علي السوداني
ألبارحة كانت بارحة منعشة . إنفتح باب تشرين على بردٍ خفيف ، لا عظيم صلة له ببرد العجوز الذي ينام في أسّ العظام . منظر جبل اللويبدة العمّوني ، كان مُسعداً . طشّات رحيمة من مطر الربّ ، ورقصة رائعة لغيومٍ تتماوج بين البيض والرماديات . غيمة تحضن غيمة .
أشكال عجيبة تنولد على صفحة السماء . غيمتان عملاقتان كأنهما حيوانان خرافيّان يتبارزان . من قوة المرأى ، كادت الغيمتان تأكلان بعض تفاصيل اللوحة الإلهية . واحدة من الغيمات ، نزلت على رأس فندق الرويال الجميل ، فوهبتهُ سحراً على سحرٍ . بجبل اللويبدة ، ثمة كنيستان بمواجهة مسجدين . أنا أحبّ هذا التوادد والتراحم ، وأرجو أن يسود حيث دبيب انسان فوق أرض الله الطيبة . ألمطر الآن يغسل الشوارع وأشجار الزيتون واللوز ، والقلوب والصدور . على تنغيم زخّ المطر ، نجحتُ أخيراً في صنع منقل كباب محترم ، من دون أن أصاب بشرارة شرّيرة ، أو كدمة نفسية مولودة عن سيحان نصف أسياخ الكباب العزيز ، فوق تأوّهات نار المنقل . نؤاس وعلي الثاني يراقبان المشهد بسعادة مقدارها سبعة أعياد أضحى . كان الكباب لذيذاً ، لكنني لم أصل بعد إلى سرّ صنعة كباب حجّي حسين الفلّوجي . إنشغلت الاسبوع الفائت ، وتبلبلتْ روحي بمسألة مَحبس طيور الكناري . عندي كناري لونه جَزَري ، وزوجته التي في لونها ، خلطة تتدرّج نزولاً وصعوداً بين الأسود والأصفر وما بينهما . صاحب الطيور شادي الفلسطيني ، أخبرني أنها من جذرٍ هنديّ . في كلِّ صفنة من صفنات الليل الكثيرات ، أشبعُ قهراً على منظرهما المحبوس ، وإذ تتكثّف ذروة الحزن ، أكاد أفتح باب القفص ، وأطيّرهما ، لكنّ منسوب الوجع سيهبط بعد قليلٍ من الحكمة ، وكثير من المعمعة . عصرية هذا اليوم المازال قائماً ، شلتُ جسدي الكسلان ، صحبة نؤاس وعلي الثاني ، وتمشرقنا ببقيا شمس تشرين ، صعوداً نحو دكان الطيور . تسوقنا منه أكل البلابل ، وأضفنا للرحلة المرحة ، أرجوحة صغيرة ستتلولح تالياً من سقف القفص . لم يكن مرأى الطيور في دكان البائع منظراً مسرّاً . كان الأكل زهيداً ومن صنفٍ واحد هو الدخن كما أعرف تسميته ، أمّا الطيرين في محبسي ، فأكلهما فضلاً عن الوجبة الرئيسية التي هي حبيبات الدخن ومخلوطات ثانية ، ألبيض المسلوق وشرائح التفاح وأوراق الخسّ وقشور الجزر والخيار ، وأيضاً موجات موسيقية هادئة منعشة ، صرنَ يتناودنَ معها ، ويطلقن سلالم العزف المنفرد ، حيث الذكر يغنّي ، والأنثى تنصتُ بغنجٍ عجيب . محبسي أرحم وأنظف من محبس البائع المكتظّ ، والعيشة المرفّهة التي أوفرها للكنارين ، قد لا يجدانها ربما ، حتى لو أطلقتهما في غابة . هذه هي فكرتي القوية حتى الليلة . إمعاناً وإفراطاً في الاسترخاء ، شلعتُ من فوق رفّ الموسيقى المبهج ، كلّ أشرطة الموّال الرافدينيّ الجارح ، خاصةً تلك التي تنوحُ وتتناوح وتُدمي اللواحظُ الخدودَ المخدّدة ، خاصة السائح منها عن عتبة الأويلي والأويلاخ ، ودمعه الذي روى شجر الزيتون ، ويابويه اليوم اريد أحباب كلبي ، مع شرحة طويلة ممطولة فوق كاف كلبي ، لتعجيمها وتمييزها عن كاف الكلب ابن السطّعش كلب . أعتصمُ الأيام هذه ، بجبلٍ مزهرٍ من فيروز ، والذين على سحرها يقعون ويترحبنون ، وقد تحدث بعد انتصاف الكأس
السابعة ، تحويلة مرتجلة صوب لمعة من لمعات كوكب الشرق ، من مثل : على بلد المحبوب ودّيني ، زاد وجدي والبعد كاويني .
أحبّتي أجمعين : ترويحاً للنفس ، وتقليلاً من قوة الصدمة ، أراني ذاهباً مذهبَ كتابة ، قد ترونها مشبّعة ببطَرٍ عظيم ، وقد يلعنني صاحبٌ وصويحبةٌ ، إذ بلادي العزيزة ، مسموطٌ أبو أبيها ، وأنا أدرز حروفي فوق سطر الكناري . أتَفهّمُ عتبكم النبيل . كونوا بخير . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
1474 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع