علي السوداني
لم تكن تلك الرغبة الملحاحة ، قد انولدت البارحة ، أو التي قبلها . إنها نائمة في رأسي منذ أربعين سنةً ، وقد فزّت الآن .
سأُحضّر لها نفسي بقوة ، وأدرز تفصيلاتها المبهجة فوق ورقٍ ممسطر . حتى لا تدوخوا وأدوخ ُ ، سأبلشُ فوراً في رسم المكتوب ، على شاشة السهل غير الممتنع ، إلّا بما خفيَ من المعنى ، وتبلبلَ في التأويل والقياس . سأشيل جسدي المنحول ، واحداً وحيداً ، وأطير به صوب مصر . سأشتري ألف فدّان من أرضٍ بكرٍ خصبةٍ مثل امرأةٍ ولود . سأبني فوق خاصرتها عزبة عظيمة عالية ، وإذ أُعرّش على كرسيّها القويّ ، سيكون بمقدور عيناي ، قنصَ ما شئتُ من مغاربها ومشارقها والشمولُ . سأستعينُ بالله وبفلّاحين فراعنة ، فتيةٍ شدادٍ معضّلين ، صحبة أزواجهم والبنت والولد ، حتى تصير الأرض ، جنةً من زرعٍ ودواب دابّةٍ ، وعطر ترابٍ فيه عافية وشفاء للغادين والرائحين . في هذا الغيط الرفيع ، سيكون منظرُ البقر والجاموس ، أحلى من مرأى الغنم . لديّ تفاصيل مغبّشة عن شرائط الضحية والساقية والرحيل . ما زالت صورة البنت تفيدة ، تلبطُ في عميق الذاكرة . كان أيضاً ثمة العمدة سلطان ، والفتى أبو المكارم الأبكم وقد تلبّسه الموهوب صلاح السعدني . في نقلتي المبروكة هذه ، سأصيرُ عمدة القرية ، في الحكم وفي الكلام ، وسأتزوج من امرأة حلوة حنينة كحيلة ، مثل شادية في شريط " شيء من الخوف " وربما زيزي مصطفى ، لكن ليس هند رستم أو سعاد حسني . كنت أتمنى أن تكون فاتن حمامة ، لكنّ فاتن امرأة ترفة وابنة مدينة ولا قبل لها بحياة الغيطان والغوطة . أظنني سأحشر نفسي بين اثنتين : سميحة أيوب وهدى سلطان أو من صنفهما النادر . سأختار واحداً من شداد الكفْر ، يشيلُ وجهه شارباً مثل شارب حمدي غيث ، وأكتّفه ببندقية انكليزية شغّالة ، وأجعله قائماً على كرسيّ شيخ الغفر . لديَّ صمّ خيارات في مسألة شيخ الغفر . كنتُ أريد حسين اسماعيل أو عبد الوارث عسر ، لكنني نفضتُ يدي من الأمر ، لأن حسين أرعن ، وعبد الوارث فقير ومدوهن ، وهو أقرب الى الثول منه الى النباهة . في لحظة ارتباك مبهمة ، وقعتُ على فريد شوقي ، وتوفيق الدقن ، ثم هربتُ منهما ، حيث فريد لديه طموحات عمدوية ، والدقن يده طويلة ، وعينه مالحة . الليلة المقمرة ، بسملتُ بأسمه الذي لا يردّ حائراً تائهاً مضطرباً متضعضعاً من خشية حُمْقٍ ، واخترت الرجل عزت العلايلي ، شيخاً للغفر أو للخفر ، وأميناً مؤتمناً على العزبة والعيال والزوج والحلال . عزت خوش ولد وطيّب وشجاع وطويل وهيبة مثل فحل توت ، وغضبته كانت غضبة حليم ، يوم قامت شرطة الأنكليز الأوغاد ، بسحل محمود المليجي بوساطة حصان جامح ، صوب مخفر الكفر ، وهناك حلقوا شاربيه ورجولته . عزت شيخ غفر سوف يملأ كرسيه وثيابه ، وسيكون واجهة طيبة لي ، ومصدّاً ومتكئاً ناصحاً نصوحاً . سأوصيه بعدم السماح لفريد شوقي ورشدي أباظة وأحمد رمزي ويوسف شعبان وفاروق الفيشاوي وسهير رمزي وناهد شريف وشمس البارودي وحسن يوسف ونبوية ، التواجد عند أسوار الغيط ، حتى لو كانت هذه الشلة ، راكبة بمركب غائصٍ ربعه في صفحة الشط ، لأن هذا الانوجاد المباغت ، سيحول المشهد النبيل الذي نحن عليه ، إلى مشهد شيشة وحشيشة ، وسيتطور الأمر بتالي الليل ، الى طقاطيق مستلة من سِفْر الهشّك فشّك ورقّصني يا جدع .
على مفتتح شاي العصر ، سمعتُ والعلايلي عزت ، صوت امرأة تعيط وتولول وتنوح . نطّ عزت من مكمنه ، وغاب غيبة صغيرة ، ثم رجع وقلبه يكاد يسقط بين رجليه ، وبشّرني بنفوق بقرة عبد العال الوحيدة . طلبتُ منه أن يعوّض الزوج وزوجه ، بواحدة من بقرات الكفر السمان ، ولم تكد الشمس تسقط في ترعة المغيب ، حتى تناهى إلى مسمعي ، صوت " الوليّة " وهي ترفع كفيها الى السماء ، وتختم ب " ربّنا ما يحرمناش منّك يا حضرة العمدة "
سألبس جلّابية وعمّة وشالاً يتنزل من على الكتف القائم ، تماماً مثل كشخة محمود مرسي . سأُسمّي الدجاجَ فراخاً ، وسآكلها مثلما أُكلتْ من قبل ، بيمين صلاح منصور الغليظة . سيكون شيخ الغفر المخلص عزت ، شريكاً حميماً على مائدتي . ستقدّم لنا ابنتي العاقلة المهذبة نجوى ابراهيم ، كاسات الشاي المهيّل الأسود . سألمحُ ابتسامة خافرة على وجهها البريء ، مردودة بابتسامة مصنوعة من عين وخشم وحلق عزت الآدميّ . سأبصم الصبحية على زواج نجوى الحلوة من عزت الحلو . سأجلب الفلاح البديع محمد رشدي ، وفرقة محمد طه والنايات والماصولات والفلاحين والفلاحات ، فيرتاح الحشد ويطرب ويرقص على رنّة " اسمك عدوية يا صبيّة ورموشك شطّ " . سأهجُّ من قعدتي العُمودية ، وأتوّجُ الليلة برقصة العصا والنبّوت . سأهجركم الآن أحبّتي ، كي أنام على طمأنينة . كونوا بخير ههههههههههههههههههههههههه
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
1404 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع