د.مجيــد القيسي
وأخيرا !
ها هو الموعد ألحاسم قد أزف يا (أبا حيدر) ؛ وقد تزامن
مع الوعد الحق ؛ بلا زيادة او نقصان ؛ لتنتقل بعده بسكون
وخشوع من المسرح المؤقت الصغير الى المسرح الأبدي الكبير
الذي كثيرا ما صورته لنا بطرفة من طرفك الفكهة المعبرة.
لقد عشت يا أبا حيدر الحياة بأبعادها ألأربعة ؛ ألأبعاد المكانية
والزمانية. فأنت أبن بغداد وفتى أطرافها ومحلاتها على جانبي
الشط. فقد عشت الزمن الجميل من بدايته حتى نهايته بالرغم
من قسوة طعمه وخيط المرارة المحببة وبعد كل رشفة.
ما الذي يمكن لمن عرفك عن كثب ان يقول فيك سوى أنك إبن
العراق البار وذاكرته الحية وتأريخه الناصع وتراثه ألأصيل
وحكاياته الشائقة التي تفجر الضحكة قبل ان تعرف نهايتها.
وإذا قيل بأن الناس ينقسمون الى حكماء وظرفاء ؛ ففي شخص
(اسعد عبد الرزاق) يندمج إلأثنان في شخص واحد. ولأنه أبن
بلد ؛ فقد عرف اسرار الناس وخبر سرائرهم. فكان لكلماته
فعل المهدئ...بل وأحيانا فعل المخدر. وأذكر له موقفا أحسبه
من أكثرها طرافة وحكمة ومرارة. فقد جاءنا صباح يوم من
أيام الصيف الحارقة وهو يدعونا للقيام بمغامرة شبابية بان
نسبح في دجلة عند جسر الصرافية. وكنا كوكبة من أساتذة
(حي الجامعة). وما أن خلعنا ملابسنا ودخلنا الماء في جو
ساده مرح مكبوت وصخب مفتعل ؛ وإذا بجندي مسلح يصرخ
فينا: (يلله ..... برّا ...ممنوع السبح هنا !).
وأخذت أحدنا ؛ وهو من محلة بغدادية شامخة ؛ عزة الطرف
و(اللقب الجامعي العتيد !) ؛ فهمَّ نحوه صائحا: أين الضابط
المسؤول..!؟. فإزداد الجندي شراشة وهيجانا. فأمسك به
وأصر على مرافقته. فتعقد الموقف كثيرا. وإذا (بأبي حيدر)
يأخذه بلطف الى جانب ويعرفه بنفسه من غير فائدة.... ثم
يهمس في اذنه تعويذته المألوفة. فسكن الجندي وتركنا.
فصاح (ابو حيدر): يلله يا جماعة لموا هدومكم...!؟. وفي
صوت واحد سألناه: ماذا قلت له: فأجاب وإبتسامته الفارقة
على شفتيه: ( إبني هذولة كلهم زعاطيط ... وتريد تخلي
عقلك وياهم وإنت الجندي السبع إبن الأوادم...!؟).
هكذا كنت يا (ابا حيدر) بردا وسلاما وبلسما. ولا أزيد فاقول:
بأنك كنت نعم الجار الطيب وألأخ الكريم والصديق الوفي
والجليس الجميل. وإن ما يقطِّع نياط قلوبنا هو ان نحمل الى
مستقراتنا ألأبدية ونحن منثورون فوق رمال الصحارى
وقمم الجبال و هضاب الثلوج ووراء المحيطات من أجل
ان تطرب نفوس وتدمع عيون وتشق جيوب.... ويكدس
الذهب في البنوك.
فنم قرير العين في سكنك الجديد. ولتتأكد بأنك سوف لن
تخسر شيئا في هذه الدنيا الفانية قبل أوانها. بل ستريح
أذنيك من سماع خبر قاس عن زميل قد تناثرت أشلاؤه
وهو يحمل أكياس الفاكهة لأولاده الصغار.
ليرحمك الله (يا أبا حيدر) وليسكنك جنات الخلد التي
أنت من مستحقيها عن جدارة ؛ بطيبتك و برجولتك
وبحبك الطاهر لتراب الوطن. وليلهم أسرتك الكريمة
وأصدقاءك وطلابك وعشاق فنك الصبر والسلوان.
مجيــد القيسي
1586 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع