د.عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد وطرابلس وصفاقس / سابقاً
أكتب هذه المقالة لأنبه (الغلابة) من أمثالي,..لأخذ الحذر من فئة ضالة ,صارت سـمة لعالمنا المتمدن او قل المتدهور نحو الأنهيار الخلقي ,... فأمتهنت الخديعة المنظمة لأبتزازالكتاب ممن لهم الرغبة في طبع أبحاثهم أو كتبهم ونشرها !
شـاء القدر أن أكون أحد هؤلاء , وتدهورت صحتي وفقدتُ الثقة بالناس!, وتلاشـت الرغبة في طبع أي كتاب وفقاً للمثل العراقي:
المكروص حيه يخاف من أسـحاله !
أنهيت سـنيناً من عمري في التدريس والبحث- وألفتُ العديد من الكتب, وبدأت متاعبي حينما أستلمت رسالة من أحد الزملاء, يبشرني بالعثورعلى دار نشر رئيسها دكتور, و له ممثلة مقيمة في أمريكا.
وفي اليوم التالي أتصلت برئيس الدار, فأجابني بالرسالة التالية:
• الأستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
لا شك أن الذي يكتب بهذا الجمال في نبض الكلمات يملك قلباً يحوي من الروعة أوفر المعاني .. ومن المصداقية ما يجعل الكلمات تثور حنقاً على الصمت لتتحدث .. أو تعلم أنني قرأتك هنا ,... وتجدني في حيره!,.. كيف أن ارد على الجمال في رسالتك سوى بالجمال ..؟,
تهافتت علي الرسائل من صاحب دار النشر ووكيلته المقيمة في أمريكا, كتهافت براقش على الضوء!, يطالبونني بتحويل" $ 500"
لحساب الوكيلة, وهكذا نفذت طلبهم وتم التحويل عن طريق البنك, ثم
أرسلت الوكيلة أميلاً تؤكد أستلامها!,..وأستلمت تأكيداً من رئيسها, يعلمني أن لا مشكلة في ذلك!,.. وكتبها باللهجة العراقية!
وبخصوص المبلغ طالما أرسلته للعزيزة,.... ماكو مشاكل!
ومَـرت الأيام والأشـهر, وبدأ الشـك يدب عندي رويداً, رويداً, وفي أحد الأيام أستلمت اميل من دكتورة وصلها من نفس الشخص الذي ورطني مع صديقته النصابه! ,..وفي أدناه نصها:
بالرغم من عدم معرفتي الشخصية بجنابك لكني علمت ان هناك مشروع طبع كتاب لك في دار.... ، وقد علمت مؤخراً بأن المومى إليه هو احد النصابين الأكفاء في ..... ويستغل حاجة المبدع لطبع كتابه فيقوم بإيهامه بأنه سيأخذ مبلغ بسيط على طبع الكتاب وبهذا يوقع الكاتب بالفخ الذي نصبه له ، لذا اتمنى ان لايقع في فخه أحد من الكُتاب ، وارجو الوثوق بما اقول لأنها الحقيقة ولا ابغي من وراءها سوى كشفها ليس إلا.
وبدأت بالأستفسار عما جرى, ولم أجد غير الجواب بأسلوب غير لائق, لا أستسيغ كتابة مفرداته , ويأست من أي أمل أجنيه مع هذه العصبة ,..ولذا سـرحت في لحظات تأمل عما أكتبه هذا الأسبوع لقراء الكاردينيا الغراء بعيداً عن السياسة والصراعات الطائفية, ووجدت من الأفضل سـرد قصصاً عن التصابين لأطرح سؤالاً:
هل السذاجة أم الثقة العمياء,أم الغباء هي من مكن عصبة النصب على استغلالي !, ففقدت كتابين منقحين ومبلغ من المال ,وطالبت الطغات بالعودة الى رشدهم ولم ينفع معهم عتاب وتركتهم للزمن؟
وفي أدناه أمثلة عسى ولعل او لعل وعسى تنفع لأخذ العبر!
1– حورية من الجنه !
صورة رمزية للجورية المزيفة
دخلت شابة ترتدي اللباس الأبيض لحوريات الجنة, الى ارقى متجر لبيع الذهب في احدى البلدان العربية, فرحب التاجر بالزبونة بأشد عبارات المجاملة, وبعد الأستفسار منها , تبين ان لديها خاتم من الفضة بحاجة الى توسيعه, .. وما ان استلم البائع الخاتم بيده , حتى دخل رجل ومعه زوجته,وطلب الرجل من صاحب المتجر ان يعرض عليه ارقى ما لديه من المصوغات على زوجته لتختار ما تشاء الى ابنتهما العروسة!,..
فرح البائع بهذا الرزق وعزى ذلك لبركات المرأة الجميلة الجالسة بقربه, وطلب من الروجان الجلوس لحين الأنتهاء من طلبات الآنسة! فراح الرجل ينظر لزوجته وهي تنظر له, مستغربان مما سمعا!, .. وقالوا له ماذا تعني؟, فأعاد
عليهم القول , الا انهما, شكا في قواه العقلية , وابتسما له وقالوا له:
هل انت بوعيك؟!,.., نحن لم نرى احداً سواك في المحل!
ثم غادرا المحل ,..ملوحين له ,..باي ..باي!,. و لم يهتم البائع لتصرفهما واغلق باب المتجر, وما هي الا لحظات حتى طرق الباب شخص وقور من علية القوم وخلفه السائق يحمل حقيبة دبلوماسـية!
أنواع من الحلى الذهبية
وما ان طرق الباب حتى توجه البائع نحو القادمين, ورحب بهما, وبعد تبادل التحية,.. طلب الرجل الوقور من البائع , ان يعرض عليه اغلى ما لديه من مجوهرات!,.. ورحب البائع بطلب الرجل الوقور واستأذنه للحظات الى ان ينتهي من عمله مع الآنسة الجميلة!
ألتفت الزبون الى كل الجهات وقال للبائع : اي آنسة تقصد انا لم أرى احداً في مخزنك!,.. هل انت بوعيك أم تشعر بتعب ؟,..هل نستدعي لك الطبيب؟, تلعثم البائع ولا يدري ما يجيب, وانزعج الزبون وخرج وهو يلعن البائع!
جلس البائع في حيرة, والتفت الى الآنسة , وقال: لها:
هل سمعت هؤلاء الناس؟.. فقالت :
"نعم انهم على صواب, لم يروا اي شيئ ", فأنا حورية مبعوثة لك لأبشرك بالجنة!, ..وجئتك برائحتها لتنعم بها وتزيد من ايمانك, وما من احد يراني سواك!,..وخُـذ هذا المنديل واشتمهُ وسوف يزيدك الله من خيراته!
وما ان أشتم البائع المسكين رائحة المنديل حتى أُغميَ عليه, وفقد الوعي وسقط ارضاً, حيث كان المنديل مشبعاً بمادة مخدرة!
ما ان اكل صاحب المحل الطعم, حتى فتحت المرأة التي مثلت دور الحورية باب الحانوت ونادت على اصحابها الذين دخلوا عليها قبل قليل, ومثلوا دور الزبائن على صاحب حانوت الذهب,... وما هي الا لحظات حتى أسـتولت تلك العصابة على محتويات الرجل الساذج,..او قُل المغفل !
2 -يا غافل ألك الله!
في الدول النامية مكان متعارف عليه يتجمع فيه الشباب من مختلف الجنسيات لعرض انفسهم للعمل لقاء اجور يومية في الصباح الباكر. وفي احد المرات حضر رجل من اصحاب السوابق لأنتقاء شاب من الأفارقة الذين لا يجيدون النطق بالعربية ليستخدمه في احدى عمليات النصب والأحتيال , وبعد أن تمَ التوافق على سعر العمل اليومي,.. اخذه الى بيته والبسه الزي الرسمي لسفير غينيا, وقال له سوف اعطيك ثلاثة اضعاف اجرتك,.. وتصاحبني لشراء الحلى الذهبية من سوق الذهب وكل ما هو مطلوب منك هو ان تهز رأسك بالموافقة وتنفيذ كل امر اصدره لك, ووافق الشاب وبدأ العمل
رمز لصورة الشاب الغيني
سار الشاب النصاب بصحبة العامل الأفريقي الذي سيمثل دور السفير الغيني ,.. ودخل معه الى اكبر محل لبيع المجوهرات, وقدم السفير لصاحب المحل الذي رحب بدوره بسيادة السفير, واجلسه في داخل المحل وطلب له الشاي , الا ان الشاب النصاب الذي كان يمثل دور السائق, اعتذر من تناول اي شيئ لضيق وقت سيادة السفير حيث ان زوجته جالسة في السيارة وهو يرغب في شراء هدايا لها ولبناته وطلب من البائع صوراً للحلى لعرضها على المدام , وانطلت اللعبة على البائع واكل الطعم, وقال البائع للسائق خذ العينات لحرم سيادته.
حرم سيادة السفير الغيني
اخذ السائق النصاب كل ما غلى ثمنه وخف حمله, ووضع شنطة السفير على طاولة البائع للتمويه,.. وخرج متوجها لأقرب زنقة ليختفي فيها عن الأنظار وظل سيادة السفيرالغيني ( المواطن الأفريقي) صامتا كما اتفق معه, ومرت الثواني كجمرات في الدم!,.. وبدأ الشـك عند صاحب محل الذهب , وراح يسأل السفيرالمزيف , ولا يسمع منه جوابا سوى هزة بسيطة من الرأس وبعد ان وضحت الرؤيا, وعلم التاجر بغبائه وسذاجته او قل بثقته العمياء! , اتصل بالشرطة وعرفت الحقيقة بعد فوات الأوان, و الشاب الأفريقي يصرخ مطالبا بأجوره!
3 -ومن الحب ما قتل!
في بداية الحرب العراقية الأيرانية ,استشهد شاب في مقتبل العمر يسكن منطقة فقيرة في اطراف مدينة بغداد, وترك وراءه زوجتة الشابة ووالدته.
كانت الدولة تدفع اكرامية لورثة الشهيد بحدود 30 الف دينار, وقت كان للدينارقيمة تفوق الثلاث دولارات امريكية!
لم تنسجم الشابة مع والدة زوجها الشهيد, واخذت حصتها من الأكرامية وسكنت مع اهلها. ونظرا لضيق البيت ارادت ان تبني لها غرفة مستقلة فوق السطح بقيمة المال الذي ورثته من الشهيد زوجها.
استعانت زوجة الشهيد بأحد شباب الدول العربية المجاورة كان يعمل في البناء, ورحب بالفكرة, ولم لا,.. فقد وجدته كما قال الأخطل الصغير :
بصرت به رث الثياب بلا مؤى بلا أهل بلا بلد
واستلطفته وكان شفيعه لطف الغزال وقوة الأسد
وهكذا وبمرور الأيام عقد كيوبيد بين قلبيهما ونسـت بنت الأجاويد زوجها الشهيد, ووافقت على الزواج منه !
اقترح عليها الحبيب ان يمضيا شهر العسل في احد البلاجات في بلده ..وكانت الشابة العراقية مغرمة بالبحر وموجاته!
الزوجة المغدورة بأنتظار زوجها
تم عقد القران, واستخرج الزوج كافة الوثائق المتعلقة بالسفر وتحدد اليوم والساعة, وطلب منها المال الذي بحوزتها لتحويله الى دولارات وشراء بضاعة عند العودة ستدر عليها اضعاف مضاعفة من المبلغ الذي بحوزتها.
من منا لا يعرف ان من الحب ما قتل او قل الحب اعمى, فقد سلمت الحبيبة لفارسها كل ما بحوزتها من الدنانير, وهي مطمئنة!!
حان وقت الرحيل وودعت الأهل والأحباب, واستقلا في ذلك اليوم المشؤم سيارة اجرة,.. وما ان وصلا الى بناية المطار هبطا العروسان, وطلب سي العريس من الهانم حرمه الجلوس في احدى زوايا المطار لحين اكما معاملة التذاكر وفحص الحقائب!
كانت البنت العراقية الساذجة أو قل المغفلة ,تنفذ كل ما يأمرها , وقبعت في احدى المصاطب المنتشرة في بهو المطار, وهي تراقب زوجها من على بعد! , ولا تدري ما يخبأ لها الزمن,.. وصارت الدقائق جمرات في دمها, وطال الأنتظار, ودب القلق, الى ان لفت منظرها احد حراس المطار, وتوجه نحوها مستفسراً منها عن حالها, وشرحت له الموضوع, فخلع قبعته وضرب بها رأسه والغيض يكاد يدفعه ليصرخ بأعلى صوته وقال لها:
الزوج النصاب / عَلك وطار!
ولج يا غَـبره,..بَعَـد عُـكبيـش؟ ( بعد فوات الأوان) , الطياره طارت كبل ساعه, و زوجك مثل ما يكول المثل: علك وطار اللكلك ( اللقلق)!!
ثم راح يهون عليها وطلب منها عنوانه حتى تفبض عليه الشرطة الدولية حال وصول الطائرة الى المطار الدولي في دولته!
ظلت الفتاة تلطم على رأسها واعلمت الشرطي بعدم وجود اي وثيقة لديها تدل على عنوانه,... وهكذا طار الخيط والعصفور!
1440 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع