د علوان العبوسي
26 / 11 /2025
هل صفقة F35 والتريلونات مقابل الابراهيمية
المقدمة
تكرر طلب الرئيس الامريكي ترمب من الامير محمد بن سلمان في مناسبتين ضرورة انضمام السعودية الى ركب المطبعين مع الكيان الصهيوني بشروط الدين الابراهيمي، كما حدث ذلك في صفقة القرن التي ابتكرها جاريد كوشنر صهر الرئيس الامريكي ترامب ، وكان رد الامير محمد ايجابي في المناسبتين ، نعم ممكن ولكن بشروط واضحة الاعتراف بدولة فلسطين وحل الدولتين والتعايش السلمي بينهما ، ويحاول ترامب في هاتين المناسبتين استرضاء الامير محمد بهذا الموضوع ولكن في المناسبة الثانية عند زيارة الامير محمد للولايات المتحدة في 18 تشرين الثاني / نوفمبر2025 بدءً من تصريح البيت الابيض بان الضيف ليس عادياً ، وكان الاسترضاء اوسع بكثير أثناء الاستقبال والترحيب الغير معتاد للرؤساء الاخرين من قبل الرئيس ترمب ناهيك عن ضخامة الاستثمارات ذات العلاقة بالقوة الجوية والدفاع الجوي وتجهيز السعودية ب 48 طائرة F35 الشبحية وبمواصفات الطائرات المجهزة بها اسرائيل (يعني ذات القدرات الفنية العالية) (1)، تطوير طائرات F15، بطريات باتريوت ،برنامج نووي مدني ، اتفاقات في الذكاء الاصطناعي ، اتفاقات استثمارية مع العديد من الشركات الامريكية منها نفطية وغيرها ، والاهم من ذلك كلة تصريح الرئيس ترمب (ان السعودية حليفاً رئيسياً خارج حلف الناتو ، ماذا يعني ذلك ؟ (2) .عليه هل يحضى هذا الاسترضاء برضى الامير محمد ؟ (3).

ماهية الاسترضاء الواسع من قبل الرئيس ترمب للامير محمد بن سلمان اثناء زيارته لامريكا في 18 نوفمبر 2025
هناك مؤشرات قوية منذ 2020 أن السعودية لا ترفض من حيث المبدأ التطبيع، لكن بشرط وليس بلا حدود، وهو التطبيع مقابل دولة فلسطينية أو تقدم ملموس للفلسطينيين،بمعنى آخر تريد موقفاً سياسيًا كبيرًا لثقلها الديني والإقليمي في المنطقة العربية والاسلامية (4)،ناهيك ان الولايات المتحدة وإسرائيل تعلمان تمامًا أن السعودية ليست الإمارات أو البحرين او المغرب ، بل هي مرتكز العالم الإسلامي بوجود الحرمين الشريفين على ارضها وامتداد تاريخها وحضارتها الاسلامية العتيدة في عمق التاريخ ، بالاضافة انها مرجعية سياسية للعالم السني العربي ولذلك فإن نجاح التطبيع السعودي سيكون هدية استراتيجية كبيرة لإسرائيل، عليه تضغط واشنطن بشكل كبير .بالمقابل السعودية تسعى مقابل ذلك:تحالف دفاعي قوي ومميزمع الولايات المتحدة الامريكية والتزامها بحمايتها من إيران لذلك كان طلبها لصفقة نووية مدنية كاملة وسلاح متقدم من طائرات (F-35)، دفاع جوي متطور، موقف حقيقي من ألدولة الفلسطينية بحل الدولتين والعودة لحدود 4 حزيران / يونيو 1967.
هل هذا معقول دينيًا وسياسيًا؟ من الناحية السياسية يعتقد معظم القادة ألخليجيون نعم يرون التطبيع من زاوية مواجهة إيران حماية لامنهم الوطني بالاضافة الى كسبها التكنولوجيا والاقتصاد في توسيع علاقاتها مع الغرب، السعودية تريد أن تبقى مركز وراس القرار العربي ولا تريد أن تبقى اخر الركب .
اما من الناحية الدينية الموضوع حساس للغاية، السعودية تعلم جيدًا أن التطبيع سيكون مكلفًا شعبيًا وإسلاميًا لذلك لم تقم بخطوة مباشرة وجادة ولا تصدر تصريحات إيجابية تجاه إسرائيل،ومع ذلك تربط التطبيع بـحقوق الفلسطينيين، كما انها تخشى أن يؤدي التطبيع غير المشروط إلى غضب شعبي وانتقاد العلماء ثم فقدان جزء كبير من شرعيتها الدينية استغلال إيران وتركيا لهذا الملف.هناك الكثير من التساؤلات بموضع التطبيع الابراهيمي السعودي ساحاول درج اهمها في ادناه :
1 .هل السعودية بعد ضغوط ترامب وشفافية الامير محمد فعلاً تريد التطبيع الآن؟
يبدوا واضحاً ان السعودية تريد التطبيع لكن لا تريد أن تدفع الثمن وحدها، بل تريد أن تكون الرابح الأكبر. من خلال التطبيع ولن تقبل تطبيعًا مجانيًا كما حدث في الامارات والبحرين والمغرب، السعودية تريد ان يكون التطبيع اتفاقًا تاريخيًا يضمن أمنها استقرارها وقيادتها للعالم الإسلامي وعدم خسارتها الجماهير العربية ،عليه يبدوا لي شخصياً إن حَدث ذلك سيكون تطبيعًا سعوديًا مختلفًا عن أي تطبيع عربي سابق اي تطبيع ثقيل ، مشروط، ومكلف جدا لإسرائيل.
2. هل التطبيع ممكن رغم مكانة السعودية الدينية؟
إذا استطاعت السعودية أن تثبت للعالم العربي والإسلامي بان التطبيع باعتباره مصلحة عليا وليس تنازلا، وهذا يتطلب تنازلات إسرائيلية ولو شكلية تجاه الفلسطينيينن، يرافقه دعم عربي واسع وتغطية دينية يقدّمها العلماء الرسميون وضمانات أمريكية قوية ، بدون ذلك التطبيع سيكون خطرًا على شرعية المملكة.
3. هل تخضع إسرائيل للضغوط السعودية من أجل التطبيع
كما هو واضح التعنت الاسرائيلي في كافة قراراتها وهوسها الغير انساني ولا اخلاقي عدم التزامها بكل القوانين الدولية ، فلا اعتقد انها تخضع مباشرة للضغوط السعودية، لكنها مضطرة لأخذها بجدية وبنظر الاعتبار ، لأن التطبيع مع السعودية يُعد أكبر جائزة سياسية واستراتيجية لها منذ اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو، فالسعودية ليست دولة يمكن لإسرائيل تجاهلها، فوزنها السياسي والديني والاقتصادي يجعل أي اتفاق معها في الوقت الحاضر بعد احتلال العراق تغييرًا جوهريًا في الشرق الأوسط، لا مجرد خطوة عادية ، لذلك إسرائيل لا تُخضعها بالقوة، بل تجبرها بالواقع الاستراتيجي على السعي نحو التطبيع بارادتها وقواها المذكورة .
الضغوط السعودية التي اعلنت عنها بوضوح ، بانه لا تطبيع مع اسرائيل دون تقدم حقيقي لحل الدولتين ووقف الحرب بالاضافة الى رغبتها في برنامج نووي مدني بضمانات أمريكية، ناهيك عن ترتيبات دفاعية مع واشنطن، وهذه المطالب تُعتبر شروطًا سياسية ثقيلة على اسرائيل لايمكن تمريرها بسهولة، خاصة فيما يتعلق بالواقع الفلسطيني.
كيف تتفاعل إسرائيل مع هذه الضغوط. الحكومة الإسرائيلية الحالية خاصة مع يمينها المتطرف ليس لها تقديم تنازلات للفلسطينيين ، لكنها تدرك أن التطبيع مع السعودية مصلحة عليا بضغوط امريكية ، أمنية، اقتصادية، إقليمية، عليه في داخل إسرائيل انقسامًا واضحًا بين التيار الأمني والسياسي المعتدل الذي يرى ضرورة الاستجابة لبعض المطالب السعودية، واليمين العقائدي الرافض لأي خطوة سياسية تجاه الفلسطينيين، إذن اسرائيل مضطرة للموازنة بين رغبتها في التطبيع وتصلّب اليمين.
اذن ماهو الدور الأمريكي في كل هذه المواقف السياسية حيال التعنت الاسرائيلي .الولايات المتحدة الامريكية ،تضغط على الطرفين لإتمام الاتفاق لاهدافها الخاصة ، اما السعودية تدرك تماماً أن واشنطن تريد هذا الإنجاز، فتستغل اللحظة السياسية للحصول على أقصى مايمكن من المكاسب. إسرائيل تعلم أن الخلاف مع واشنطن ليس في مصلحتها، فتضطر البقاء منخرطة في التفاوض وهذا عنصر مهم جدًا، عليه ان الضغط على إسرائيل سعودي امريكي مشترك.
4 .مما تقدم هل التطبيع ممكن؟
قد يكون ممكن، ولكن لاثقة باسرائيل ومع ذلك قد لايكون قريب إلا إذا قدم الأميركان والإسرائيليون ثمنًا عاليًا جدًا، يناسب حجم المملكة ودورها الإسلامي، وليس دون ذلك وإن حدث، سيكون تطبيعًا سعوديًا مختلفًا عن أي تطبيع عربي آخر، وسيغيّر ميزان الشرق الأوسط بالكامل.
5 .ماهو راي الاسلام في التطبيع الابراهيمي
الرئيس ترمب يشير دائما دعماً لصهره كوشنر باعتباره صاحب الفكرة او كانه داعية يصرح كما يحلو له بالاضافة لقادته السياسيين كارهي الاسلام ، يدعي ويدعون ان النبي ابراهيم ابو الانبياء عليه هناك دين واحد ينسخ باقي الاديان هو الدين الابراهيمي رفضه الازهر بشدة وكذلك كافة المرجعيات الدينة بضمنها المرجعية اليهودية كونه موضوع خطير جدا يستخف بكافة الاديان السماوية .
ألخلفية الفقهية والدينية . الإسلام يؤكد أن الدين الذي جاء به الأنبياء واحد من حيث التوحيد، لكنه ليس قابلًا للنسخ بين الأديان السابقة، القرآن الكريم يوضح ذلك في عدة آيات بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ - ال عموان 19 ) ، وكذلك بسم الله الرحمن الرحيم(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- المائدة 51 ) ، وايضاً قوله تعالى (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ - 120البقرة )، كل هذا يعني أن الإسلام هو الدين المقبول عند الله، وليس أي دين جديد ابراهيمي كما يدعون لكي يُغطي على الحقائق الإيمانية، عليه إن محاولات خلق دين جديد وليه كوشنراو ترامب أو دمج الأديان برغبة امريكية / اسرائيلية سياسية يُعد تدخلاً في العقيدة واستخفافاً بالدين والمرجعية الإسلامية.
6 .موقف الأزهر الشريف والمرجعيات الإسلامية العليا
الأزهر رفض هذا الطرح بشكل قاطع،موضحاً بانه لا يجوز استغلال الرمزية الدينية للإسلام أو للنبي أبراهيم عليه السلام لخدمة أهداف سياسية، ارضاءً لاسرائيل وامريكا ، وعليه ايضاً ان محاولة تمرير فكرة دين إبراهيمى موحد للاديان عبر التطبيع مع اسرائيل يُعتبر مساساً بالوحي والشريعة، موقف الأزهر هذا هو حماية للثوابت الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بـالنبوة والرسالة المحمدية والهوية الدينية للأمة
ان الطرح الامريكي /الإسرائيلي حول دين إبراهيمى جديد بابتكار ترامب وصهرة كوشنر ليس مجرد فكرة دينية، بل هو محاولة سياسية لاستغلال الرمزية الدينية لإضفاء شرعية على التطبيع، والمهم مخالفة ماجاء بكتاب الله القرآن الكريم وستفزاز المرجعيات الإسلامية العليا، فمن الناحية الاستراتيجية، يجب رفض هذا الطرح تمامًا، مع استمرار التعاون الاقتصادي والسياسي بحذر، دون المساس بالثوابت الدينية.
7 .هل تقر المرجعيات الدينية المسيحية واليهودية بالدين الابراهيمي
القادة إلاسرائيليون السياسيون يطرحون فكرة (الدين الإبراهيمي) كطريقة لربط اليهودية والإسلام والمسيحية تحت مسمى واحد سياسي /ديني، اليهود التقليديون يعتبرون التوراة هي كتابهم المقدس وكافة العبادات الخاصة بهم وعدم قبولهم دمج او نسخ الديانات الأخرى، ومن ناحية اخرى اليهود يرون أن فكرة الدين الموحد هي تأويل سياسي وليس ديني فيرفضوها(5) .
الدين المسيحي بكافة طوائفه (الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية) ،تؤكد على أن الإيمان بالمسيح وكتاب الإنجيل هو الأساس، ولا يمكن دمج الدين مع اليهودية أو الإسلام تحت عنوان الدين الابراهيمي ،الكنيسة الكاثوليكية سبق أن رفضت أي محاولة لتوحيد الأديان بالقوة السياسية، لأن هذا يخالف العقيدة الأساسية، عليه الكنيسة الرسمية لا تعتبرها ديناً موحداً ولا شرعياً.
في الختام
هناك تصريح مهم للرئيس ترامب شغل اهتمامي تطرقت له في مقدمة مقالي تبعه تصفيق حاد من الحضوراستمر طويلا وهو ( ان السعودية اصبحت حليفا رئيسياً خارج حلف النيتوا( Major Non NATO Ally) فهل هذا يعني تسخير السعودية بمهام تصب لمصلحة امريكا كحليفة استراتيجية لها ام شيئ اخر؟ ،وقد تبين لي جدية الموضوع بمعنى ان السعودية رغم انها ليست عضوًا في النيتوا، لكنها تحظى بمكانة استراتيجية خاصة، وتتمتع بمزايا عسكرية وتجارية واستخباراتية من الولايات المتحدة دون الانضمام الكامل لحلف النيتوا ، كما تبين لي ان هذا التصريح عبارة عن مصطلح أمريكي رسمي يمنح للدول ليست أعضاء في النيتوا ولكنها شريكة استراتيجية قوية للولايات المتحدة تستفيد من امتيازات عسكرية محددة يمكنها الحصول على أسلحة متقدمة، تدريبات، دعم لوجستي، وبرامج دفاعية أمريكية لكن هذا لا يعني تلقائيًا أن السعودية ستخضع لأوامر أمريكا أو تصبح جزءًا من القيادة العسكرية للنيتوا لكن واشنطن تستطيع الاعتماد عليها كقوة حماية لها في الخليج بدون نشر قوات أمريكية كبيرة كما ان الولايات المتحدة تضمن من خلال هذا التصريح او المبدء ، أن السعودية ليست مجرد مستهلك للأسلحة، بل شريك استراتيجي في القرارات الإقليمية.
وقد تشارك السعودية في مهام تخدم مصالح أمريكا في المنطقة، مثل:
• حماية خطوط النفط والممرات البحرية .
• مراقبة النفوذ الإيراني.
• المشاركة في برامج مشتركة للتدريب والتمارين العسكرية.
• التعاون الاستخباراتي ضد الإرهاب والجماعات المسلحة
في الواقع، هذا هو أعلى مستوى من التعاون العسكري بين واشنطن والدول غير الأعضاء في النيتوا، ويضع السعودية كشريك أمريكي أساسي في الشرق الأوسط.
المراجع
1 . Trump says he will sell F-35s to Saudi Arabia on eve of crown prince’s Washington visi
2 . المعنى تشير دلالاته إلى دولة ليست عضوًا في الناتو، لكنها تحظى بمكانة استراتيجية خاصة،.
3 . Saudi Prince Mohammed Bin Salman’s White House visit: Major agreements and updates - Is the $1 trillion investment pledge in the US achievable
4 . دلالات زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن: الحدث
5 . نفس المصدر

753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع