كلمة صغيرة عن قلعة كبيرة

                                         

                      أ. د حسام داود خضر الإربلي

                        

 

    

قبل أيام أجرت معي قنـــاة تلفزيونية أرضية ( تبثّ برامجها من اربيل) لقاء تلفزيونيا ، عرضته بعـد يوم من إجـراء اللقاء فـي برنامج لها ،إسمه (كيوريشمه ) بمعنى لقـاء بالتركمانية..

طلبت مني التحـدُّث عن قلعة أربيـــل وولادتي فيها ، فضلا عـن سيـرتي الاجتماعيــة والتربويــة والثقافيــة والعلميَّــــــة . ولمّا باشرت بالكلام ودخلت أربيـل في حديثي ، إتصلت سيّدة قلعيّة تملك أسرتها إرثا مشهودا في القلعة ، بزوجتي وهي صديقتها ، تطلب منها أن تطلب مني الإسترســـال فـي الحديث عـن القلعة ،وعـدم الإكتفاء بهـذا القليل الـذي لا يشفي الغليــــل .ولمّا تجـاوبها أن اللقـاء لم يكـن مبـاشـــرا ، وقد تمّ البارحة ، تأسَّفت السيدة القلعية لذلك ، وتأسَّفتْ زوجتي ، وتأسَّفتُ لمّا أخبرتْني بذلك . قلت لا بدّ من تحقيق رغبتها بقنوات إعلاميـــة أخرى غير هذه ، في قادمات الايام . وقدمت القادمات ، فقلت هيّا يا رجل، فِ بوعدك الذي قطعتَه مع نفسك ، فوفيتُ بوعدي : أولا في جريدة محلية تصدر في أربيـــل باللغات الكرديـة والتركيـة والعربيـة بإسم أربيـل . ثم وجدتُ أنْ أوسِّع حـــدود نشري بمجلة ثقافية كاردينيّة، تُطْلَب عراقيًّا ، وتُحَلَّق عربيًّا .

والمهم فقد قلتُ :

(( قلعة أربيل ، سيّدتي ، شامخة بأهلها وتاريخها ........ قديمة قدم التاريخ نفسه ، حتى قال عنها ، وعن المدينة التي تضمّها،إبنُ العبري

( ت 685هـ ) فــي : ( تاريخ مختصر الدول ص 18 ) : إنها بُنيتْ زمن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وسواء كان هذا الكلام دقيقا أو غير دقيق كما ينبغي ، فإنّ أربيــــل وقلعتها من أوائل المدن التي ما زالت تنأى بنفسـها عـن الزوال ، وتحتفظ  بوضعها مأهولة بالسكان حتى الآن ، وإنها فـي الصحيـح الثـابت ، إحـدى المـدن الآشـورية الاربعة المذكورة في التاريخ ، وهي : آشور ، وأربيلا ، ونينوى ، ونمرود ، وكانت هي مـن الاربعة تلك ، مركـزا لعبـادة الالهة ( عشتـار ) التـي نُسبتْ إليـها ، فعُـرفتْ بإسم عشتـار أربـلا ، الأمـر الذي حدا بزميلي الدكتـور عبدالله محمد الحداد ( رحمه الله ) أن ينشر كُتيبا في الشأن ، في سبيعنات القـرن الماضي ، تحت عنــوان : لعنة الالهات الربع .

كذا ورد إسم معبدها في إربل في الكتابات المسمارية بصيغة ( ايْ ــ كشان ــ كلامّا ) ومعناه بيت سيدة الأقليم ( تفاصيل ذلك فـي كتابي : إرْبِل فــي شعـر القرنين السادس والسابع للهجرة ) .

ومهما يكن فقد تعاقب عليها بعد الاشوريــــــة حكم الفـرس الأخمينيين ( أوائل

المئة السادسة قبل الميلاد ) ، ثم حكم السلوقيين بقيادة الإسكندر الكبير بعد الإطاحة بالأخمينية عقب الإنتصار عليها في المعركة الفاصلة الواقعـة فــي دائرة أربيل سنة331ق. م،المعروفة تاريخيّا بمعركة كوكوميلا، ثم الحكم الفرثي (148ــ 226م ) .

ثم نوَّرها الله بالإسـلام زمـن الخليفة عمـر بن الخطاب ( 13ــ 23هـ ) بعـد أن فتحها الصحابي الجليل عقبـة بـن فرقد السلمي فــي حملتـه الإسلامية إلـى الموصل وجوارها وأطرافها سنة 20 للهجرة ، فحكمتها حكومات اسلامية بالترتيب الآتي :

إسلامية (20 ــ40هـ ) ، أموية ( 40 ــ 132هـ ) ، عباسية ( 132 ــ 440هـ ) ،

سلجوقيـة ( 440 ــ 522هـ ) ، أتابكيـة ( 522 ــ 630هـ ) ، عباسيــة (630 ــ

656هـ ) ، مغوليــة ( 656ــ 738هـ ) ، جلائريـة (738ــ 814هـ ) ، تركمانيـــة

( 814ــ 941هـ ) ، عثمانية ( 941ــ 1343هـ / 1925م ) ، عراقية منذ 1925 بعد حسم أمر مسألة الموصل ، وحتى اليوم .

قلعة أربيــل بهـذا التاريخ الجميل ، قاومت المحن والفتن والأوبئة والكوارث والأطماع والغزوات .

قلعة أربيل قاومت أطماع التتار منذ 634هـ ، حتى نفد ماؤها وطعامها ورجالها وتخلَّتْ عنها دولتها العباسية التي كانت تحكمها منذ وفاة ملكها مظفرالدين بن علي كوجك بن بكتكين،الشهير بمظفرالدين كوكبوري ( الذئب الأزرق) سنة 630هـ .

قلعة أربيل لم تستكن لإطماع الشاه إسماعيل الصفوي طوال سنِّي حكمه (914ـ941 هـ ) ، وقاومت نادر شاه سنة1156هـ .

قلعة أربيـل دفعت دماءً غـزيرةً عـزيزة فـي ردّ عاديات الزمن طوال سني الحرب الاولى (1914ــ 1918م ) حتى أكل أهلها خشاش الأرض وما كره من الحيوان.

قلعة أربيل مكلَّلة بإرث ثقافي مجيد، لوأنطقتَها لتحدّثت لك عن عشرات العلماء،

عشرات القضاة ، عشرات المُحِّثين ، عشرات القراء والمُقرئين،عشرات الأدباء ، عشرات الشعراء ، منهم :

* البحراني الإرْبِلِّي ( ت585هـ ) . شاعر

* الخطيب الإرْبِلِّي ( ت 585هـ ) ، أديب بثقافة واسعة ، له : إختصار كتاب العمدة لإبن رشيق القيرواني ، ديوان شعر ، ديوان رسائل .

* حسام الدين الحاجري الإربلّي (ق632هـ ) . شاعر ، له ديوان مطبوع بمصر .

* إبن المستوفي الإرْبِلّي ( ت637هـ ) ، مؤرخ ، وأديب ، له : تاريــخ إرْبِل بأربعة أجزاء ، عثر إلى الآن على جزئه الأول في إحدى مكتبات لنـــــدن ، طبعته وزارة الثقافة والإعلام العراقية بتحقيق السيد خمّاس الصقَّار ، فيما تُعدّ الأجـزاء الثلاثة الأخرى من المفقودات إلى الآن .

وله أيضا : النظام في شعر المتنبي وأبي تمّام بـإثني عشــر جزءًا ، طبعته وزارة الثقافة والإعلام العراقية ، بتحقيق الدكتور خلف رشيد نعمان .

وله ديوان شعر ، ينتظر مَن يُحقّقه .

* إبن النفيس الإربلِّي ، المعروف بشيطان الشام ( ت 638هـ ) ، شاعر .

* إبن الخبّاز الإربلِّي ( ت639هـ ) ، لغوي وشاعر .

* خاميس القرداحي الإربلِّي ( النصف الثاني من القرن السابع الهجري ) .

تلميذ الشاعر النصراني جرجيس وردا الإربلِّي .

* الأمير إبن قرطاي الإرْبِلِّي ( ت 655هـ ) ، إداري وشاعر .

* إبن نبهان الإربلِّي(ق656هـ )، قتله التتار ببغداد عندما إحتلّوها. إداري وشاعر.

* مجدالدين النُشّابي الإرْبِلِّي ( ت656هـ ) ، مُصَنّف وشاعر ، له :

المُذاكرة في ألقاب الشعراء ، حقّقه شاكر العاشور ، وديوان شعر .

* إبن نجا الضرير الإربلِّي ( ت660هـ ) . معرفة في العربية والنحو والأدب وعلوم الأوائل ، وشاعر .

* إبن الظهير الإربلّي(ت677هـ)،له ديوان شعر معروف،حققه الدكتور ناظم رشيد.

* إبن خلكان الإربْلِّي (ت681هـ) ، صاحب وفيات الأعيــان (6أجـزاء) ، تحقيق د /

إحسان عبّاس .

* بهاء الدين المنشيء الإربلِّي (ت692هـ ) ، صاحب التذكرة الفخرية ، تحقيق د /

نـوري حمـودي القيسي ، ورســالة الطيف ، تحقيق عبــدالله الجبــوري ، وكشف الغمة في معرفة الأئمة ، وديوان شعر .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

905 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع