
د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة
دكتوراه في علم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
05.12.2025
ثقافة العار وتأنيب الضمير
"إن الحرية والشفافية الداخلية، هما الشرط الضروري للعيش في ظل الاحترام الفردي وحرية الضمير"
ما الذي يختبئ وراء الشعور بالذنب؟ لماذا نشعر بالخجل ان كان من الهوية، اومن التقاليد المجحفة في حق الانسان اومن الفظائع التي يرتكبها الاخرون باسم الجميع ان كانت العائلة، او الحكام، او رب العمل؟ لماذا علينا ان نحتفظ بماضي مريب؟ ولماذا يذكر ذلك في التاريخ؟ في السياسة، يتجلى الذنب الجماعي عندما يشعر الناس بالذنب تجاه ما ارتكبه قادتهم من حروب، وانقسامات، واعمال قمع، وقتل ابرياء وقطع جماعي لسبل الحياة، وكل المظالم بكل اشكالها.
وبعد هذه الاحداث المأساوية، يتم توثيقها للتاريخ وتدريسها في المدارس، وإحياء ذكراها باعتبارها أحداثًا مؤلمة حطمت أسر ومجتمعات بأكملها. اما بالنسبة للأحداث الاسرية المؤلمة، فهي تظهر غالبا في المجتمعات الممتدة، والتي تتبني قوانين وعادات ضارة بالمجتمع بسبب انها ترسخ العنف وتقلل من الرحمة. وتشمل ثقافة العار وتأنيب الضمير بسبب ان كل فرد يمثل القبيلة. وتظهر في المجتمعات القبلية جرائم الشرف أو القتل بدعوى الشرف وغالبًا ما يرتكبها أحد أعضاء الاسرة وهم الذكور من الاب، والاخوان وأبناء العم. حيث يقدم الجاني على القتل لأسباب ظنّية تتعلق بشكوك حول ارتكاب الأنثى (المرأة أو البنت) فعلا مُخلَّا بالأخلاق بنظر الجاني، ويزعم مرتكبو مثل هذه الجرائم أن جريمتهم حصلت من أجل "الحفاظ على شرف العائلة". كما يوصف في الاوساط القبلية بعملية «غسل العار». لهذه المشاعر من الذنب والعار عواقب وخيمة على الأفراد. فالعار يعني الشعور بالنقص، أو الاحتقار، أو عدم الجدارة.
أما الشعور بالذنب، فيقوم على الحكم على الذات بالذنب، سواءً كان ذلك صوابًا أم خطأً. ويُعتبر العار من المحرمات الشائعة في معظم المجتمعات، وهو يُثير مشاعر العجز، والفشل، وتدني احترام الذات (براون، 2003). وفقًا لسيغموند فرويد (1923)، في كتابه "الأنا والهو"، فإن السلوك البشري مُلقن بأفكار ودوافع لا واعية. ويقترح فرويد نظرية لوم الذات، ويصف كيف يلجأ الأنا الأعلى (الضمير الأخلاقي) إلى الأنا للتعبير عن الشعور بالذنب. الأنا، العالقة بين دوافع الهو وأخلاق الأنا الأعلى، تتفاعل مع الصراعات الداخلية بمعاقبة نفسها، على سبيل المثال من خلال مشاعر الذنب أو الخوف أو انعدام القيمة.
يوضح أن آلية لوم الذات تتجلى عندما: "تفشل الأنا في إشباع دوافع الهو أو تنتهك قواعد الأنا العليا؛ عندها تنقلب الأنا العليا على الأنا. تشعر الأنا بالذنب وتعاقب نفسها من خلال لوم الذات، والذي قد يتخذ شكل مشاعر الذنب، أو القلق، أو عدم الجدارة". لذا، فإن لوم الذات هو صراع داخلي مؤلم بين الأنا الضمير والانا العليا، وينمو الشعور بالذنب داخل الأنا.
على سبيل المثال، يشعر المرء بالذنب بعد إدراك أن الأنا العليا قد بالغت في رد فعلها تجاه شخص ما.
في ثقافة الشعور بالذنب، يصبح الانطواء على الذات آلية دفاعية، وينشأ الصراع داخليًا. ومن هنا، ينشأ الشعور بالذنب داخل الفرد. لذا، يقترح فرويد أن السلوك البشري يمكن أن يتأثر ببيئة صارمة وتقليدية ومليئة بالممنوعات. لماذا علي البشر تحمل ذنب ما فعلوه الآخرين من جرائم؟ كما إن الشعور بالذنب أو العار، يعتبر عبئ نفسي ثقيل، يمكن ان يُنشئ صورًا نمطية وصدمات لا تُحل أبدًا.
وبالتالي، يمكن أن تُفاقم الصدمات المتوارثة من جيل إلى اخر يسبب مشاكل نفسية: كالقلق والانفعال، وأحيانًا الرهاب غير المبرر. يستحيل على البشر تحمّل الخطايا، أو الأسرار الخطيرة، أو المجازر التي ربما ارتكبها أسلافهم.
إن توريث أخطاء وصدمات الأجداد أو الآباء، قد يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للأسرة، والمجتمع، والأجيال الصاعدة. فالصدمات التي لم تُحل، والأسرار التي تكتم، أو الأحداث التاريخية المؤلمة قد تؤدي إلى أعراض مرضية للأجيال المستقبلية مثل: القلق، والاكتئاب، وعدم تقدير الذات، أو اضطرابات الشخصية او وعدم القدرة على بناء علاقات صحية مع الآخرين. يمكن لمشاعر الذنب والعار المتوارثة بين الأجيال أن تُحفّز الصدمات النفسية لدى البشر، وهي جزء من الملامح السريرية لاضطراب ما بعد الصدمة (جيه. ديليو. بارنهيل،2023).
كما يمكن أن يكون لمشاعر الذنب والعار، عواقب اجتماعية وثقافية تُؤدي إلى هوية نمطية قائمة على عدم الثقة والتشكيك. ويمكن لهذه المشاعر ان تسبب إعادة تشكيل الروابط الاجتماعية، والتأثير على العلاقات الاجتماعية.
كما ان التفكك في داخل المجتمع والانقسام بين الشعوب، ينتج عن عوامل قبلية مثل: الأبوية الطاغية، والقواعد العائلية، وضغط الأسرار العائلية الذي يمكن أن يدمر أسلوب الحياة.

774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع