
أحمد العبداللّه
قراءة في كتاب؛(التحالف الغادر:التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة)
في كتابه المهم؛(التحالف الغادر:التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة), يكشف الأكاديمي السويدي من أصل إيراني(تريتا بارسي)، والصادر عام 2007, باللغة الإنكليزية، الكثير من الأسرار حول طبيعة العلاقات والاتصالات التي ربطت بين أطراف(التحالف الثلاثي)عبر أكثر من نصف قرن, معظمها في الدهاليز المظلمة وعبر الأقنية السرية. وبالضدّ من الشعارات الرنّانة والحملات الإعلامية الصاخبة ضد(الشياطين), التي ميّزت عهد الدجاليَن؛ خميني وخامنئي.
وتأتي أهمية الكتاب, والذي تُرجم للّغة العربية عام 2008, بعنوان(حلف المصالح المشتركة؛التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة)، من كون المؤلف هو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة(جون هوبكينز), وهي واحدة من أفضل عشر جامعات أمريكية. وهو حاصل على شهادتي ماجستير في العلاقات الدولية ثم في الاقتصاد من جامعة ستوكهولم، لينال بعدها شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة(جون هوبكينز)في رسالته عن العلاقات الإيرانية- الإسرائيلية.
وما يكشفه الكتاب من وثائق ومعلومات سرية، تبيّن؛ إن النظام الإيراني قد وجد إن الفرصة قد حانت للارتماء في حضن(الشيطان الأكبر)، و(تبادل المنفعة)معه من خلال تقديم مساعدات كبيرة ومهمة له, ساعدته في غزو واحتلال العراق في 2003, على أمل أن يؤدي ذلك لعقد(صفقة متكاملة)لتطبيع العلاقات, ومغادرة حقبة الشعارات الفارغة.
***
ويتتبّع(بارسي)جذور العلاقات الإيرانية الإسرائيلية منذ سنة إنشاء هذا الكيان اللقيط في سنة 1948, إذ يقول؛ إن الشاه(محمد رضا بهلوي)قد أدرك؛(إن إقامة دولة ليست عربية موالية للغرب في الشرق الأوسط, يمكن أن يعزز أمن إيران), من خلال إشغال الدول العربية المنافسة لإيران واستنزاف مواردها. لكنه حرص, في الوقت نفسه, على إخفاء تلك العلاقة, لعدم اثارة حفيظة العرب وغضبهم. ونجح الشاه في(بهلوانياته الدبلوماسية)طيلة العقود الثلاثة التالية في الحفاظ على تحالفه معها, وسمح بتواجد إسرائيلي كبير في طهران, لكن دون الاعتراف الرسمي ببعثتهم كسفارة, أو رفع علمهم فوقها.
ويوضّح(بارسي)؛إن هدف إسرائيل الأساسي من علاقتها مع إيران هو إشغال الجيش العراقي, والحيلولة دون مشاركته في أي هجوم عربي محتمل عليها. وينقل عن الملحق العسكري الإسرائيلي في طهران الجنرال(إسحاق سيغيف), قوله؛إنه رغم القوة التي أظهرها الجيشان المصري والسوري في حرب تشرين 1973, إلا أن العراق كان هو؛(العدو الحقيقي لإسرائيل), والتحدّي الأكبر لها, بما يمتلكه من طموح وقدرة وتاريخ, بأن؛(يصبح الدولة العربية الأقوى).
***
وفي شباط 1979, تم تنصيب خميني على(عرش)إيران, بتدبير أمريكي-بريطاني-فرنسي-صهيوني. و(ابتهج)كثيرون من العرب, والفلسطينيين منهم خاصة, وانخدعوا بـ(ثورة الخميني)وشعاراتها الخدّاعة, وكان أول زائر(شدَّ الرحال)إلى طهران هو الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات, ولكن بعد خروجه خالي الوفاض, من اجتماعه بالدجال خميني, أدرك إن إيران الخمينية, كما يذكر(بارسي)؛(لن تقدّم للفلسطينيين سوى دعم كلامي وخطابي)!!. ويضيف؛ إنه بالرغم من الاختلاف الكبير بين الشاه والخميني, فقد(كانت أهدافهما الاستراتيجية متشابهة إلى حد بعيد)!!.
سقط الشاه.. وجيء بـ(شاه معمّم), ولكنه أخبث من سلفه بكثير, فقد قاقت الأطماع الخمينية في أرض العرب, أطماع وأحلام الشاه المخلوع, وكانت تلك الأطماع تتخفّى وراء أقنعة الدعاية الكاذبة بمعاداة إسرائيل وأمريكا. إذ ينقل(بارسي)عن سياسي إيراني ينتمي لـ(معسكر الإصلاحيين)يشرح فيه المنطق الإيراني كالآتي؛(تخيّل لو كان بمقدورك إسقاط صدّام وإقامة جمهورية إسلامية هناك.. فسيكون لديك؛جمهورية إسلامية في العراق وجمهورية إسلامية في إيران, وهما الدولتان الأقوى في المنطقة.. سيؤدي ذلك إلى تغيير موازين كل شيء, وسيكون في مقدورك الهيمنة على المنطقة.. سيكون في مقدورك الهيمنة على الشرق الأوسط بأكمله)!!.
وبعد خروج مصر من معادلة الصراع العربي مع الكيان الصهيوني الغاصب, بعد توقيع معاهدة(كامب ديفد)عام 1978, يقول(بارسي)؛ إن تل أبيب بدأت تنظر للعراق بأنه؛(الخطر الإقليمي الوحيد الأكبر على أمن إسرائيل), في حين لم تكن تعتبر إيران الخمينية, رغم خطابها العنيف وإيديولوجيتها الثورية, إنها يمكن أن تشكل خطرا عليها, بل بقيت بالنسبة لإسرائيل؛(شريكا في موازنة التهديد العراقي)!!. خاصة مع وجود جالية يهودية قوية في إيران يبلغ تعدادها مئة ألف شخص.
***
واعتبارًا من مطلع عام 1980, ابتدأت علاقة(النفط مقابل السلاح)بين إيران وإسرائيل, أي قبل اندلاع حربها مع العراق بتسعة أشهر تقريبا. إذ يذكر(بارسي)؛إن أحمد كاشاني, نجل(آية الله العظمى)أبو القاسم كاشاني, قام بزيارة تل أبيب لمناقشة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري لاستهداف مفاعل تموز الذري العراقي السلمي. وقد أثمرت الزيارة عن موافقة(مناحيم بيغن)رئيس الوزراء الصهيوني على شحن أسلحة وإطارات لطائرات الفانتوم المقاتلة, مقابل السماح لآلاف اليهود الإيرانيين بالهجرة لفلسطين المحتلة. وكانت كل تلك الصفقات تجري بعلم وموافقة خميني الدجال!!.
ويؤكد(بارسي)؛إن 80% من مجموع العتاد العسكري الذي اشترته إيران خلال سنوات الحرب مع العراق, مصدره إسرائيل!!. وإنه استنادا لمعهد(جافي)للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب؛(معهد دراسات الأمن القومي, حاليا), فقد فاقت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لإيران مبلغ(500)مليون دولار خلال ثلاث سنوات فقط؛(1980-1983), واستمرت في السنوات اللاحقة بدون انقطاع. وكانت المخابرات الأمريكية تتابع تلك الصفقات, ولم تتدخّل إدارة الرئيس ريغان لإيقافها!!.
وعندما افتضح ذلك التعاون التسليحي, لما أُسقطت الطائرة الأرجنتينية فوق الأراضي السوفيتية في 18 تموز 1981, رد الدجال خميني بخطاب غاضب بعد أيام من الحادثة, مُنكرا بشدة تلك(المزاعم)التي يذيعها أعداء إيران لتقويض ثورته من خلال نشر إشاعات كاذبة عن تعاون إسرائيلي-إيراني!!. وأضاف قائلا؛(إنهم يتهموننا باستيراد الأسلحة من إسرائيل.. وهذا يُقال في حق بلد نهض لمعارضة هذه العصابة الصهيونية المدانة منذ البداية.. منذ أكثر من عشرين عاما)!!.
ورغم انكشاف عمق العلاقة بين إيران والشيطانَين؛الأكبر والأصغر, كما تصفهما في خطابها الدعائي المنافق, والتي بلغت ذروتها في فضيحة(إيران غيت)أواخر العام 1986, والتي كادت أن تطيح بالرئيس الأمريكي(رونالد ريغان)نفسه, فرغم كل ذلك, واصل خميني الدجال حملاته التخوينية ضد الحكومات العربية التي تفكّر بالتفاوض مع الدولة اليهودية, كما هاجم منظمة التحرير الفلسطينية لما أعلن زعيمها ياسر عرفات من على منبر الأمم المتحدة في جنيف عام 1988, موافقة المنظمة على حل الدولتين. وعلّق الدجال الكذّاب المنافق الغاطس حتى أذنيه بالعمالة للغرب وإسرائيل؛(إن تقسيم فلسطين أمر غير مقبول), وإنه لا يمكن إقامة الدولة الفلسطينية إلّا بعد أن؛(يتم سحق الصهاينة واستعادة الأراضي التي سلبوها)!!.
***
لقد حققت إيران بحربها العدوانية على العراق أهداف إسرائيل من خلال شلّ قدرة الجيش العراقي, وتحييد الجبهة الشرقية. إذ يقول(بارسي): لقد عبّر وزير الدفاع الإسرائيلي(إسحاق رابين)في مؤتمر صحفي عقده في تشرين الأول 1987, عن هذه الحقيقة بقوله؛إن(الخطر العراقي)يتطلب من إسرائيل تعزيز علاقتها بإيران باعتبارها شريكا استراتيجيا. ومضى قائلًا, مستخدما أكثر العبارات وضوحا؛(إن إيران هي أفضل صديق لإسرائيل, ونحن لا ننوي تغيير موقفنا فيما يتعلق بطهران)!!.
ويمضي(بارسي)قائلا؛ في سنة 1999, قدّم الإيرانيون مقترحا للجانب الإسرائيلي عن طريق الحكومة البريطانية, للدخول في مفاوضات سرية مع إسرائيل لإبرام معاهدة بينهما تتعلّق بالصواريخ, وأنهم أكدوا للإسرائيليين؛ إن ترسانتهم العسكرية ليست موجهة ضدهم, وإنما ضد البلدان العربية التي تشكل خطرا عليهم, وفي مقدمتها العراق!!. وعندما كانت تتسرّب هذه الأنباء للإعلام, كان الإيرانيون ينكرون بشدة إنهم تقدّموا بمثل تلك المقترحات, ويتهمون إسرائيل بتلفيق هذه القصص لـ(إضعاف موقع إيران في العالم الإسلامي)!!.
ويقول(بارسي)؛احتل الإيرانيون موقع الصدارة في إلقاء الخطب الرنانة التي تتحدث عن القضية الفلسطينية, ولكن نادرًا ما يتبع الكلام أفعال. وينقل عن دبلوماسيين أوربيين أجروا اتصالات مع ممثلين عن حركتي؛حماس والجهاد الإسلامي, ممن زاروا إيران طلبا للدعم بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000, إنهم شعروا بخيبة أمل مريرة من مضيّفيهم الإيرانيين, ولم يقبضوا منهم شيئا, غير الكلام!!.
***
ويذكر(بارسي)؛إنه قبل وأثناء الحملة الأمريكية لاحتلال أفغانستان في 2001, بذريعة(الحرب على الإرهاب), قدّم الإيرانيون مساعدة كبيرة للولايات المتحدة في الحرب, بما يمتلكونه من معلومات وخبرات مهمة في شؤون أفغانستان وطالبان. وعرضوا على الأمريكان وضع قواعدهم الجوية في خدمتهم, وتوفير خدمات لوجستية لتسهيل مهام البحث والإنقاذ للطيارين الأمريكان الذين قد تسقط طائراتهم داخل الأراضي الأفغانية!!.
ويقرُّ(بارسي)بأن إدارة بوش بإزاحتها منافسَي إيران الرئيسيين؛طالبان في أفغانستان وصدّام حسين في العراق, قد عجّلت من بروز إيران كقوة رئيسية في الشرق الأوسط. وقد كان وزير النفط الإيراني(هادي نجاد حسينيان)يتحدث بسرور وهو يشرح للمؤلف؛ كيف أن الولايات المتحدة قوّت إيران, من غير قصد, بإلحاقها الهزيمة بصدّام حسين وحركة طالبان, ونتج عن ذلك تحوّل إيران لقوة إقليمية, بعد غرق الجيش الأمريكي في العراق بفعل(التمرّد السُنّي)!!. وأضاف الوزير الإيراني وهو يبتسم؛(لم يكن العراق ليتحوّل إلى وضع أفضل من الوضع الذي تحوّل إليه, بالنسبة إلينا)!!.
***
ومما تقدّم نرى؛ إن السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الكيان الصهيوني الغاصب في عهد خميني/ خامنئي بشكل خاص, وفي عهد الشاه إلى حدٍ ما, قامت على؛المعارضة الكلامية لإسرائيل, والتعاون العملي معها!!. وإن إحدى أهم الركائز الأساسية في العقيدة الشيعية, حيث تختلط العقيدة بالسياسة, هو اعتمادها أسلوب(التَقيّة), والذي هو التجسيد العملي للنفاق, وهو لصيق بالشخصية الفارسية عبر التاريخ, وانعكس ذلك على سياسة حكامها في مختلف المراحل والعهود.
فهل هذه الدولة الخبيثة تمتُّ للإسلام بصِلة؟!. بالتأكيد, وبدون مواربة, وبلا أدنى شك؛ إن بينها وبين الإسلام المُحمّدي الحنيف, كما بين السماء والأرض, وهي كانت دومًا, خنجر غدر في ظهر العرب والمسلمين منذ أكثر من خمسة قرون.

988 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع