الاستهتار بتراثنا!

                                       

                            زينب حفني


أعلن المتحدّث الرسمي لموقع (إيباي)، المتخصص في المزادات العلنية وبيع التذكارات عبر الإنترنت، أن الشركة قد قررت إزالة المعروضات المتعلقة بالمحرقة اليهودية، وذلك بعد أن نشرت الصحيفة البريطانية (مايل أو صنداي) خبراً يُبيّن أن بعض الأغراض المعروضة تخصُّ ضحايا من معسكرات الاعتقال، بالإضافة إلى وجود إشارة نجمة داود ضمن المعروضات.

الاعتذار الذي تقدمت به الشركة، يعود لقوانينها التي لا تسمح بعرض أو بيع هذا النوع من التذكارات. وقد أعلن الرئيس التنفيذي في المؤتمر اليهودي العالمي، أنه أمر مشين أن تتم الاستفادة من التحف المرتبطة بالمحرقة اليهودية التي أودت بحياة ستة ملايين يهودي!

أتحفّظ على هذا الرقم المزعوم الذي يُروّج له الإسرائيليون، والاستمرار في تمثيل دور الضحية لانتزاع المزيد من المطالب! وأعود بذاكرتي إلى الوراء وأتذكّر متحسرة ما جرى للمفكر الفرنسي الإسلامي (روجيه جارودي)، الذي تعرّض للمحاكمة في موطنه فرنسا، بعد أن شكك في صحة الأرقام حول إبادة اليهود بغرف الغاز على أيدي النازيين، من خلال كتابه الشهير الذي أثار ضجة كبرى حينها (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل).

الإسرائيليون الذين يدسون أنوفهم في كل من يُحاول الاقتراب من تاريخهم، ويغرسون أصابعهم في عين كل من يُشكك في أقوالهم، هم أول السارقين! سرقوا وطناً بأكمله في وضح النهار وبمباركة غربيّة! ليس هذا فحسب بل الأخطر والأدهى أنهم غدوا يسرقون أدبنا وفنوننا، ونحن نقف موقف المتفرّج الصامت، دون أن نُطلق صرخة احتجاج في وجوههم، أو نُطالب بوقف تهجّمهم على تراثنا بالمحافل الدولية.

لقد قرأت منذ فترة بأن أغاني ليلى مراد أصبح يتغنّى بها الفنانون الإسرائيليون بعد استبدال كلمات أغانيها باللغة العبرية، والترويج لها بين جيل الشباب الإسرائيلي، بحجة أن ليلى مراد كانت من أصول يهوديّة، على الرغم من أن هذه الفنانة القديرة حتّى وفاتها ظلّت وفية للدين الإسلامي الذي أعتنقه في بداية حياتها، ومخلصة للوطن الذي تحمل جنسيته. والأمر للأسف لم يتوقف عندها، بل قاموا بالسطو على ألحان الموسيقار العظيم فريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من فنانينا العباقرة الذين أثروا ساحتنا الفنيّة الغنائيّة.

السرقات تجاوزت ما ذكرته، بسطو الإسرائيليين على التراث الفلسطيني، من أطعمة وفن غنائي ورقص شعبي وتذكارات ونسبها لهم! لعلمهم اليقين بأن التراث الثقافي، والتذكارات الأثرية، هي البصمة التي تدل على حضارة الأمم، وتؤكد على تحضرهم وتميّزهم.

الصمت الذي تتبعه وزارات الثقافة ببلادنا العربية، يجعلنا نرفع حواجبنا في دهشة متسائلين عن سر عدم المبالاة الذي تُمارسه! ما السبب في تجاهلها لسرقة فنوننا وآثارنا ومقتنياتنا؟! إن ما جرى بالأمس في العراق من سرقة تحف نفيسة لا تُقدّر بثمن، وما جرى بعد الثورة في مصر من سرقة متاحفها، وما يقع اليوم في سوريا من نهب لتراثها، دليل قاطع على أننا لا نُبالي بما يحدث من تشريح وبتر وتمزيق لتراثنا، حتّى بتُّ أشعر بأننا أمة تستحلي استباحة تاريخها، كأنه أمر مسلم يجب الخضوع له!

منظمة اليونيسكو التي من مهامها حفظ تاريخ الشعوب، تقف هي الأخرى صامتة عمّا يجري من نهب لآثارنا وثقافتنا، ولا أدري لماذا لا تُدافع عن مقتنياتنا وتسعى لإعادة الحقوق لأصحابها؟! لماذا لا تأخذ موقفاً صارماً من إسرائيل، وتحذرها من التمادي في غيّها بسرقة فنوننا وتذكاراتنا ونسبها بوقاحة لنفسها؟! هل لأنها لاحظت بأننا منشغلين بفك تعويذات القيل والقال؟! هل لأنها وجدت بأننا مجتمعات تعيش ردّة حضاريّة، وبالتالي لا يحق لنا أن نحتفظ بما بنيناه في الأزمنة الماضية؟! من يحلُّ لي هذه الشفرات المؤلمة؟!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1564 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع