د. أيمن الهاشمي
كل من شهد جلسة محاكمة الرئيس محمد مرسي يدرك بان الرئيس المنتخب المعزول قد نجح في تحويل قاعة المحكمة من محاكمة له إلى محاكمة لمن انقلبوا عليه ووضعوه في السجن.. فمنذ لحظة ظهوره التي حاول الاعلام المصري المسيس والمسير لخدمة اهداف وغايات الانقلابيين ان يفبركها وينتجها بما يخدم اغراض تشويه سمعة الرئيس المعزول، فمنذ لحظة ظهوره بدا عليه العناد والاصرار على فضح غايات من انقلبوا عليه.
بدأت الناس تقارن بين محاكمة ومحاكمة، فالرئيس السابق حسني مبارك كان يهرب من الكاميرات وتصنع المرض لياتي للمحكمة بسرير المرضى!!، بينما مرسي كلان يقف كالأسد في القفص يبحث عن عدسات الكاميرات.. وجاء بملابسه الرسمية ولم يرتدي ملابس الموقوفين والمتهمين..
مرسي كان يسرع نحو الكاميرات، علها تنقل قضيته.. مبارك ظهر ضعيفا مريضا متداعيا في قفص الاتهام أما مرسي فظهر بلباسه المدني رئيسا جرى الانقلاب عليه يطالب المحكمة بتمكينه من استعادة سلطته.
ولا نشك لحظة في أن ما تسمى بالدولة العميقة في مصر قد تشفت بمرسي وهي تراه وراء القضبان لكنها خسرت الجولة بالضربة القاضية في جلسة المحاكمة الأولى ولا ندري ماذا قد تعد للرئيس مرسي في جولتها الثانية مطلع يناير المقبل.
الرئيس الذي كان يرتدي بدلة زرقاء داكنة ولم يلتزم كما يقضي القانون المصري بالزي الأبيض للمحبوسين احتياطيا، ظهر منفعلا وغاضبا، بحسب صحفي من وكالة فرانس برس داخل قاعة المحكمة ورفض اعتباره متهما ورد بثبات على القاضي "أنا الدكتور محمد مرسي، أنا رئيس الجمهورية.. وأنا محبوس بسبب انقلاب والانقلاب جريمة والمحكمة غطاء للانقلاب، هذه ليست محكمة.
لقد أضاف الرئيس مرسي الذي رفع يده بعلامة "رابعة" فور دخوله قفص المتهمين، إلى معركة الشرعية التي تجري في مصر وقودا وزادها اشتعالا فإن كانت السلطة الجديدة في مصر بتقديمها الرئيس مرسي إلى المحاكمة قد أغلقت الباب أمام أية حلول سياسية للأزمة فإن الرئيس مرسي بتأكيده على أنه "ينبغي محاكمة قادة الانقلاب أمام المحكمة قد أعطى عنوانا أو عناوين جديدة للمعركة الدائرة في مصر والتي ستتابع فصولها طويلا.
لقد خسرت السلطة الانقلابية في مصر الجولة الأولى من المعركة القضائية ورغم التعتيم الإعلامي على جلسة المحاكمة فإن الرئيس المعزول قد نجح حسب روايات شهود العيان في تحويل محاكمته إلى محاكمة للسلطة القائمة في مصر بفعل الأمر الواقع.
ان المعركة الآن بين تحالف دعم الشرعية والسلطة القائمة في مصر تذهب باتجاه كسر العظم وإن كان عظم التحالف هو الأطرى في هذه المعركة وهو القابل للكسر بحكم ما تمتلكه السلطة الحاكمة من إمكانات كبيرة وسلطة على الجيش وقوى الأمن فإن العظم الطري قد يحول ذلك لصالحه إن أدار معركته بذكاء وظل الشارع ملتهبا لا يعترف إلا بمرسي رئيسا شرعيا للبلاد.
صحيح أن الباب قد أغلق بالفعل للحديث عن وساطات بين تحالف دعم الشرعية والسلطة الحاكمة في مصر بعد ظهور الرئيس المعزول محمد مرسي في قفص الاتهام .. لكن صحيح أيضا أنه لا يوجد مستحيل في السياسة وأن شرفاء مصر ونخبها وقادتها قادرون على منع امتداد الحريق والسعي لخارطة طريق تقدم مصلحة مصر ومستقبلها وتقدم أمنها واستقرارها وسلامها الاجتماعي على جميع المصالح.
في مصر يحصل العجب العجاب فهي في ظرف عامين تحاكم رئيسين وربما تحاكم الثالث إن كسب أنصار الشرعية معركتهم... لكن مصر لا تنهض من كبوتها بالمحاكمات أو الانقلابات ولا تستعيد دورها وعزيمتها وتأثيرها بالاتهامات ومواكب الرؤساء السابقين الذين يمثلون أمام المحاكم سواء بالعربيات المدرعة أو بالمكروباص... هناك ما هو أهم الآن.. استعادة السلم الاجتماعي في البلاد التي هدها التعب وقسمتها السياسة وجعلتها خارج اللعبة الدولية، الآخرون يؤثرون بها ويرسمون طريقها... بعد أن كانت تؤثر وتقود.. فسبحان مغير الأحوال.
1578 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع