الشاي....

                                        

   

يعدّ العراقيّون الشاي بطريقة تختلف عن الآخرين، ويحبّونه، ويغنّون له. وهناك أغنية مشهورة تمجّده،وترفع من شأنه: خدري الچاي خدري. عيوني لمن أخدره؟؟.

وهي تحكي قصة شخص يطلب من سيّدة إعداد الشّاي، يقول:

أعدّي الشّاي ياعيني.
 ويبدو أن السيّدة تفتقد حبيبها الذي اعتادت الاستمتاع بشرب الشّاي معه، فتجيبه: يا عيني! لمن أعدّه؟
وهناك شاعر موصليّ "ذو النون شهاب" وصفه بجملة رائعة فقال: الشّاي خمر الكادحين.
وكان أحد شيوخ منطقة الفرات الأوسط يحب الشّاي وعندما سئل لماذا تحبه: قال أحبّه لأن لونه أحمر جميل. ولأن مذاقه حلو جميل. ولأنّه موضوع في إناء جميل.
ولا أعتقد أن شعباً آخر غير العراقيين يعدّه بطريقة فريدة مثلهم قطّ، ورأيت الكثير ممن زاروا العراق فبقي طعم الشّاي العراقي على ألسنتهم سنواتٍ طوال. فهم لا يقدّمونه "فطيراً" خفيفاً كالسّوريين واللبنانيّين وأهل الخليج، ولا عميق اللون يؤكسده الغليّ الطويل كالمصريّين والسودانيّين، بل وسطاً رائقاً صافياً مخمّراً بتركه بضع دقائق قريباً من نار خفيفة جداً عند ذاك يبدو للشّاي طعم رائق حبيب لا مثيل له. وربما يعدّه الشعب المغربيّ وحده على طريقة مماثلة للعراقيّين لكنّهم لا يتركونه مدّة كافية كي يتخمّر بعيداً عن النّار. ولحبّ العراقيين الشّاي احتفظوا باسمه واسم أدواته الأجنبيّة كلّها كما وردت لهم من غير تعريب. فهو يقدّم بزجاجة يطلقون عليها الإستكان. فما أصل هذه اللفظة؟
لفظة استكان ككثير من اللفظات احتفظت بصيغتها وقاومتت عواصف التّغيير، فكلّ العرب يستعملون كلمة قدح أو كأس للزّجاجة التي يصّب فيها الشّاي وكلا اللفظين عربيّ، إلا العراقيّين فهم يستعلمون كلمة استكان ولا يعلم معظمهم من أين أتت؟
قبل مئات السنين كان الكأس الزجاجيّ الصّغير يصنع في روسيا، في منطقة تسمى استراخان. وكان يتواجد في المدينة نفسها معمل للسكر يطلق عليه العراقيون "القند" وعندما جاء الشاي في بداية القرن العشرين إلى العراق، استورد العراقيون السكر من استراخان لاستعماله مع الشاي، ووجدوا تلك الأقداح الزجاجية الجميلة فجلبوها هي وأطباقاً صغيرة جميلة جداً توضع فيها الاستكان مع السكر،

  

ثم جلبوا معها من نفس المكان "السماور" فاتخذه الأغنياء وسيلة لإعداد الشاي، أما الطبقة الوسطى، فكانت تستعمل إنائين لإعداد الشّاي، واحداً لغلي الماء أبقوا لفظها الإنكليزيّ كما هو "الكتلي"، والثاني لتحضير الشايّ ويجب أن يكون من الفخار الصينيّ، ويطلقون عليه "قوري الشاي" وهي لفظة صينية محرفة عن اسم إمبراطور صيني كانت تلك القوارير تستورد في زمانه، بينما يطلق العرب جميعهم لفظتين عربيّتين على ذلك الإناء إحداهما: إبريق الشاي. والثانية براد الشّاي.
وهكذا نرى أن العراقيّين ينظرون إلى الچاي نظرة أشبه بالتّقديس، وتغيير الاسم نوع من التّزييف، ولما كان المقدّس لا يقبل التّزييف فلذا أبقوا على الأسماء الأجنبيّة كما هي عليه احتراماً وتقديساً لهذا الشّراب اللذيذ. (ومن نافلة القول ذكر أنّهم يلفظون كلمة چاي كالصّينين بالجيم لا بالشّين كبقيّة العرب) لذلك بقي كلّ ما يتعلق بالچاي على اسمه الأعجمي: الچاي "صينية" بدل الشّاي. السّماور "روسية" الكتلي إنگليزيّة بدل براد. القوري صينيّة بدل إبريق. القند فارسية بدل سكّر. الخاشوقة. فارسيّة أو تركيّة بدل ملعقة الشّاي الصّغيرة. لكنّهم احتفظوا بلفظة عربيّة واحدة من أدوات الچاي مداهنة كي لا يغضبوا لغتهم الأم "اللغة العربيّة" وهي لفظة الصّحن الذي يوضع فيه الاستكان، فأبقوها عربيّة: صحن.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1032 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع