عبدالقادر محمد القيسي
ان استقلال القضاء أمر ننشده جميعا، ونصبوا اليه، ولا يعارض استقلال القضاء الا من لا يريد للعدالة أن تتحقق، ويريد لميزان الحق أن يحيد.
فالقضاء يجب أن يظل شامخا، مادام يقضى بالحق والعدل والانصاف، ويجب أن يتحقق له الاستقلال التام عن أي سلطة أخرى، ولا يجب أن يكون القاضي تحت وطأة السلطة الحاكمة.
غير ان، استقلال القضاء لا يتحقق الا بوجود محاماه مرفوعة الرأس، فبغير المحامي يتحول القاضي لمجرد أداه في يد السلطة، تطبق به العقاب على من تشاء، فلولا المحامي لأصبح القضاء وسيلة وأداة للظلم.
وفى ذلك يقول: رئيس مجلس القضاء الأعلى بفرنسا:
(لولا حرية المحامين في مناقشة الاحكام، وانتقادها لتكررت الأخطاء وتراكمت واستحال اصلاحها ولأصبحت الاحكام مصدرا للظلم بدلا مما هي عليه ألآن عنوان للحقيقة).
رسالة المحامي يجب أن تحترم، ويتاح لها الاحترام والتقدير اللائق بها، ويجب ألا يحال بين المحامي وبين رسالته، فهو شريك القاضي في تحقيق العدالة، وبدونه تنحرف كفة الميزان وتميل، والمحاماة رسالة للحق والعدل والمساواة وهى علم وخلق ونجده وثقافة وثقه بالنفس، واستقامة، وأمانة.
ان مهنة المحاماة قلعة لا يجب أن تهدم حصونها، ولا ينبغي المساس بها مطلقا. فمثل ذلك المساس بمهنة المحاماة، أو أي تهوين من شأنها يمثل تخلفا حضاريا وتنكرا لحقوق الانسان والاوطان، وعلى المتطاولين والمستهنين والمعتدين والذين يسيئون معاملة المحامين أن لا تأخذهم العزة بالآثم، وغرورهم ونفوذهم، فتدعوهم للتطاول على شركاءهم في تحقيق العدالة.
وقد قال المحامي الشهير مارشال هول:
(اذا غاب دور المحامي أو تهمش ولم يعامل بالاحترام الواجب واللائق بشرف مهنته وعلو قدره فان الساحة تخلو للعابثين والمفسدين).
ومما لاشك فيه أن المحاماة من أهم أسباب تقدم الأمم، فالمحاماة هي الأمينة على العدالة الساعية في محرابها، وهى طاقة النور حين تظلم الدنيا، وهى الفارس النبيل الذى ينتصر للضعيف.
ان قدر المحاماة انها لا تعيش الا في النظم الاكثر استقامة وأمانه، لذلك اذا اردت ان تتعرف على قدر ما بلغته أمة من رقى فاعرف قدر ما بلغته المحاماة فيها من مكانه .
ان الحرية هي أولى قضايا المحامين، ومع ذلك كله نجد ان قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ بالمادة (153) منه، تقرر جواز حبس المحامي اثناء سير الجلسة، أي وهو يؤدى واجبه ورسالته، في ذلك اخلال جسيم بالعدالة واعتداء على حصانه الشريك في تحقيقها، وذلك ضرر لا يضار منه المحامي وحده بل هو ضرر محدق تعود مغبته على كافة المواطنين بالسواء، فالمحامين هم قلب المجتمع النابض ولسانه المعبر.
كما ان مثل هذه المادة حين تقرر أن من حق القاضي أن يحبس أيا من كانت حصانته أذا أخل بنظام الجلسة، دون أي تحديد قانوني للأفعال التي تعد اخلالا بسير نظام الجلسة، تجعل القاضي يفتات على السلطة التشريعية، ويغتصب سلطاتها، ذلك لأنه هو من سيحدد اذا كان الفعل يعتبر اخلالا بسير نظام الجلسة، ومن ثم اعتباره فعلا مجرما يستوجب العقوبة التي قررتها تلك المادة.
وفى ذلك انتهاك صارخ للمبدأ القانوني والدستوري " لا جريمة بدون نص، ولا عقوبة بدون تشريع"
اضافة للمخالفة الواضحة لقانون المحاماة وكافه المواثيق الدولية التي تقرر وتكفل للمحامي الحصانات التي تمكنه من مباشره عمله، وأهمها عدم جواز حبسه فيما ينسب اليه من جرائم الجلسات.
اما الاعتداءات على المحامين من قبل قسم من ضباط الاجهزة الامنية والشرطة والدفاع وسوء المعاملة المقصودة في احيانا كثيرة من قبل بعض السادة القضاة، فهو غير مقبول والمحامي الذى ترفع له القبعة في فرنسا وفى امريكا وجميع الدول الاوروبية لا يجوز ان يهان وتهدر كرامته بهذا الشكل وعلى هذا النحو ومن يصرخ منهم مدعيا ان المحامين هم المعتدون وهم اصحاب المشاكل وهم اللذين......... نقول لهم هذا كذب وافتراء وادعاءات كاذبة ودفاع عقيم سقيم خليق بالرفض لان المحامي اعزل وبدون سلطة في مواجهتهم مما يدفعه للاحتماء بنقابته وزملائه المحامين.
القضاء هو وسيلة تحقيق العدل والسؤال الذى يطرح نفسه. هل بعض قضاة اليوم هم المنوط بهم تحقيق العدل ؟
لا اعتقد وذلك لأسباب عده ومن اروقة المحاكم خصوصا المحاكم الجزائية، كلنا يرى القاضي(قسم منهم) في مشهد يومي متكرر وهو قادم الى المحكمة امامه حرس وخلفه حرس واخر يحمل الحقيبة؛ حتى يدخل مكتبه المليء بالقضايا الكثيرة والمتنوعة(غالبيتها قضايا ارهابية) التي ستعرض عليه، يظل يقرأ ويقرأ ويفكر ويفكر ويستنتج ويجتهد والمحامي والمتهم والجمهور في الانتظار في اروقة المحكمة او قد في طرقاتها حتى يترأف القاضي بالمحامي ثم ينادى، اذ بنا ندخل ونفهمه ونثبت طلباتنا ثم ننتظر القرار، وبعدها سيادته(بعضهم) يرفع الموبايل ليهاتف احد القضاة ذوو الخبرة ليعطيه كيف يتصرف في قضية ما؛ لأنه يجهل القانون لتخرجه من المعهد القضائي للتو وليس لديه خبرة تؤهله لان يكون قاضي تحقيق في بغداد، غير متناسين ان مكتب القاضي الجزائي ملئ بمئات القضايا الخطرة والتي تحتاج الى وقت وتمحيص وتدقيق وتدبر، لكن مزاجه ساخن جدا ومنزعج من المتهمين وشايل المحامين على راسه ولا يوجد وقت لقراءة كل هذا الكم من القضايا، وتناسى انه من القواعد الأصولية الا يحكم القاضي وهو غضبان وطبعا لا يوجد قاض في أي محكمه الا وهو غضبان ان لم يكن من عائلته او الوضع الامني او المتهمين فمن المحامين او من الكم الهائل من القضايا التي يفصل فيها، كل هذا بخلاف الجهل بالقانون، اذن كيف سيتحقق العدل بمزاجه الساخن، ومحيطه الاجتماعي القلق وفكره القضائي المضغوط عليه، ام بالحراس الذين يسيرون امامه ام خلفه ام حاملي الحقائب، ام بكثرة عدد القضايا، ام بقلة خبرته، ام بالتدخلات من هنا وهناك، هل ذلك يعد هيبة للقضاء؟ وهل تتجسد العدالة في ظل هكذا اجواء؟
المهم تحال الدعوى للمحكمة الجنائية للفصل فيها ويحيا القاضي ويعيش القاضي، نفس الحكاية ونفس المشهد حرس امامه وحرس من خلفه واخر يحمل الحقيبة، وكأنها فرصة لتحقيق النفوذ وفرض السلطة التي يفتقدها البعض منهم، وكانت النتيجة في اغلب الاحيان هي: ضياع خيوط العدالة ومحو معالمها.
واصابت مهنة المحاماة في مقتل واصبح المحامي متقاعس بالإكراه عن رعاية شؤون موكله القانونية وموقفه ضعيف امام المتهم وذويه وفاقد القدرة في احيان كثيرة عن الاجابة عن اسئلة المتهم او ذويه المترادفة؛ لضعف المعلومات المتوفرة لديه، واصبح الوضع ينذر بما لا يحمد عقباه، واصبح المحامون على صفيح ساخن يضربون كفا على كف من تلك الاجواء والممارسات والاعتداءات وطرق المعاملة التي لا تليق برجل القضاء الواقف، متسائلين ما الذى يجرى وما الذى اصاب المهنة وكيف يستقيم الوضع في ظل تفاقم الامور، وكثرة التهديدات بحق رجال مهنة المحاماة والاعتداءات المتكررة من قسم من ضباط الشرطة والاجهزة الامنية والمعاملة السيئة والتقليل من شأنهم وازدراهم من قبل بعض السادة القضاة الامر الذى يؤدى الى عزف المحامين عن الاشتغال بالمهنة واللجوء الى الاضرابات والاعتصامات المتكررة للامتناع عن اداء واجبهم المهني كقضاء واقف وهو ما يؤدى الى تعطيل سير العدالة واصابتها بالشلل التام.
وأقتصر على ذكر بعض المناصب التي تقلدها أو يتقلدها بعض المحامين على الصعيد الدولي منهم، المهاتما غاندي، الرئيس ريتشارد نيكسون والعديد من رؤساء الولايات المتحدة، فرانسوا ميتران، نيكولا ساركوزي، باراك اوباما، هيلاري كلينتون ... فالمحاماة إذن منبت لرجالات الدولة، وفي فرنسا، فإن المرء لم يكن له أن يتصور مائدة للملك مثلا دون وجود محامين حولها، والكل معجب بمهنة المحاماة ومحترم لقدسية رسالتها إلى حد قول الملك لويز الثاني عشر (لو لم أكن ملكا لفرنسا لوددت أن أكون محاميا) أو كقول فولتير( كنت أود ان أكون محاميا)، ولن ينسى المحامون المغاربة إشارة التقدير للملك محمد السادس لمهنة المحاماة حينما ارتدى بدلة المحامي بمناسبة انعقاد مؤتمر اتحاد المحامين العرب بمدينة الدار البيضاء.
وقد اتخذت نقابة المحامين في مصر خطوة باتجاه وقف المعاملة السيئة للمحامين من قبل بعض اعضاء النيابة العامة، وانقل لكم لما قاله احد اعضاء نقابة المحامين المصريين(...وانها خطوة جريئة بإصدار قرار بعدم قيد أي ضابط شرطة او عضو نيابة او قاضى بجدول المحامين المشتغلين بعد خروجه من الخدمة للمعاش او الاحالة للمعاش ثبت على وجه اليقين انه اساء الى محام اثناء وظيفته او قام بالاعتداء عليه ......او ضربه او عامله باحتقار او قلل من شأنه حتى يفكر الف مرة كل من تسول له نفسه ذلك وحتى يذكرك التاريخ وتنال بعض الاحترام من المحامين ويرفع من شعبيتك المنخفضة الى ....، واقول للمحامي المعتدى عليه وكل محامى غيور على مهنته وزملاءه ارفع رأسك فانت محام والمحامين اسياد هذا البلد اما المتخاذلون والمتآمرون على المحامين والمحاماة ومن وازنوا بين هيبة الدولة وميل كفتها على حساب المحامين فلن يرحمهم التاريخ وافضل لهم ولنا الغاء مهنة المحاماة حتى يريحوا ونستريح....) ولا تعليق على ذلك.
ان القضاة صمام أمان الوطن وكانوا ولا زالوا حراساً على شفافية العمل السياسي من خلال إشرافهم على العملية الانتخابية، والمحامين نجدهم، حصن الدفاع الأول عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن المجتمع المدني يشغل المحامين فيه الجانب الأكبر، وهم أصحاب الكلمات المسموعة محلياً ودولياً ! كما أن الأحزاب السياسية غالبيتها أيضاً من المحامون، وبهذه النظرة الواقعية يتضح مدى تأثير المحامين وأهميتهم في المناخ السياسي العام .
فليس المحامين ضعفاء ويستمدون قوتهم من القانون وان المحامون هم الصفوة وعلية القوم ولا يخشون في الحق لومة لائم وهم على قلب رجل واحد وليحذر كل من جار عليهم او ظلمهم او اعتدى عليهم دون ذنب او يحاول تركيع جموع المحامين واذلالهم واهانتهم والحط من كرامتهم وتشويه صورتهم امام الرأي العام او يحاول ان يثبت ان القضاء ليس في حاجة اليهم.
((مع التذكير والتأكيد بوجود قضاة كثر ننحني امامهم من علميتهم وعدلهم ومهنيتهم وبهم يحيا القضاء العراقي ويزهو)).
الدكتور
عبدالقادر محمد القيسي
6/1/2014
1616 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع