أحمد صبري
برهم صالح.. مهندس قادته السياسة إلى محرابها دون أن يعمد نفسه ببندقية البيشمركة
القيادي الكردي برهم صالح يسعى إلى خوض معركة خلافة جلال الطالباني من إيران عبر إعادة البرنامج الإستراتيجي لحزب الاتحاد الوطني.
برهم.. عينه على رئاسة العراق وقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني
طموح القيادي الكردي برهم صالح ليس له حدود.. هو الآن على بعد خطوات لخلافة جلال الطالباني في رئاسة الاتحاد الوطني الكردستاني وربما رئاسة العراق.
الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهدها إقليم كردستان العراق والخسارة الموجهة التي لحقت بحزب الرئيس العراقي جلال طالباني فجّرت خلافات كثيرة داخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وفي الوقت ذاته شجّعت هذه الخسارة التي وصفها القيادي الكردي برهم صالح بـأنها "أمر محزن ولا تليق بتاريخ ونضال الاتحاد الوطني الكردستاني".
"لكن الهروب من الحقيقة أمر مخجل" أيضا على حدّ تعبير برهم صالح، الذي تشير الأخبار القادمة من كردستان العراق إلى أنه يقود برنامجا إصلاحيا لتجاوز تراجع شعبية الحزب أمام حركة التغيير الكردية المعارضة.
نتائج الانتخابات أفرزت فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، بالصدارة، واحتلال حركة التغيير المرتبة الثانية، متفوقة على حزب جلال الطالباني. وقد اتفقت أغلب الآراء على أن مرض رئيس الحزب وغيابه الدائم أثّر بشكل كبير في هذه النتيجة؛ فالوضع الصحي لطالباني والغموض الذي يكتنف حالته المرضية، تسبب في إرباك الوضع داخل الحزب وعمّق الخلاف بين قياداته التاريخية الأمر الذي ينذر بتصدّع الحزب.
القيادي الكردي برهم صالح يرفع لواء تجديد حيوية حزب الاتحاد الوطني عبر برنامج إصلاحي لتجاوز تراجع شعبيته أمام حركة التغيير الكردية المعارضة. وقد وضعه نهجه الإصلاحي والتجديدي في مواجهة مع القيادات التاريخية للحزب التي ترفض أي استدارة غير محسوبة في مسار وتوجهات الحزب. ويقف في صدارة معارضيه النائب الأول للاتحاد الوطني الكردستاني، كوسرت رسول، الذي يطرح نفسه خليفة محتمل لجلال الطالباني .
المعركة التي يخوضها برهم صالح مع الحرس القديم في الحزب دفعته إلى اعتبار (البلينيوم)، منطلقا لنهوض الحزب وإحيائه وإعادة النظر في استراتيجية (البلينيوم هو محطة لمراجعة الذات) تسبق التحضير لانعقاد المؤتمر الرابع للحزب.
يعتبر الاتحاد الوطني الكردستاني أحد الأحزاب السياسية الكردية الرئيسة في العراق، تأسس في 1 حزيران 1975 ورفع شعار حق تقرير المصير والديمقراطية وحقوق الإنسان للشعب الكردي في العراق، ويتزعمه الرئيس العراقي جلال الطالباني.
رجل الأزمات
يوصف الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، برجل الأزمات وأنه لا يستسلم أو يتراجع أمام التحديات وإنما تحفز فيه روح التحدي والاصرار على بلوغ أهدافه. وعلى الرغم من أنه يعترف أن الطالباني مصدر قوة وعامل موحد للأكراد، إلا أنه يخالفه الرأي في قضايا سياسية عدة.
وما يميّز صالح عن باقي الشخصيات الكردية صراحته ووضوح موقفه من مسار الأحداث داخل حزبه وما يشهده إقليم كردستان، وهو لا يتوانى عن توجيه النقد لرموز الحركة الكردية، مما سبب له جملة من الاشكالات. حيث يأخذ عليه منتقدوه أنه لم يحمل البندقية كمقاتل في صفوف الحركة الكردية، إلا أنه يردّ عليهم بالقول إنه استطاع توأمة العلم والمعرفة لخدمة العمل السياسي الذي عدّه سندا لحملة البنادق في جبال كردستان.
وغالبية السياسيين الأكراد، يعتبرون أن القتال في صفوف البيشمركة بمثابة تعميد للمناضل الكردي واستكمال لتاريخه السياسي، غير أن برهم يعترف بقوله "أنا لم أقاتل مع البيشمركة، وهذا لم يكن اختياري بل اختيار الحزب"، ففي عام 1979 شددت المراقبة عليه بسبب حراكه السياسي، وطلب من قيادته أن ينقلوه إلى الجبل حتى لا يتعرض للاعتقال، فجاء الرد بأن الحزب يحتاجه في مدينة السليمانية أكثر من وجوده بالجبل بسبب وضعه الاجتماعي.
سياسي ليبرالي
ولد برهم صالح عام 1960 في مدينة السليمانية وترعرع في بيت سياسي، فأبوه قاض وسياسي وأمه ناشطة سياسية، وانخرط في العمل الحزبي مبكّرا. وأصبح مثار اهتمام القيادات الكردية بعد أن اكتسب خبرة هامة رغم صغر سنّه، بفضل وظيفة والده كقاض التي فتحت الآفاق أمامه ليجوب مدن الجنوب العراقي ويطّلع على عادات وتقاليد عرب العراق، فأكسبته خبرة وزادته معرفة بأحوال البلاد.
ويعود تاريخ ارتباطه بالاتحاد الوطني الكردستاني إلى العام 1976 عندما انضم رسميا إلى صفوفه وظهر صالح كسياسي عراقي عام 2003، بعد غزو العراق واحتلاله وشغل منصب نائب رئيس أول حكومة في العراق شكلها إياد علاوي. وكان صالح قد دشّن حياته السياسية كمسؤول حكومي للمرة الأولى عام 2001 عندما كلفته قيادة حزبه، برئاسة حكومة كردستان في السليمانية، ثم نائبا لرئيس الحكومة العراقية، ووزيرا للتخطيط والإنماء في حكومة إبراهيم الجعفري عام 2005، فنائبا لرئيس الحكومة العراقية للمرة الثانية في حكومة نوري المالكي.
وتواجد برهم صالح في أوروبا وأميركا وتخرج من جامعاتها عندما نال شهادة الدكتوراه في الإحصاء والكومبيوتر من جامعة في بريطانيا عام 1983 أكسبته خبرة وصقلت مواهبه وأبرزته كقائد سياسي يتمتع بالخبرة والقدرة على الحوار وإدارة مكتب العلاقات الخارجية في الاتحاد الوطني الكردستاني.
وتأثر برهم صالح بالمفاهيم الديمقراطية وقواعدها في الدول الغربية ونهل من تجربتها وآمن بأهدافها النبيلة محاولا أن ينقل تلك المفاهيم إلى العراق بعد احتلاله إلا إن نظام المحاصصة الطائفية والعرقية حالت دون ذلك . وتقلد مواقع قيادية في كردستان العراق وضعته في دائرة الضوء كسياسي ليبرالي يجيد قواعد اللعبة السياسية من خلال علاقاته العربية والدولية وبمراكز اتخاذ القرار في واشنطن ودول الغرب ليعزز من موجود إقليم كردستان وإيجاد السبل والوسائل لعلاقات متوازنة وواقعية بين بغداد وأربيل.
شخصية برهم صالح، التي يقول مقرّبون منه إنها غامضة ولا تعكس حقيقة مواقفه، لاسيما المتعلقة بطموحاته الشخصية والسياسية، وضعته في دائرة الشك مما سبب له متاعب داخل حزبه وفي علاقاته مع رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني ومع الحكومة المركزية في بغداد لاسيما تصريحاته المتناقضة حول كركوك وحق تقرير المصير للأكراد واستقلال كردستان عن العراق .
خلافة الطالباني
سياسي لم يعمّد نفسه ببندقية البيشمركة
• يرى برهم صالح أن طموحه لخلافة جلال الطالباني يمر عبر بوابة إيران التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الرئيس المريض.
• الأنظار باتت مركزة في السليمانية على الرجل الثاني في الاتحاد نائب الأمين العام برهم صالح لتولي خلافة الطالباني.
يرى برهم صالح أن طموحه لخلافة جلال الطالباني يمر عبر بوابة إيران التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الرئيس المريض، الأمر الذي يستدعي جهودا لإقناع طهران بأهليته لهذا المنصب الذي ينافسه عليه زوجة الطالباني هيروا إبراهيم ونائبه الأول في الاتحاد الوطني الكردستاني كوسرت رسول، وهي معركة كسر عظم كما يصفها قيادي كردي ويتوقف عليها مستقبل الحزب وعلاقته التاريخية مع الحزب الوطني الديمقراطي.
ويواجه برهم صالح في سعيه لخلافة الطالباني تحفظات من رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني ونجريفان برزاني، لأنهما يخشيان من طموحاته السياسية خاصة وأنه يتمتع بعلاقات جيّدة مع مراكز صنع القرار في أميركا ودول غربية أخرى .
وتردّد مؤخرا أن هناك احتمال كبير أن يوثّق برهم صالح علاقته المتينة برئيس "حركة التغيير" المنافسة، نوشيروان مصطفى، ويدخل في تحالف معه ليؤسس لمرحلة جديدة من التحالفات الكردية.
وهاجس الانشقاق وتصدّع الاتحاد الوطني الكردستاني يخيّم على قياداته وقواعده، مما تسبب في شلل وركود في نشاطه وتبلور أكثر منذ أن عادت زوجة الرئيس جلال الطالباني هيرو إبراهيم بخفي حنين من طهران، فيما يخص خلافتها لطالباني في رئاسة العراق، وهو ما اعتبره برهم صالح ترسيخا لمفهوم الوراثة على الطريقة الإيرانية. وما يعزز هذا الانطباع اتفاق في الرؤى الاستراتيجية بين برهم صالح ونشيروان مصطفى، لكردستان جديدة بعيدا عن الهيمنة التاريخية لحزبي الطالباني والبارزاني، يشكل مدخلا لشراكة حسب المعطيات لا التوافقات ما سينعكس بشكل مباشر على علاقة أربيل مع بغداد.
وبرهم صالح القلقْ من تداعي صحة الطالباني، اقترح تشكيل مجلس مشترك لإدارة شؤون الحزب في غياب أمينه العام، لكن منافسيه اعتبروا الاقتراح محاولة لاستباق الأحداث وسعيا للتنافس على خلافة الرئيس المريض، ورغم مرور7 أشهر على الاقتراح لم يتوصلوا إلى إتفاق حول الشخص الذي سيدير الحزب وما هي الخطوة اللاحقة.
لكن برهم صالح لم يستظل بالوجود الكبير لقائده السياسي والقومي جلال الطالباني الذي دعم ظهور وتقدم صالح، بل استفاد من خطى وتجارب قائده، وبقي على مسافة تحفظ قامته بوضوح، ولم يتحلل في سيادة المشاعر القومية الكردية، على الرغم من أنه كردي وابن عائلة كردية عريقة، بل بقي يُذكّر العراقيين ومن خلال لغته العربية السليمة جدّا والمشوبة بلهجة جنوبية، بأنه عراقي مثله مثل عراقيي البصرة أو النجف أو الأنبار أو ديالى، وأنه ابن بغداد التي بادلها مشاعر الحب، مثلما هو ابن السليمانية.
الأنظار تتجه إلى السليمانية، إلى الرجل الثاني في الاتحاد برهم صالح، كخليفة محتمل للرئيس جلال طالباني في قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، بعد التأكد من إخفاق زوجة الطالباني في تسويق نفسها كخليفة له، وتراجع حظوظ كوسرت رسول في خلافة الطالباني وربما تكون الخطوة التالية بعد نجاح مساعي برهم صالح لقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، هي العمل على شغل منصب رئاسة العراق، الذي يعتبر هذا المنصب من حصة التحالف الكردستاني للفترة المتبقية حتى الانتخابات البرلمانية العام المقبل.
1551 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع