د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
المتابعون لمباريات كرة القدم العراقية منذ انطلاق الدوري العراقي لكرة القدم بداية الستينات، وأيام المباريات الدولية والمحلية التي كانت تجري على ساحة الكشافة ..
ثم بعدها في ملعب الشعب الدولي (الذي بناه كولبنكيان) بعد افتتاحه عام 1966 بمباراة العراق وبنفيكا، يتذكرون رجلاً في الخمسينات من عمره ممتليء الجسم، قصير القامة (يعني إمدعبل كما يصفه العراقيون!) .. وهو يحمل كيساً مملوءاً بالبرتقال .. ينتظر صافرة الحكم بإنهاء الشوط الأول، لينطلق مثل الصاروخ على خط الوسط ليلحق بالحكم ومساعديه واللاعبين من الفريقين قبل ان يتركوا الملعب للاستراحة، فيوزع على الجميع برتقالا يأتي به من عنده، وكان مدمناً على هذا النوع من التشجيع الذي إقترن بإسمه ولم ينافسه قبله أو بعده مشجع آخر...
حتى ظهر علينا مهدي وقدوري في الثمانينات والتسعينات بأصواتهما المتميزة.. ومن يشاهد تسجيلات مباريات بطولة كأس العرب بساحة الكشافة ببغداد (نيسان 1965) يلاحظ انطلاقة المشجع الكروي محمد نقش من خط الوسط مع صافرة الحكم بانهاء الشوط الأول من كل مباراة.
محمد نقش ظاهرة عراقية:
محمد نقش كان ظاهرة عراقية خلدتها كاميرات النقل التلفزيوني آنذاك، وللأسف بحثت عن صورة لهذا المشجع الذي إنطبعت صورته وملامحه في أذهاننا لكن عجزت عن العثور على صورة له.. وقد استمر محمد نقش على هذه الطريقة طيلة سنوات الستينات من القرن الماضي ثم اختفى مع حلول السبعينات..
لا أدري أين هو محمد نقش الآن.. فالرحمة عليه إن كان حياً أو كان قد غادرنا إلى الآخرة... ولعل احدا من اخوتنا الاحبة لديه معرفة واطلاع ليخبرنا أين آلت الدنيا بمحمد نقش الآن؟
وتداول الناس حينها روايات متناقضة عن سبب إختفاء محمد نقش من مباريات كرة القدم.. بعضهم قال انه توفي، ولكن آخرون قالوا انه سُجن في قضية مخدرات.. والخبر الأخير كان صحيحاً..
لقائي مع نقش في سجن أبو غريب:
وفعلا، إلتقيت بمحمد نقش في سجن أبو غريب عند افتتاح مبناه أوائل السبعينات، بعد أن تحول السجن المركزي من منطقة باب المعظم إلى منطقة أبو غريب، وصار بناية نموذجية ومنشئات يفخر بها العراق ذلك الوقت حتى سماه الزائرون حينها فندق خمس نجوم!!! .. حيث كنت في زيارة رسمية إلى مباني السجن الجديد، وقابلت محمد نقش في قسم الأحكام الطويلة او الثقيلة حيث يبدو أنه كان محكوماً بالسجن المؤبد في قضية تهريب مخدرات، وقد تكلمت معه كثيرا عن الموضوع، وحاول أن يدافع عن نفسه، ويؤكد أنه مظلوم ولا ذنب له في القضية الملفقة الذي أقحم فيه اسمه –حسب ادعاءه -. وقيل وقتها أن أحد الفرق الأفريقية المشارك في بطولة كروية عالمية اقيمت في العراق حينها أدخلوا معهم مواد مخدرات، وان محمد نقش كان متورطا معهم فيها وقيل ان الفريق هو من ساحل العاج.
ليس المهم الآن موضوع ثبوت تهمة المخدرات من عدمه، فهذه يعلمها الله وحده، وهو الذي يتولاه بريئا كان ام مذنباً، ولكن المهم ان محمد نقش كان يشكل ظاهرة فريدة في التشجيع الكروي تستحق الاشادة والتوثيق.
محمد نقش كان كما قلت يأتي محملا بكيس مملوء بالبرتقال العراقي، ولا أدري كيف كان نقش يدبره صيفا وشتاء وفي جميع فصول السنة، ولم يكن حينها العراق يعرف استيراد الفاكهة من الخارج..
مشجع غير منحاز:
محمد نقش مشجع عراقي متميز، كان يذرع المدرجات وينتقل بين هذا وذاك من المتفرجين وهو يحمل كيس البرتقال وقد سبق الأخوين مهدي وقدوري، في تشجيع منتخباتنا الكروية لعقود طويلة هذا المشجع الذي نذر نفسه للمنتخب العراقي لكرة القدم في حينه .. ولم تخل ساحة وملعب من وجوده وحراكه طيلة فترة المباريات .. والجدير بالذكر أن "محمد نقش " لم يكن يشجع فريقا محدداً دون آخر، وربما كان في قرارة قلبه يشجع فريقا معينا لا ندري، لكنه لم يفصح بذلك.. فقد كان مشجعاً من طراز فريد .. وكانت وسيلته بالتشجيع هو"البرتقال" حيث يقوم بملء سلاله ويدخل كأي مواطن حريص على سمعة كرة القدم خاصة عندما كان المنتخب العراقي يلعب ضد فريق أجنبي او عربي.
محمد نقش حفر اسمه في ذاكرة رياضة كرة القدم العراقية، واسمه في سجل المشجعين الذين كانوا يقضون وقت المباراة وقوفا مع توزيع البرتقال .. بهيجا كان ما يراه .. وفخورا بما يحققه المنتخب العراقي من فوز.. وصارخا عند كل هدف يسجله لاعب عراقي .. حث اقتران اسمه وتشجيعه بالبرتقال ويذهب البعض إلى أن" محمد نقش" وحده كان ظاهرة غير التي عليها اليوم قدوري صاحب الصوت الجهوري وزميله في التشجيع "مهدي"..
وقد تألمنا كثيراً لما آلت إليه حال المشجع ذو الصوت الجهوري قدوري.. وهو اليوم على فراش المرض والألم.. ينتظر من يمد له يد المساعدة لشفاءه من مرضه، هذا الصوت الذي أطرب الحاضرين في مباريات كرة القدم، وكان حافزا للاعبينا لمضاعفة الأداء، لقد سَخّر صوته لبعث الهمة في لاعبينا لتحقيق
الفوز، وهو مع زميله مهدي يشكلان ظاهرة عراقية متميزة... ومن باب الوفاء ورد الجميل والعرفان يفترض أن يحظى المشجع قدوري بالرعاية وتدارك ايفاده للعلاج .. وما زلت أتذكر صوت قدوري في منطقة الرصافي، حيث كان ينتظر خروجنا من مقر مديرية الشرطة العامة ليهتف بأعلى صوته .. فيضطرنا لإسكاته بتقديم مبلغ من المال تشجيعا له ومحبة منا له.. لقد سخر قدوري صوته لتشجيع منتخباتنا الوطنية وتشجيع جميع الفرق، ومن حقه على الجميع، دولة ومؤسسات ونوادي ولجنة اولمبية وغيرها ان يساندوا هذا الرجل ويقفوا معه في محنته..
1542 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع