زينب حفني
شغوفة أنا بالغوص في مكامن النفس الشرية، من خلال قراءة كتاب نفسي، أو آخر يتحدّث عن تجربة إنسانيّة أو سيرة ذاتيّة.
وقد ساعدني الاطلاع على هذه الأنواع من الكتب، في تحليل شخصيات قصصي ورواياتي، وعندما أكون في جولة بأحد معارض الكتب العربية، أجد يدي تمتدُّ لا شعوريّاً إليها.
بلا شك هناك فرق شاسع بين الكتب الأجنبية التي يحكي أصحابها عن تجاربهم الحياتيّة، وبين الكتب العربية! فالمؤلف الغربي مهما كانت جنسيته، يؤمن بأن الواجب يُحتّم عليه أن يكون شفافاً في سرد تفاصيل حياته، وإن تخللتها أخطاء جسيمة! بعكس المؤلف العربي الذي يُواري تفاصيل حياته داخل دولاب عتيق، ويُلمّع ذاته، ويخفي سقطاته عن قرّاءه حتّى لا تهتزَّ صورته المثالية!
أعترف بأنني ما زلتُ أضعف، وأنا أمسك بين يديَّ كتاباً يقول عنوانه، بأنه يتضمّن سيرة حياة، فأنفح البائع قيمته وأمضي به فرحة، آملة أن أجد فيه جديداً عمّا سبقه من كتب! بعد أن أصل لمنتصف صفحاته الرتيبة التي لا تتضمّن شيئاً مفيداً، يخيب أملي، وأتحسّر على نقودي التي أهدرتها على هذه النوعيّة من الكتب، مُقسمة بيني وبين نفسي على هجر سير حيوات الشخصيات العربية المليئة بالأكاذيب!
قرأت خبراً بالآونة الأخيرة يتضمن تصريحاً لعمدة تورونتو الكنديّة، أنه دخّن حشيشة الكيف في مراهقته. ويُعتبر عمدة تورونتو رابع مسؤول يعترف بتعاطيه لهذا النوع من المخدر! وهذا يعود للجدل الحاصل في بلاده، بعد أن طالب عدد من النواب، بتشريع قانون يُبيح بيع المخدر وتعاطيه، أسوة بهولندا التي تُجيز بيع سجائر (الماريجوانا) علانية بمحلات متخصصة، لمن بلغوا السن القانوني.
لستُ هنا في موضع التشجيع على إجازة سجائر الكيف! فالمخدرات من وجهة نظر أغلبية الناس، مشكلة خطيرة يجب محاربتها للحد من سلبياتها على عقول الشباب تحديداً، ولكنني أريد أن أبيّن كيف تقوم المجتمعات الغربية على الشفافية والاعتراف بالأخطاء والزلات، وإن كان مسؤولاً له مكانته الرفيعة، كي يكون عبرة لكل فرد داخل مجتمعه!
في بلادنا العربيّة لا نعرف ثقافة المصارحة، أو بمعنى أصح نرفض ثقافة تعرية الذات أمام الآخرين، لاعتبارات أسريّة وأخرى اجتماعية، ونصر على أن نُلمّع أنفسنا، ونظهر أمام العالم كأننا ملائكة تمشي على الأرض، لم تقترب من الزلات يوماً، وتجهل المنحدرات الحياتيّة، وليس لديها ماضٍ تخجل منه!
عارضتني إحدى الصديقات في رأيي، قائلة..ما الذي سيستفيده الشخص من جعل سمعته مضغة يلوكها الناس؟! ما الذي سيجنيه من فضح نفسه أمام الملأ، خاصة إذا كان لديه أسرة وأبناء؟! ستُلاحقهم فضائح والدهم أو قريبهم في حياته وبعد مماته!
من وجهة نظري، لا يُمكن أن أخلق الأعذار لمسؤول أو مثقف، قرر أن يُسرد سيرته كونها أصبحت حقّاً مُشاع! مؤمنة بأن من يُقرر فعل ذلك، عليه أن يكون أميناً وصادقاً مع الآخرين، حتّى تحترم الأجيال الصاعدة ما سطّره. كيف يُمكن أن تتعلّم الأجيال الجديدة الدروس المؤلمة، إذا تعمّد أصحابها إخفاء وجوههم عمداً؟! كيف يمكن أن نؤسس أرضية نظيفة قائمة على الشفافية والمصارحة، وأغلبية المثقفين والسياسيين، يُوارون نقاطهم السوداء عن مجتمعاتهم؟! كيف يمكن أن نبني مجتمعات نقية السريرة، ونحن ندفع أفرادها دفعاً، إلى فعل الكذب، والسير على نهج من كانوا قدوتهم؟!
ليس هناك مبرر للبس (طاقة الإخفاء) التي كنّا نُشاهدها ونحن نضحك ملء أشداقنا بأفلام الأبيض والأسود! لقد أصبحت طرقاتنا خالية من القهقهات الحقيقيّة، كأن قدرنا أن ننصب سرادقات عزاء لأوطاننا طوال الوقت! متناسين بأن الشفافية وتقريع الذات، هما البداية الحقيقية لتأسيس أجيال متوازنة نفسيّاً؟!
1446 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع