برامج التبادل التعليمي الأمريكي, المعروفة باسم (الفولبرايت)(4), التي تعد من أعقد وأصعب البرامج العلمية من حيث المدة والمواد الدراسية والتكاليف.
صُممَ برنامج (همفري) لرعاية الكفاءات الواعدة في مجالات القانون والطب والهندسة والعلوم الزراعية, بهدف تطوير مهاراتهم الفردية عن طريق التدريب العالي المكثف, وليس من السهل الاشتراك في مثل هذه البرامج لما تتضمنه من شروط واختبارات مرهقة.
يخضع المتنافسون في البرنامج لأطول وأصعب الاختبارات, التي قد تمتد لعام كامل, لكنه تجاوز العقبات كلها, وتم قبوله عن جدارة واستحقاق, فكان أول العراقيين المقبولين في البرنامج, قال له رئيس اللجنة العليا بعد اطلاعه على إضبارته: أنك من المؤهلين تلقائيا, ولا تحتاج لهذا البرنامج, فرد عليه (علي): كلا يا سيدي أنا في أمس الحاجة لدراسة التعاقدات الدولية, التي سأحمي بها بلدي عندما تسنح لي الظروف لخوض نزالات التفاوض مع الأطراف الخارجية, وهكذا قبلوا (علي) من بين (2500) مرشح من مختلف دول العالم.
كانت محطته الأولى في جامعة (فرجينيا), فانتهزت الجامعة وجوده هناك, وطلبت منه إلقاء محاضرة عن القوانين القديمة, التي شرعها العراق في وادي الميزوبوتاميا, باعتباره الحاضنة الكونية لكل الحضارات الإنسانية, ثم ألقى محاضرة أخرى في الجامعة نفسها عن الدور الريادي للموانئ العراقية في تعزيز قوة الاقتصاد الوطني, وأنجز أفضل أبحاثه في فرجينيا, وكان بعنوان: (الاتصالات – مفتاح القيادة الناجحة)(5).
تخرج في فرجينيا بتفوق, ثم باشر بخطوته التالية في برنامج (همفري), فكانت كلية (واشنطن) للقانون هي المحطة الثانية, التي حط رحاله في رحابها, وكانت محاضرته القانونية, في هذه الجامعة العريقة, عن التجاوزات الحدودية في مياهنا الإقليمية العراقية, ثم تناول موضوع (ميناء مبارك) في ثلاث محاضرات منفصلة, كانت بعنوان (مشكلة ميناء مبارك الكبير)(6), ومحاضرات أخرى عن تشريعات الإرشاد البحري في الموانئ العراقية, وأخرى عن سندات الشحن, جمعها كلها في بحث قانوني واحد, تقدم به إلى عمادة الكلية كجزء من متطلبات درجة الماجستير, وهي شهادة الماجستير الثانية التي حصل عليها حتى الآن.
وشاءت الأقدار أن تختاره الولايات المتحدة ضمن الفريق القانوني الدولي المؤلف من ستة قانونيين للإشراف على سير انتخابات الرئاسة الأمريكية يوم 6/11/2012, وكان الفريق برئاسة البروفسور (باستوري), المستشار القانوني للرئيس الأمريكي الأسبق (كارتر), وهكذا أصبح (علي) من بين المشرفين على وقائع الانتخابات في واشنطن, وفرجينيا, وميرلاند (8).
http://www.wcl.american.edu/news/humphreyelectiontrip2012.cfm
وسعيا منه وراء نيل المهارات الحقلية, عمل في وزارة النقل الأمريكية الاتحادية, لمدة ثلاثة أشهر, قدم خلالها دراسة مقارنة بين لوائح الإرشاد البحري في العراق ولوائح الإرشاد الأمريكية, ثم عمل مؤقتا في مكاتب شركة (بلسبري), وهي من كبريات الشركات القانونية.
زار المحاكم الأمريكية, وأطلع على سياقات عملها, ثم زار الجناح القانوني في مكتبة الكونغرس الأمريكي, وقام بزيارات متواصلة لبرلمان ولاية (ميرلاند), فحضر بعض جلساته, ثم اشترك في ورشة العمل الخاصة بالاستثمار في العراق برعاية السفارة العراقية في واشنطن.
أما شهادته التي وقعها الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) فكانت من برنامج (همفري) بتاريخ 6/5/2013, وتجدر الإشارة هنا, أنه حصل على الماجستير أيضاً في قانون الأعمال التجارية الدولية(7) بتاريخ 13/8/2013, متفوقا على زملائه الذين جاءوا إلى أمريكا من مختلف بلدان العالم, والذين وفرت لهم بلدانهم الدعم المادي والمعنوي, ومنحتهم حرية تمديد الوقت, بينما انحصرت مدة صاحبنا بعام واحد, وبإجازة سنوية من دون راتب.
حصل (علي) أيضاً على درجة الماجستير (العامة) في الدراسات القانونية الدولية(9), وحصل على شهادة تخصصية في اللغة القانونية الانجليزية من جامعة واشنطن, وشهادة البرنامج التأهيلي الخاص في اللغة والمهارات القيادية من جامعة فرجينيا.
كم أتمنى أن تتغير سياسة أصحاب القرار في العراق, فيسلكوا سلوك المدربين الرياضيين في ملاعب كرة القدم, الذين دأبوا على تحسين أداء فرقهم الرياضية من خلال مساعيهم الحثيثة في البحث عن أفضل الهدافين, وأقوى حراس المرمى, وأسرع المهاجمين, وأكثرهم مرونة ورشاقة وشهرة.
عندئذ ستكون لصاحبنا (علي عباس خيون الناصري) أكثر من فرصة للعمل كمستشار في مجلس النواب, أو كخبير في وزارة الخارجية, أو كباحث في ديوان الرئاسة, أو يعمل رئيسا للجان الاستثمار البحري, أو رئيساً للسلطة البحرية, أو مديراً لقسم العقود البحرية في مؤسساتنا النفطية, أو ربما ترسله الدولة على نفقتها لنيل شهادة الدكتوراه في اختصاصه, لكنه وبوضعه السياسي المستقل سيجد الأبواب موصدة أمامه في البلد, الذي ضاعت فيه معايير تقييم الكفاءات النادرة في خضم المحاصصات الطائفية والحزبية.
1615 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع