بثينة خليفة
عادت تونس من جديد إلى نقطة الصفر، وفشلت محاولات الصلح بين حركة النهضة الإخوانية الحاكمة وبين المعارضة،
حيث أعلنت المعارضة تعليق مشاركتها في المجلس التأسيسي؛ بسبب مواقف متشددة وغريبة للحركة التي هيمنت على شؤون البلاد وآثرت مصالحها الضيقة المرسومة لها من قبل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على مصلحة تونس العليا التي لن تقوم إلا على التوافق بين الأطراف كافة دون أن يشعر الجميع بأن ثورته لم تسرق منه بعد أن كافح الشعب وقدم الشهداء، خصوصا الشباب التونسي الذي صمد في الشوارع وواجه الخطر حتى أسقط نظام بن علي.
هذا الشباب أفاق ليجد كل شيء أصبح في يد فصيل واحد، هو حركة النهضة التابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ووجد نفسه غير موجود بالمرة في العملية السياسية في البلاد بسبب عدم اعتراف كهول السياسة بقدرة هذا الشباب على تولي الأمور العامة وممارسة السياسة.
أليس من غرائب الدهر أن يصر زعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي على رجل يبلغ من العمر تسعين عاما؛ ليكون رئيسا للحكومة المستقلة خلفا للقيادي بحركة النهضة الإخوانية علي العريض، وكأن تونس خلت من الرجال المتعلمين المحايدين القادرين على إدارة شؤون بلدهم.
لقد كان من الطبيعي أن تعترض المعارضة ويعترض الشعب الذي قام بثورة وأسقط نظاما على تعيين كهل هو نفسه يحتاج لمن يرعاه صحيا في ليله ونهاره، وكان من المنطقي أيضا أن يطالب الناس بتوقيع الكشف الطبي على الرجل؛ لكي يتأكد من قدرته على تحمل أعباء دولة بكاملها، ولكن الرجل رفض ولا نلوم عليه في ذلك.
فاللوم يقع على من أصر عليه دون غيره، اللوم يقع على الحركة التي تريد رجلا طيعا لا يشغله سوى الحفاظ على ضغط دمه ومستوى السكر في دمه من الارتفاع، أما الأسعار والخدمات والمسائل الأمنية وما يحتاجه الناس في حياتهم اليومية فسوف يعتني به رجال النهضة، في الوقت الذي سيكافح فيه رئيس الحكومة من أجل الصمود أمام عدسات المصورين الذي يصورون تحركاته اليومية.
ليس هذا تقليل من شأن الرجل، فهو بالتأكيد ذو مؤهلات وخبرات كبيرة، ولكن لابد لحركة النهضة أن تحترم نواميس الحياة وتحترم عقول شباب تونس الثائر، فتونس بلد متعلم مثقف وطالما أنجب القادرين على إدارة شؤونه في المجالات كلها.
ولكنها العقدة الإخوانية كما هي لا تتغير، هي الرغبة في الاستحواذ على كل شيء والخوف من فقدان السلطة بعد سنوات طويلة من السعي للوصول إليها، والإخوان بسبب ذلك يمكن أن يفرطوا في أي شيء؛ من أجل بقاء السلطة بأيديهم، حتى وإن فرطوا في تونس نفسها. هم يدركون أنهم إن تركوا السلطة لن يعودوا إليها، وبالتالي ستشهد تونس مشكلات عديدة خلال المرحلة المقبلة بسبب تعنتهم ورفض المعارضة لهيمنتهم على كل شيء،وربما يظهر لهم جنرال يستطيع أن يجمع الشعب حوله كما حدث في مصر وتدور الدائرة عليهم مرة أخرى.
1486 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع