علي السوداني
كانت محاولة جدُّ ناجحة ، لإنتاج عيدٍ مبهجٍ وسعيد . قطيعة شبه تامّة لدوخة التلفزيون ، وإخصاء عاصف لطقاطيق التلفون ، التي من مشهوراتها الأبدية ، طقطوقة شلونك وشلون كيفك وبعد شلونك والجهال اشلونهم وشكو ماكو ، وأشياء أخرى تلفُّ وتدور حول صحّة عينيك الكليلتين ، والبشائر المنولدة عن تركيب جسرٍ عظميٍّ ، حلَّ محلَّ سنّ العقل وجارته الطاحونة المطحونة . عدتُ مكتظّاً بالحنين ، صوب معجم الطز ، وشمرتُ خمسة طزّات على خمس وجوه .
ألخسارات قليلة ولا تكاد تُذكر ، لكن لا ضرر في رسم واحدة منها . فرن الخبز يبتعد عن نزلي ، مسافة عشرة بيوت فقيرة ، وستّ بنايات قائمة بوساطة قانون المصادفة الضرورية . لم يكن أمراّ عصيباً ، أن أشتري خمسة أرغفة عراقية ، وأرجع بهنَّ ساخنات طيّبات ، مع استعادة ممكنة لمسألة " أحنُّ إلى خبزِ أُمّي " لكنَّ الثلمة كانت وقعتْ ، فلا مهرب منها ولا ملاذَ وقاية ولا منجى . ثمة أرض ضئيلة مهجورة متروكة قبالة فرن الخبّاز ، حُشِرَ في جوفها ، حشدُ خرافٍ من الصنف الذي تسمّيه الناس " أضحيات العيد " وكان عليَّ أن أكتفيَ بقنص المعنى الفوقاني من المنظر ، وأعود والخبز إلى داري ، من دون كدمات قلبية ، لكنّ سوء الحظّ ، ويباس الرأس ، كانا شَتَلاني فوق أُسّ المرأى . من المكتشفات المتأخرة ، أنَّ خرفان العيد ، كانت تتعامل مع الناس الشارية ، بحذرٍ عظيمٍ ، وخبرةٍ قد تترك رقابها قائمة على أجسادها السمينة ، ولو إلى بعد حينٍ ، لن يذهب طويلاً عن ظلمة مبيت ليلة حميمة ، صحبة معمعة وداعٍ مبين . ثمة عضّة ثانية ، مثل هبرة قوزيّ ، انوجدتْ على خاصرة العيد . رجلٌ ضخمٌ يتسلّط على دستة حمير ، وشلة من أطفالٍ مشاكسين ، يعتلون ظهورها المكسوّة بلباسٍ فقير ، ويسوسونها على حافّة الشارع ، ثم يرجعون بها ، وفي أيمانهم بعضُ مالٍ ، يكفي لإرضاء غرور المالك ، ورسم بسمةٍ فائضةٍ فوق باب الرزق الحلال . أبديتُ تعاطفاً ضخماً مع الخراف المذبوحة ، والحمير المساطة ، ورأيتُ أنّ الأمر يخلو من عدالة ممكنة ، لكنني تخلّيتُ عن بعض هذا العطف ، مع أول شمّة رائحة شواء ضربت خشمي ، منبعها رصفة أسياخ لحم وكباب وشحم ومعلاق ، نائمة فوق منقل فحمٍ عظيم ، ومزفوفة بحركات جذابة لا تخلو من بهلوانية وضحك . وسائط الإتصال كانت متاحة بأريحية عالية ، وقد عاونتني على تطيير ثلاث ملايين معايدة ومعايدة ، إلى الصحب الذين رشّهم حظّهم ، على أرض الله . مكاتيب العيد تشبه تصبيرة معدة ، أو لعّابة صبر . مباغتة ناتئة غير محسوبة ، جعلتني أُحسُّ بأنَّ " العيال كبرتْ " وكنت ساعتها ، كمن وقف تائهاً ، قدّام تحويلة مؤقتة .
طيور الحارة ، تحلّقُ منخفضة . كانت هذه رسمة حروفية عتيقة ، من رسمات الياس فركوح . ليس ثمة تبدلات كثيرة على جسد المنظر ، الذي أقنصه من رسوخي القويّ ببطن الشرفة ، باستثناء حريقٍ أكل نصف دكان قهوة المعلّم . فلمٌ واحدٌ فقط ، شاهدتهُ بمرارة عند أوشال الليلة الأخيرة . قصة الفلم كانت سخيفة ومملّة ، وتبويزات العائلة لم تتوفق في ثنيي عن مواصلة النظر ، نحو وجه شادية الحميم . هو من الأفلام ذوات الختمة السعيدة ، حيث يتصاعد صوت موسيقى انتصار الفكرة ، ويبتعد البَطَلان صوب عمق الشاشة التي تتسخّم ، فتنولد مرسومة على بنطٍ عريض ، مفردة النهاية .
نهاية العيد الذي كان أقلُّ ترويعاً ، هي مطرة إلهية مذهلة ، أيقظت عطر الأرض والشجر ، أمّا أنا ، فلقد عدتُ ثانيةً إلى شاشة التلفزيون ، فوجدتها مبللة بالدم ، ومدخّنةً بسيارات ملغّمة ، وأيضاً ، بأفكارٍ مفخخة ، وبلادٍ عزيزةٍ ، صارت تعلّم الناس ، كيف ينتحبون . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
1506 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع