بين دعوة البطريرك ساكو .. ورحلة الاغتراب العجيبة - الجزء الثاني والاخير- !!

                                                 

                              سلام توفيق

خرجنا من المخباء واحدا تلو الاخر... كانت سيارة شرطة نوع بوكس مرصوفة على مرتفع قريب وعدد من الشرطة حوالي 4-5 افراد مسلحين يقفون قريبا من المخباء وبحالة تاهب تام ...

وقفنا رتلا واحدا تنفيذا لاوامرهم ... جاء احدهم وتفحص وجوهنا واحدا واحدا واشار على 3 اشخاص والحمدلله لم نكن نحن من ضمنهم ... ورصفوهم جانبا وانهالوا عليهم ضربا باللكمات والرفسات بدون رحمة وكاننا في بلد متخلف من البلدان التي هجرناها ... عرفنا لاحقا ان هؤلاء الذين تعرضوا للضرب المبرح سبق ان قبض عليهم لاكثر من مرة سابقا على الحدود واصبحت وجوههم مالوفة لشرطة الحدود (معاميل) ...
حشرونا من جديد في قفص السيارة في سيناريو مر علينا ليلة الامس في اسطنبول ... ومشت بنا اقل من ساعة ... توقفت بعدها عند قلعة كبيرة ... امرونا بالنزول والاصطفاف في طابور طويل في باحة القلعة ... بقينا واقفين لفترة من الزمن ننتظر الخطوة التالية ... وكانت بعد برهة من الزمن حيث وصلت مايشبه اللجنة من 3 شرطيين ليفتشوا ما نملك من اوراق ووثائق واموال ... كنت انا وزميلاي قد خبئنا مبلغا صغيرا من المال في الحزام بعد ان فتحنا الخياط من الاعلى وحشونا المبلغ في وسط الحزام واعدنا خياطته (من باب الطواريء) !! ... كان نصيبنا شرطي شاب مستهتر يطالع ما في جعبة كل لاجيء بطريقة تمثيلية ثم يرميها في الهواء بطريقة تمثيلية مع ضحكة هستيرية فيها نشوة التسيد والانتقام ...
وصل الينا انا وزميلاي الكرمليسيان... لم يكن عندنا مانخاف عليه سوى دفتر صغير ثبتنا عليه بعض ارقام التلفونات المهمة ... طلب ان يرى جزدان واحد من زميلاي ولما فتحه شاهد صورة شقيقه الاب ?? ... فقال من هذا ?? قلت له بالانكليزية هذا شقيقه وهو كما ترى قسيس ! قال انتم مسيحيين ? قلت له نعم ثلاثتنا وكل مانطلبه منك ان نحتفظ بهذا الدفتر الصغير ! فشقه الى نصفين ثم الى 4 ارباع وقذفه في الهواء وهو يضحك كالمجنون !
ادخلونا الى قاعة الموقوفين وكانت اعدادهم بالمئات من الوان وجنسيات وتهم مختلفة ...سرعان ما تعرفنا على الجو العام هناك ...فالذين يحتلون الطابق العلوي هناك هم المتنفذون واصحاب العلاقات والرشاوي وهم يحظون بحظوة خاصة ولديهم فراش واجهزة كهربائية ... واكثرهم محكوم او ينتظر محكمته لعدة اسابيع او شهور ...اما الاجساد المبعثرة في الطابق السفلي فهم من قبض عليهم مثلنا في قضية اجتياز الحدود ...كانت هناك حنفية ماء ذهبنا وغسلنا ملابسنا المطينة وفرشناها على الحيطان بانتظار ان تنشف في اليوم التالي...لم تمضي الا ساعات قليلة حتى فهمنا بانهم سيرحلوننا اليوم الى الجانب التركي حيث انهم يجمعون الذين يقبضون عليهم في هذه القلعة ويتم تسفيرهم يومين في الاسبوع ...لا اعلم ان كان ذلك حسن ام سوء حظ حيث ان التسفير كان في نفس اليوم الذي تم فيه القبض علينا ...ارتدينا ملابسنا المبللة مجددا وخرجنا مع الطابور الطويل... اركبونا في باصات ذهبت بنا نحو مجرى مائي يفصل الحدود اليونانية مع الحدود التركية ...وكانت قوارب مهيئة هناك حيث يتم تصعيد كل 5-6 في قارب يبحر نحو الضفة في الجانب التركي حيث يتم تنزيل (العبرية) ليقولون لهم اذهبوا انتم وربكم !!!
القارب الذي حملنا كان فيه بالاضافة لنا نحن الثلاثة .. ثلاثة من الاخوة الاكراد صغيرهم كان اسمه مروان من السليمانية وكان يتحدث التركية بطلاقة.. والباقيان كانا في عمري او اكبر ..ونشات علاقة صداقة بين احد زملائي مع مروان وتوطدت في السجن .. ولحسن الحظ ان نكون معه على نفس القارب ..فعندما انزلونا من القارب وكانت الشمس على وشك الغروب كنا كالعميان لا نعرف اين نحن واين سنتجه وماذا سنفعل لو القى (الجندرمة) القبض علينا
كان مروان قد عمل لفترة من الزمن مع المهربين على الحدود التركية - اليونانية ...وحين علم باننا لانعرف كيف نعود الى اسطنبول تعهد بان يبقى معنا ...مما اثار استياء زميلاه الاخران حيث تشاجروا معه وكانوا يوجهون لنا السباب والشتائم بالكردية فتارة يصفوننا بالعرب وتارة بال(بعسية) ويحرضونه على تركنا ... رغم ان المسالة غير مستوجبة وكان بالامكان ان نترافق جميعنا ...لكن هذين الشخصين كانا حاقدين على كل شيء غير كردي دون سبب مقنع ولم نكن في موقف يسمح بالتناحر والتشاجر...لكن مروان حسم الامر وقرر البقاء معنا في حالة اصرارهما على تخييره بيننا وبينهم
سار بنا مروان لاكثر من ساعة وكان الليل قد جن وحلت الظلمة ولكن القمر كان مضيئا لحسن حظنا ... وصلنا لمشارف احدى القرى حيث شاهدنا اضويتها من بعد ...فقرر مروان ان نبقى في احدالمخابيء كان يشبه موضع محفور ليذهب هو الى القرية التي تبعد حوالي ربع ساعة مشيا ليحضر لنا سيارة تاكسي تقلنا الى مدينة اديرنا حيث نصعد من هناك لنعود ادراجنا الى اسطنبول ...حتى لانثير الشبهات ويقوم سكان القرية بتبليغ الجندرمة علينا
مرت نصف ساعة ...ساعة واكثر ولا اثر لمروان ...بداء الشك والخوف يتسرب الى قلوبنا ماذا لو لم يعود ! او القي القبض عليه ! بدات فكرة الانتظار حتى الصباح - اذا بقينا احياء ولم يقتلنا البرد- لاذهب بنفسي لابحث عن سيارة تاكسي تدور في راسي حيث لامناص لنا بعد...
لكن وصل الفرج ... صوت محرك سيارة يتجه نحونا وصوته يزداد تدريجيا ...اعقبه ترميشات قصيرة بمصابيح السيارة ... نهضنا من مخبئنا بسرعة وكان مروان بجانب السائق العجوز ... صعدنا في الحوض الخلفي وانطلقت السيارة لحوالي اقل من ساعة
ثم توقف السائق قبل ان نصل لكراج المدينة الكبير وطلب منا النزول والتوجه سيرا على الاقدام حتى لانثير الشبهات ...
بقينا خارح الكراج وذهب مروان ليراقب الوضع ...هناك باص سيتوجه الى اسطنبول ولكن سيتاخر كثيرا حتى يتحرك ... لم يكن بامكاننا التاخير حيث ان وصولنا مع انبثاق اشعة الشمس سيكشفنا مع ملابسنا المطينة ... كان هناك حلا اخر قال لنا مروان هناك سائق باص فارغ يمكن ان يقلنا الى اسطنبول فورا اذا جمعنا له مبلغ 100 دولار فوافقنا فورا ... اتفق معه واعلمه بمكان وجودنا فجاء السائق وصعدنا بسرعة فطلب منا ان نتظاهر بالنوم عند وصولنا نقطة تفتيش على الطريق او نسدل اجسادنا للاسفل حتى لاتظهر هاماتنا من الزجاج الجانبي ... والمضحك ان الحرس في نقاط التفتيش كانوا يعاينون على كل شيء الا على داخل الباص ! وحتى عندما يمد احدنا راسه خلسة ليراقب الوضع بسبب الفضول كان الحراس يفتعلون الانشغال ويؤشرون للسائق للانطلاق ! !
وصلنا اسطنبول وودعنا مروان الذي رفض مبلغا من المال قدمناه له واكتفي بما دفعناه لسائق الباص عنه ! ولم نلتق بهذا الشاب الشهم مرة اخرى... عدنا الى نفس الفندق واخذنا نفس الغرفة اغتسلنا وتناولنا الطعام وبدئنا نعد العدة لمغادرة الفندق لان فيزتنا شارفت على الانتهاء...انتقلنا الى منزل احد الاصدقاء الذي استضافنا مشكورا ...كنت قد قررت الا اعيد الكرة مرة اخرى ...اتصلت بشقيقي في المانيا قلت له لن امشي في طريق الموت هذا مرة اخرى ولو اقتضى الامر عودتي للعراق
فكان اتفاقنا ان ابقى في اسطنبول لغاية ان نجد شاحنة تقلنا منها الى اثينا مباشرة دون الاضطرار الى المشي لعدة ساعات ... وبعد عدة ايام وصلنا الخبر هناك شاحنة ستخرج من اسطنبول الى اثينا وهم يريدون 10 اشخاص مقابل 3500 دولار للشخص الواحد ... فقررنا ان نبحر معها ثلاثتنا ...
جاءت الاوامر ان نتحضر عصر الغد ...جاء من يبلغنا بان لديهم 8 اشخاص وانهم يريدون اثنين فقط ...رفضنا وابلغناه باننا ثلاثة ولن نقبل باقل من ذلك ...فتظاهر بالموافقة ...جاء في عصر اليوم التالي واصطحبنا معه في سيارة تاكسي ...توقف وطلب منا الترجل وفصلنا الى قسمين حيث ابقى احد زملائي مدعيا ان ذلك لايثير الشكوك ...في الطريق علمنا من افراد المجموعة ان العدد اكتمل وان الشاحنة ستنطلق فجر غد فاعترضت لانهم خدعونا وبقي زميلنا ...فشهر احدهم مسدسه وهددني قائلا انني يجب ان اسكت لان الوجبة اكتملت وانني بالذات لايجوز ان اعترض لان فلوسي لم تكن جاهزة بالكامل وان من المفترض ان يكون زميلي المتروك مكاني لان فلوسه جاهزة ... وكان كلامه صحيحا واشار زميلي الاخر بالسكوت لانه لم يعد لنا الا الانصياع وسيلحقنا زميلنا قريبا ان شاءالله
في الفجر كانت شاحنة كبيرة محملة بالبضائع بالانتظار وفي نهايتها من جهة السائق قد افرغوا مكانا من طابقين طوله يسمح بجلوس 5 افراد متلاصفين وعرضها اقل من نصف متر يحتم على الشخص ان يجلس القرفصاء دون حراك ...وهكذا جلسنا 5 افراد بالاسفل و 5 بالاعلى ...وزودونا بقناني ماء بلاستيكية واكياس نايلون لغرض التبول او التغوط ...وبقينا 22 ساعة على تلك الحالة ورغم صعوبتها الا انها كانت سفرة سياحية قياسا بسابقتها ... تناوبنا على الوقوف والبروك حتى وصولنا حيث فتح السائق المخباء وطلب منا الترجل والتفرق بسرعة البرق وحين سالته عن كيفية تسديد المبلغ قال لا عليك سيجدوك عصرا !!!... وهكذا اجتزنا اقسى مرحلة في تاريخ كل انسان قرر ان يرحل من بلده باتجاه اوربا
طبعا للرحلة تتمة ولكن اتوقف عند هذا الحد لانني اوصلت ما اردت ايصاله لكم ولكل العقلاء

للأطلاع على الجزء الأول:

http://www.algardenia.com/maqalat/6984-2013-10-25-20-23-01.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

928 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع