الفريق الركن الدكتور/ محمد عبدالقادر الداغستاني
ماذا نريد من الجيش العراقي؟؟
مقدمة
كتبت في جريدة النهضة التي كانت تصدر في بغداد بتاريخ 23/8/2004 العدد 221 السنة الثانية مقالا تحت عنوان ماذا نريد من الجيش العراقي ثم كتبت مقالا أخر في نفس الجريدة يوم 23 /8/ 2004 العدد 230 السنة الثانية مقالا تحت عنوان القوات المسلحة هي للعراق ومن اجل العراق , كانت المقالتان قد تتزامنتا مع مرحلة تشكيل الجيش العراقي في محاولة للتذكير بالعديد من الأسس التي ينبغي ان تؤخذ بنظر الأعتبار عند تشكيل الجيش العراقي .. ثم كتبت مقالا اخر في جريدة الغد الأردنية بتاريخ 7/4/ 2006 ضمن باب دراسات مقالا تحت عنوان بناء القوات المسلحة .
في كل تلك المقالات كنت اتطرق وبشكل واضح الى عملية البناء أو أعادة البناء للقوات المسلحة العراقية من أجل الفائدة لمن يقرأ . والآن وبعد ما يقارب من العقد وبمناسبة الذكرى (93 ) لتأسيس الجيش العراقي وبعد المرور بسلسة طويلة من التجارب والممارسات وجدت ان من المناسب العودة مرة أخرى للتذكير بما سبق وكتبته وما كتبه غيري من العسكريين المهنيين ومن الباحثين والمفكرين عسى ان يكون لهذ الكلمات تأثير او وقع لدى المعنيين عن أدارة وقيادة القوات المسلحة من سياسيين وعسكريين لأن ما نكتبه ينطلق بالأساس من حس وطني وحرص على مصلحة العراق وامنه وسلامته .
1.مهمة القوات المسلحة وشكلها العام
من المعلوم أن مهمة القوات المسلحة في أي بلد من بلدان العالم هي حماية أمن الوطن وصيانة أستقلاله وحماية شعبه , والقوات المسلحة هي ركيزة من ركائز السيادة أن لم تكن من اهمها فلا سيادة بدون قوات مسلحة وطنية , والقوات المسلحة الوطنية وحتى تكون قادرة على حماية الشعب يجب ان تعتمد في عملية بناءها على كافة ابناء الشعب . من مختلف قومياتهم واديانهم ومذاهبهم .
القوات المسلحة هي مدرسة حقيقية للتربية الوطنية ففيها يتعلم العسكري ويلقن أهمية الدفاع عن وطنه وفيها يتعلم العسكري معنى التضحية بنفسه من اجل الوطن أذا ما تعرض الى اي خطر خارجي او داخلي يهدد امنه وسلامة ارضه وشعبه.
القوات المسلحة هي البودقة التي تنصهر بها كل القوميات والأديان والمذاهب والطوائف لتصبح كيانا واحدا يعمل من اجل الوطن وتحت راية الوطن .
2. ان هذه الأسس بقدر ما هي معروفة ولا يختلف عليها الكثيرين ولكن ومع الأسف نجدها تغيب عن بال العديد من القيادات السياسية التي تعتقد ان عملية تسيس القوات المسلحة لصالحها حصرا كما في الدول ذات الأنظمة الشمولية أوالحصول على نسب او حصص في القوات المسلحة كما في نماذج الدول التي تضم أحزاب وقوى سياسية مختلفة تضمن لها مكسبا سياسيا قد يفيدها في مرحلة من المراحل السياسية متناسية مخاطر أعتماد مثل هذه الأسس على عمل القوات المسلحة .
3. ان مخاطر تسييس القوات المسلحة لصالح حزب سياسي أومجموعة احزاب واعتماد المحاصصة والنسب العنصرية والطائفية لأغراض سياسية تعتبر من اخطر العوامل على عملية بناء وعمل القوات المسلحة لأنها ستؤدي بالنتيجة الى تشتيت ولاءات القوات المسلحة بين القوى السياسية المختلفة وفي مثل هذه الحالة سيتحول الولاء من الولاء الأكبر للوطن الى الولاءات السياسيية المختلفة ,أن مخاطر هذا العامل يمكن أيجازها بما يلي :
أ.تجاوز على المباديء المعتمدة في عملية بناء القوات المسلحة والتي وردت في الدستور وعلى المباديء الأساسية المعتمدة في عملية بناء القوات المسلحة والأضطرار تحت الضغوط السياسية الى القبول بكفاءات أدنى مما هو مطلوب في كثير من الأحيان وأسناد مناصب عسكرية الى أشخاص غير مؤهلين لأشغالها وهذا يؤدي الى تدني مستوى الأداء في القوات المسلحة
ب. صعوبة قيادة تشكيلات ووحدات القوات المسلحة من قبل القادة اللذين سيجدون أنفسهم امام ولاءات مختلفة وأراء مختلفة ضمن تشكيلاتهم ونتائج هذه الحالة تنعكس سلبا على مستوى أداء تلك القوات في أية مهمة من المهام التي توكل أليها لأنها ستكون متأثرة بسياسات الأحزاب والقوى السياسية .
ج.صعوبة صهر منتسبي القوات المسلحة ضمن بودقة القوات المسلحة وبالتالي صعوبة توحيد كلمتهم تحت راية علم الدولة بسبب اختلاف توجهاتهم السياسية والعقائدية .
د. ان عملية القبول بالنسب والحصص للمكونات السياسية او المكونات الوطنية المختلفة في بنية القوات المسلحة تؤدي بالنتيجة الى تخريب هذه المؤسسة وتكون نتائجها اخطر بكثير من نتائج حل القوات المسلحة لأن تأثيرات مثل هذه العملية ستمتد الى عقود مقبلة وستؤدي الى الدخول في صراعات ومنافسات داخلية تقل وتزداد تبعا لمواقف الأحزاب والقوى السياسية المتواجدة على الساحة .
ه.أن فكرة القبول بالمحاصصة والنسب السياسية والعنصرية والدينية في عملية بناء القوات المسلحة تتعارض مع الأسس والمفاهيم الديموقراطية التي تطبق في الدول الديموقراطية التي لا تقبل بادخال السياسة أو الحزبية أو المحاصصة العرقية أو الدينية في بنية قواتها المسلحة .علما أن هذا الشرط جاء ضمن الأمر رقم (22) بتاريخ 8/8/2004 القسم (9) الصادر من سلطة الأئتلاف في مرحلة بناء القوات المسلحة العراقية (لايجوز لأعضاء الجيش العراقي الجديد أن يكونوا أعضاء في حزب سياسي او منظمة او جمعية سياسية ولا يجوز المشاركة في أية انشطة لحزب سياسي أ منظمة او جمعية سياسية ) كما وردت نفس المفاهيم في الدستور العراقي الجديد .
4. جميع هذه الأسس أذا ما نظرنا اليها نجدها سليمة لعملية البناء ولكن الحقيقة هي غير ذلك فسلطة الأئتلاف بدأت عند أول خطوة في تشكيل الجيش بأعتماد المحاصصة والنسب العنصرية والطائفية وبذلك وضعت الأساس الخاطيء للبناء خلافا لكل الأسس والمباديء في جيوش العالم , لذلك أصبحنا مثل لبنان عندما وضع المستعمر الفرنسي أساس وقواعد للطائفية لا يمكن تغيرها رغم كل المحاولات التي بذلت .
5.هناك ملاحظات جديرة بالأهتمام اود ان أضعها امام القاريء الكريم وهي تخص العلوم العسكرية والقوات المسلحة :
آ .العلوم العسكرية هي علوم شأنها شان باقي العلوم وهي أختصاص له قواعده واسسه , والقوات المسلحة هي منظومة معقدة جدا بسبب طبيعة عملها والدور المطلوب منها لأنها تتعامل مع اسلحة ومعدات مختلفة ومع أشخاص مطلوب منهم الوصول الى مستوى من المهارات العلمية والعملية حتى يكونوا قادرين على أستخدامها وفق ما مصصم لها في كافة الظروف والأحوال خصوصا بعد دخول التكنولوجيا ومنظومات الأسلحة والقيادة والسيطرة الحديثة . والقوات المسلحة مطلوب منها ان تحقق هدف سياسي عسكري تحدده القيادة السياسية من خلال نظرية سياسية وعقيدة عسكرية . لذلك ينبغي عدم تحميل المنظومة العسكرية اعباء بشرية غير قادرة على أستيعاب عملها والأنسجام مع متطلباتها وهي بعملها تشبه الآلة الكبيرة كل جزء منها له واجبه المحدد وعطل اي جزء يؤثر على عمل تلك الآلة ويقلل من قدرتها .
ب. هناك اعتقاد او تصور وقع فيه الكثير من السياسيين وهو انهم قادرين على ادارة وقيادة القوات المسلحة بمجرد المامهم ببعض المباديء العسكرية العامة . هذا التصور قاد الكثيرين منهم الى الفشل في قيادة وأدارة القوات المسلحة وتوريط القوات المسلحة بأمور في غاية الخطورة والأمثلة على ذلك عديدة .
ج. ان العلوم العسكرية لا تقتصر على أستخدام الأسلحة أو التعبية بشكلها العام وغيرها من العلوم البسيطة . ان المعرفة بالعلوم العسكرية تعني بالضرورة المعرفة الواسعة بالأستراتيجية العامة وفروعها والأستراتيجية العسكرية بشكل خاص وكذلك السياسة العسكرية والعقيدة العسكرية واسس بناء وأستخدام وادارة القوات في الحرب الحديثة والحرب التقليدية والحروب الأخرى , هذا على مستوى القيادات العليا المسؤولة عن قيادة وأدارة القوات المسلحة , اما القيادات الميدانية بمستوى المناطق والفيالق فمطلوب منها المعرفة بالأستراتيجية العسكرية وعلاقتها بالأستراتيجية العليا وبالعقيدة العسكرية والمعرفة الدقيقة بفن العمليات واسلوب أستخدام قيادة وأدارة التشكيلات الكبيرة في كافة صفحات القتال .
د. أن القوات المسلحة كمنظومة عسكرية وطنية متكاملة لابد لها أن تنمو في رحم السياسة لأنها وسيلة تحقيق اهداف السياسة عندما تعجز الوسائل الأخرى وهذا الأمر يفرض على القيادة السياسية أن لاتفسح المجال لأستخدام القوات المسلحة لتحقيق مصالح شخصية لقوى او احزاب سياسية وان لا تدع مجالا لتلك القوى او الأحزاب أو الأفراد للتدخل في سياسية القوات المسلحة لتحقيق مصالحهم . كما ينبغي على منتسبي القوات المسلحة أن لا يتدخلوا في السياسة تحت أي مبرر او ظرف وان يعلموا ان ولائهم للوطن وانهم حصة الجميع وليسوا حصة فئة أو حزب وانهم يعملون في كل الظروف والأحوال تحت علم الدولة ومن أجل الدولة والشعب .
ه.ان القوات المسلحة تصبح خطرة جدا أذا ما بنيت أو تأثرت أو أستخدمت لتحقيق اهداف ومصالح سياسيين او مصالح المؤسسات التي تبغي النفع الخاص وقد يساء أستخدامها بزجها في الحروب من أجل تلك المصالح . وهناك امثلة تاريخية ومعاصرة عديدة في أساءة أستخدام هذه القوات , فهناك حروب شنت من اجل السمعة وكسب التأييد الشعبي وهناك حروب شنت من اجل مصالح أقتصادية او من اجل فرض النفوذ والهيمنة وهناك حروب شنت من اجل التخلص من مواقف سياسية بالغة التعقيد وهناك قادة سياسيون اعتمدوا استراتيجية الخطورة العالية وخاطروا بقراراتهم السياسية التي اوصلتهم الى أستخدام القوات المسلحة في حروب غير متوازنة وغير مهيء لها وكانت النتيجة الكوارث .
و.في الوقت الذي تخضع فيه الحرب لمصاح السياسيين الخاصة او مصالح المؤسسات فأنه في الجانب الأخر نجد ان هناك عسكريين قد يأخذوا دورا اخر في التأثير على قرار السياسيين أو حتى قرار الحرب من خلال محاولتهم كسب السمعة والشهرة في بعض الأحيان أو الرغبة في التعظيم الشخصي وتعزيز الهيبة الوظيفية في احيان اخرى او تقديم معلومات أستخبارية تتماشى مع رغبة المسؤولين من أجل أرضائهم أو من اجل المكسب الوظيفي أو الخشية والخوف في بعض الأحيان .ومن اجل ذلك يستخدمون جدلا بارعا للبرهنة على دقة وصحة نظريتهم وخططهم وهكذا تستخدم القوات المسلحة في مسارات اخرى غير المخطط لها .
ز.ان عملية بناء واستخدام القوات المسلحة عملية معقدة جدا ولا يجوز ان يعتمد صانعوا القرار على النماذج الجاهزة في عمية البناء والأستخدام لأن في ذلك خطورة كبيرة لأختلاف عملية البناء والأستخدام من جيش لأخر باختلاف النظريات السياسية واهداف تلك القوات وفي ذلك ضياع في الوقت والجهد .
ح .ان عملية البناء يجب ان تنتج قدرة عسكرية قادرة على تحقيق الاهداف المرسومة لها وأذا ما حاولنا فهم معنى القدرة من الناحية العلمية والعملية نجدها حصيلة (الكم x النوعية الماديةx النوعية غير المادية( وحتى نصل الى بناء قوات مسلحة كفوءة ومتوازنة وحيادية فان الضرورة تقضي بان يتولى عملية البناء والأدارة والقيادة أشخاص ذوي خبرة وكفاءة ونزاهة حتى يخططوا لعملية البناء والأستخدام السليمة أخذين بنظر الأعتبار الوضع السياسي والتقاليد الأجتماعية والعقيدة السياسية والعسكرية والقدرات الأقتصادية وتيسر الموارد البشرية ومستواها الثقافي .
5. من الضروري التفكير منذ الآن بموضوع خدمة العلم لأن الظروف والمتغيرات وطبيعة موقع العراق ووضعه والتهديدات التي تواجهه والمحتمل مواجهتها في المستقبل تتطلب وجود جيش قوي قادر على حماية امن البلد من مختلف انواع التهديدات وهذا يتطلب بالضرورة وجود جيش بملاك سلمي وجيش بملاك حربي يمكن أستدعائه عند الضرورة وهذا يتطلب وجود قبول شعبي أولا وقوانين وأنظمة وخطط تنظم عملية الأستدعاء والخدمة .
الفريق الركن
محمد عبد القادر الداغستاني
7 كانون ثاني 2014
1229 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع