د. أكرم المشهداني
جاء في خبر نشرته الگاردينيا مؤخراً نقلا عن وكالات إخبارية، بأن العراقيين حافظوا خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2013 على المرتبة الأولى كأكبر مشترين للعقارات في الأردن من غير الأردنيين وفقاً لآخر إحصائية أصدرتها دائرة الأراضي والمساحة في عمان وبمجموع 1,523 معاملة، تلتها الجنسيّة السعودية بالمرتبة الثانية بمجموع 734 معاملة، فيما جاءت الجنسية الكويتية بالمرتبة الثالثة بمجموع 521 معاملة، تلتها بالمرتبة الرابعة الجنسية السورية بمجموع 299 معاملة.
ومن المعلوم أن هجرة العراقيين نحو الأردن إبتدأت منذ بداية تسعينات القرن الماضي، أي منذ بداية فرض العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي على العراق ، ونتيجة لذلك بدأ انهيار الاقتصاد العراقي وانخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل العملات الاخرى. فكان العامل الاقتصادي من أكثر وأهم الاسباب التي دفع بمئات الآلاف من العراقيين باللجوء الى الاردن، وكان اغلبهم من الطبقة المتوسطة، إلا أنه وبعد 2003 وما أعقبها من تغييرات وأحداث بدأ العراقيون باللجوء الى الاردن وكان أغلبهم من المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الذين استطاعوا من تأسيس شركات، ونقل اعمالهم التجارية الى الاردن والاستثمار فيها، فضلاً عن عامل توافر الأمان والاستقرار في الأردن وهما العاملان الرئيسان في استقطاب الاستثمار.
من المؤكد أن العراقيين انعشوا الاقتصاد الاردني الذي كان وما زال يعيش في ازمة شح الموارد، فليس للاردن من موارد نفطية ولا غيرها، بل هو يعيش على موارد تصدير الخضار والفاكهة، وهذه سوقها متارجحة وقد استفادت من غياب الصادرات السورية الزراعية التي كانت تنافسها، هذا إضافة إلى تصدير بعض المنتجات الغذائية والصناعية الأردنية إلى أسواق السعودية والخليج والعراق. وقد مرت عملية تصدير المنتجات الأردنية للخارج، وبالأخص الزراعية منها، لأزمات نتيجة الظروف السياسية المتأرجحة، وغلق الحدود من البعض في وجه الصادرات الاردنية في بعض المناسبات.
المورد المهم الآخر الذي يعتمد عليه الاقتصاد الاردني هو (الضرائب) وهي مرهقة للمواطن الاردني وغير المواطن اذ ان الاردن من البلدان التي تفرض ضريبة القيمة المضافة (VAT) Value Added Tax وهذه ترهق كاهل المشترين من مواطنين واجانب عند شراء البضائع والخدمات في الاردن. وقد ادت لارتفاع الاسعار في الاردن خلال الاعوام العشرة الاخيرة بنسبة كبيرة ومرهقة للشرائح الأفقر.
كما يعتمد الاردن على المساعدات الدولية وخاصة من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوربي، ودول الخليج والسعودية، وهذه المساعدات ايضا محكومة بالظروف السياسية، وكانت تتارجح صعودا وانخفاضا حسب نوع العلاقات السياسية.
وقد ارهقت الاقتصاد الاردني خلال العامين الأخيرين بشكل كبير وواضح، ازمة اللاجئين السوريين، بحيث ان الملك الأردني في خطاب العرش أمام البرلمان الاسبوع الماضي ((هدّدَ)) المجتمع الدولي ان لم يتدخل لمعاونة الاردن في مواجهة استيعاب الهجرة السورية المتصاعدة، فانه قد يتخذ اجراءات اخرى دفاعا عن مصالحه ولا شك ان منها اغلاق الحدود وعدم تقبل اي عدد آخر من اللاجئين، ومنها ((ربما ولا اقول بالتاكيد)) ربما اعادة بعض اللاجئين للتخفيف عن معاناة الاقتصاد الاردني المتعب مالم يرفع المانحون سقف معاونتهم للاردن لمواجهة أزمة اللاجئين السوريين.
ولا شك ان تذبذب مواقف الحكومة العراقية الحالية في استمرارية منح الاردن ما يحتاجه من المشتقات النفطية باسعار تفضيلية تؤثر على الاقتصاد الاردني، فالاردن اعتاد أن يحصل على احتياجاته من المشتقات النفطية منذ عهد النظام السابق بأسعار تفضيلية تكاد تكون قريبة من المنحة المجانية، واستمر النظام السابق بها حتى في ظل الازمة السياسية بين البلدين بعد حادث لجوء حسين كامل للاردن عام 1996، إذ استمرت امدادات النفط واتخاذ الاردن السوق الرئيسية للتصدير نحو العراق. كما لازال الاردنيون يذكرون بالعرفان موقف العراق ابان الازمة النقدية الخطيرة التي تعرض لها الاردن عام 1988 وكادت تعصف بالدينار الاردني لولا تدخل النظام العراقي انذاك بتقديم معونة عاجلة من اجل تحسين قيمة الدينار الاردني. ولكن بعد سقوط النظام السابق بعد الغزو الامريكي للعراق 2003 فإن الحكومة في العراق، صارت تستخدم هذه المعاونة لاغراض سياسية وللضغط على الاردن لتحجيم انشطة معارضي النظام الحاكم في العراق المتواجدين بكثرة في الاردن مستغلين حالة الامان والحرية.. فكانت هذه الإمدادات تتسم بعدم الاستقرار ومحاولة الحكومة العراقية استخدامها ورقة ضغط سياسية.
وبالرغم من محاولات بعض السُذّج والمغرضين، داخل الاردن - ولاغراض معلومة طبعا من بينها الحسد!- اتهام العراقيين بانهم هم السبب في تصاعد الازمة الاقتصادية في الاردن وانهم هم السبب للغلاء وارتفاع اسعار العقارات، وغيرها من الاتهامات التي تتناسى دور العراقيين، والاموال العراقية، في انعاش الاقتصاد الاردني، فالمؤكد ان العراقيين يختلفون عن غيرهم من الجنسيات الاخرى – بما فيهم الخليجيون - في مقدار صرفياتهم وبذخهم داخل الاردن، ومقدار التحويلات النقدية الواردة اليهم، وبالتالي فان لهم دور مهم في تحريك عجلة الاقتصاد وبالاخص في مجالي العقار والاستثمار، فلولا الطلب العراقي المتزايد على العقارات في الاردن لتوقف سوق العقارات منذ امد بعيد، ولتعطلت حركة العمران وازدادت اعداد العاطلين، ولا شك ان هذا (بالاضافة لدوافع وأسباب اخرى) ما جعل السلطات الاردنية تبدي مرونة أكبر من ذي قبل في منح الاقامات وتاشيرات الدخول للعراقيين، وفي منح موافقات شراء العقارات، حيث يشترط القانون الاردني الحصول على موافقات امنية من اجل اعطاء غير الاردني موافقة على شراء العقار، بعد ان كان العراقيون قبل بضع سنوات يعانون من انعدام فرص الاقامة بل حتى صعاب الحصول على موافقة الدخول الى الاردن، واليوم تعج الاردن باعداد كبيرة من العراقيين من مختلف الفئات: اضعفهم طبعا فئة الموظفين المتقاعدين الذين يعيشون في الاردن على رواتبهم التقاعدية المحولة اليهم من العراق، واساتذة الجامعات، واعلاهم المستثمرون واصحاب رؤوس الأموال الذين يمتلكون مشاريع ضخمة ومتوسطة ولهم دور فاعل في تسيير دفة الاقتصاد الأردني نحو التعافي. اتذكر في التسعينات كانت الساحة الهاشمية وغيرها تعج بالعراقيين المسحوقين في البسطيات والمساطر او يفترشون الارض، وهم يبحثون عن فرصة عمل، والنسبة العظمى منهم كانت تقيم بدون موافقات، مما يجعلهم عررضة لمطاردة الشرطة الاردنية لمخالفي الاقامة، اما اليوم فقد اختفت تلك المناظر نهائيا وبات العراقي يسكن أحياء الكاردنز وصويفية وعبدون وضاحية الرشيد وتلاع العلي والرابية وغيرها من مناطق سكن اثرياء الاردن.
إن التسهيلات التي تعطيها الحكومة الأردنية لإقامة العراقيين ، أو لمنحهم موافقة شراء العقارات، سوف تسهم بالتأكيد في تحسين الاقتصاد الاردني وتجاوز ازماته، وتمنح العراقيين طمانينة اكثر الى مستقبل حياتهم وعوائلهم ونتمنى ان تكون نهجا ثابتا ومستقراً بما ينعكس ايجابيا على الطرفين.
1551 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع