
سعاد عزيز
إيران في دوامة الازمات المرکبة والاحتجاجات الشعبية
لا يمکن أبدا النظر الى ما يجري حاليا في إيران من إحتجاجات شعبية على إنها مثل الاحتجاجات الشعبية السابقة، بل إنها تختلف إختلافا نوعيا ولاسيما إذا ما أخذنا تنظيم أکثر من 5000، عامل متعاقد بمجمع الطاقة "بارس الجنوبي" في عسلوية، يوم الثلاثاء 9 ديسمبر (كانون الأول)، أحد أكبر الاحتجاجات العمالية في إيران منذ سنوات، متحدين الضغوط الأمنية الشديدة وتحذيرات السلطات.
هذه الاحتجاجات التي لفتت الانظار کثيرا لأن النظام تجنب الاحتکاك بها على غير عادته في وقت کانت الشعارات المرددة فيه هي الاقسى والاعنف ضده، مع ملاحظة إن النظام عاجز أشد العجز عن تلبية مطالب المحتجين ويعلم جيدا بأن قمعهم سيفتح عليه بابا لن يتمکن من إغلاقه، خصوصا وإن هذا الاحتجاج النوعي يأتي في وقت تزداد فيه التحرکات والنشاطات الدولية للمقاومة الايرانية ضد النظام وتفتح أبواب الکونغرس الاميرکي والبرلمان الاوربي ومجلس العموم البريطاني لتطرح من هناك مطالب الشعب الايراني بالحرية وإسقاط النظام.
والذي جعل النظام يرتعد خوفا هو إنه وعلى أثر هذا النشاط الاحتجاجي المميز الذي أکد الموقف الشعبي الرافض والمتصدي ضد النظام، فإنه قد شهدت محافظات ومدن إيرانية متعددة، اليوم الأحد 14 ديسمبر 2025 ، تصعيدا في الاحتجاجات النقابية والاجتماعية، شملت قطاعات واسعة من الموظفين والمتقاعدين والعمال، لتؤكد اتساع نطاق الأزمة المعيشية. وقد امتدت هذه الاحتجاجات لتطال ما لا يقل عن تسع مدن رئيسية، أبرزها الأهواز، كوار، شوش، أصفهان، تكاب، خوسف، خميني شهر، وكرمانشاه، بالإضافة إلى استمرار إضراب عمال الصلب لليوم الثاني، مع تركيز الغضب على سياسات الفساد والتمييز وعدم الوفاء بالوعود الحكومية.
وقد شکلت هذه الاحتجاجات موجة جديدة من الاحتجاجات المنسقة وغير المنسقة، حيث ركزت أغلب التجمعات على المطالب المعيشية الملحة، بينما أدخلت بعض الفئات المطالب السياسية المتعلقة بالقمع والفساد.
وهذه الاحتجاجات في خطها العام، تٶکد بأن التدهور الاقتصادي في إيران لم يعد مجرد صدمة عابرة وإنما تحول الى حالة مزمنة من الازمات المتراکمة والفشل الهيكلي الذي يعيد إنتاج نفسه. هذا ما تكشفه تقارير الصحف الحكومية نفسها، التي رسمت صورة قاتمة لنظام غارق في تضخم منفلت، وفساد يبتلع مليارات الدولارات من عائدات التصدير، وشلل تام في اتخاذ القرار، مما دفع شرائح واسعة من المجتمع، وخاصة المتقاعدين، نحو الفقر المدقع.
وتأتي الاعترافات من داخل النظام لتٶکد شلل في الحکم وقصور في إدارة الازمات، وبهذا الصدد، يعترف إبراهيم أصغر زاده، و هو من خبراء النظام ، خلال مؤتمر “الجمعية الإسلامية للمهندسين”، بالعجز المزمن للنظام، متسائلا عن سبب فشل الحكومات المتعاقبة على مدار 47 عاما في إدارة الأزمات المتكررة. ويشير أصغر زاده إلى أن الأزمات في إيران لا تحل بل “تتراكم فوق بعضها البعض”، ملقيا باللوم على وجود مراكز قوى موازية و”حكومة ظل” تقوض عملية صنع القرار الرسمي، مما أفقد إيران فرصا تاريخية حاسمة سياسيا واقتصاديا.
والذي يٶکد أيضا سوء الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في إيران تأکيد صحيفة“هم ميهن”، نقلا عن بيانات صندوق النقد الدولي، أن إيران باتت حالة استثنائية شاذة في المنطقة. فبينما نجحت دول مثل مصر في كبح جماح التضخم، تتجه إيران نحو تسجيل معدلات تضخم قد تتجاوز 50% في العام المقبل. ويعود ذلك إلى انخفاض قيمة العملة، والسياسات المالية المتساهلة (طباعة الأموال لتغطية العجز)، والعقوبات، والارتفاع الهائل في النفقات العسكرية والأمنية.
والذي يفضح النظام أثر ويثبت إنه بيت الداء وأساس المصائب، هو ما قد کشفت عنه صحيفة “ستاره صبح” من فضيحة مالية ضخمة، مؤكدة أنه بين عامي 2018 و2024، لم يعد ما يقرب من 56 مليار دولار من عائدات الصادرات إلى البلاد. وأكد عضو في البرلمان أن ما بين 200 إلى 300 شركة – معظمها مملوكة للدولة – امتنعت عن بيع أرباحها من العملة الصعبة للبنك المركزي كما يقتضي القانون، وقامت ببيعها في السوق السوداء، مما ساهم في انهيار قيمة العملة. ويكشف هذا التقرير التناقض الصارخ: فبينما يطالب رئيس البلد بـ “التقشف” بدعوى نقص الأموال، تقوم كيانات الدولة نفسها بتهريب الموارد الحيوية خارج القنوات الرسمية.
کل ما قدسردنا ذکره يٶکد على إن إيران بسبب من حکم النظام الاستبدادي قد دخلت في دوامة الازمات المرکبة والاحتجاجات الشعبية، والتي لا خروج للنظام منها بسلام إطلاقا.

1191 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع