محمود داوو د برغل
كان الجار يسأل عن جاره .إن رآه رحب به, وان غاب حفظه, وان شهد قربه, وان سأله قضى حاجته, وان نابته نائبة فرج عنه,
ليس بعيدا عن دار الحاج المرحوم يوسف الحسون, دار المرحوم الحاج نوري الصفار والمسافة بينهما مرمى بصر, كعادته يوميا, كان الوجيه يوسف الحسون يعشق السير ليلا, ليستنشق نسيم الهواء العليل من على الدجلة .
سمع نحيبا وبكاء يصدر من دار الصفار, أقلقه الأمر ففي الدار لايوجد غير أم الأخوين الأستاذ ستار وعبدا لرزاق الملتحقين في أتون جبهات القتال في الحرب العراقية الإيرانية .
ولكون أن البيوت حرمات ذهب الفقيد الحاج يوسف الحسون طيب الله ثراه , إلى داره القريبة على الفور وجلب معه شريكتي حياته كل من الحاجة أم احمد والحاجة أم صادق, وطرق باب المرحوم الصفار الخشبية العالية .
خرجت الحاجة أم الأستاذ ستار الصفار الطيبة صاحب اليد السخية وهي تمسح وتكفكف دموعها .
استقبلتهم وأدخلتهم الدار التي كانت رابضة على السدة .
والتي إزالتها بلدية العزيزية بدعوى أنها مشيدة على خط التهذيب وهو مصطلح في قاموس الأنهار والري.
قال لها الفقيد الحسون أختي الكريمة مالخطب ؟
هل من أخبار عن الأبناء من جبهات القتال لأسامح الله .؟
قالت الحاجة أم ستار .. لا الأبناء والحمد لله بخير فالمعارك الشرسة في جبهات بعيدة عنهم.
هل هناك ما يدعوك للبكاء ؟
هل من ضائقة مالية .؟
هل من أمر تؤدين البوح به لأختيك أم صادق وأم احمد ؟
..لم يكن لدى الحاجة أم ستار في تلك اللحظة سوى قلقها على ابنيها والشوق إليهما وهي تعيش الوحدة في تلك الظروف السوداء التي مرت بها البلاد!!!
عرفت الحاجة أم ستار رحمها الله بلطفها وسخريتها فقد كانت حاضرة النكتة
وسريعة البديهة إضافة إلى إيمانها بالله الواحد الأحد وبالقضاء والقدر خيره وشره وباعتزازها بكرامتها .
قالت للفقيد الحسون انت أخي وقد نشأنا معا .. سأبوح لأخواتي بسر النحيب والبكاء وبحضورك أيضا.
لقد كنت أشاهد مسلسل ساري العبد الله من على شاشة التلفزيون فتذكرت شباب العراق الذين لايختلفون عن أبنائي فتألمت وبكيت وتفاعلت مع أحداث تمثيلية فكيف بي وأنا أتذكر الواقع المرير الذي يعيشه العراق .
فليس بعيدا عن المكان ابن جارنا المرحوم الشاب كريم طرفة وهو أول شاب من أهالي العزيزية قضى في الحرب العراقية الإيرانية على الرغم من كونه في صنف الانضباط عسكري, وليس بعيدا عن المكان ابن جارنا يحيي أبو الريش
الذي قطعت يديه أثناء أدامته الدوشكا الرباعية.
انفرجت أسارير الجميع كون أن القضية ليس فيها طارقا جديد لم يطرق بخير.
..لكن لم يدر في خلد الوجيه الحاج يوسف الحسون رحمه الله وطيب ثراه الذي جاء إلى جارته مواسيا انه سيفجع يوما بابنه المرحوم والمأسوف على شبابه الأخ العزيز خالد أوسم الشباب وأجملهم خلقا وأكثرهم هدوء في حادث سير بعد عودته أو التحاقه لوحدته العسكرية حيث المعارك الشرسة بين العراق وايران في قواطع الجنوب حتى لبس كل أصدقائه السواد حزنا عليه.
إلى كل الأموات الذين ذكروا وأمواتكم جميعا تعالوا نقرأ فاتحة الكتاب
1475 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع