الفوضى السياسية والاجتماعية

د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
22.08.2025

لفوضى السياسية والاجتماعية

" ان المشاركة والاهتمام يفشلان عندما لا تكون هناك قصدية مشتركة".

لا شك ان الانقسامات السياسية تؤدي إلى صراع اجتماعي عويس، والانقسام الطبقي. والتلاعب السياسي يؤدي الي الثورات. لا يمكن توحيد المجتمعات من خلال المضايقات، والأوامر التمييزية. يمكنك خداع شريحة صغيرة من السكان، لكن لا يمكنك أبدًا السيطرة على شرائح سكانية كبيرة.
لماذا نحتاج إلى روابط اجتماعية سليمة؟ لماذا تُعدّ الحياة الاجتماعية مهمة للتوازن العقلي؟ لماذا نشعر بشكل متزايد بالاستبعاد، أو بخيبة الأمل من المجتمع؟ مع وان الروابط الاجتماعية تعزز الأنشطة المشتركة، والتضامن، والإنصات للآخرين، والتعاطف، والمساعدة المتبادلة. تُظهر الدراسات أن الدعم المجتمعي يُقوي النسيج الاجتماعي، ويزيد من مرونته.
كما تستثمر المجتمعات والشبكات الاجتماعية حول العالم، في الأنشطة الاجتماعية، والثقافية، والرياضية، وذلك لمساعدة مجتمعاتها على تحقيق تماسك اجتماعي فعال.
وترتبط العلاقات الاجتماعية ارتباطًا مباشرًا بتحسين الصحة النفسية للمواطنين، وبالتكامل الاجتماعي الجيد. مما يمنع العزلة، والتوتر، والشعور بالهجر. وتُبرز الأبحاث أن، شبكات الدعم (الأسرة، المجتمع، والشبكات الاجتماعية) تُوفر الموارد الازمة، من اجل التكيف الإيجابي في مواجهة الضغوط والصدمات.
كما تُساعد العلاقات الاجتماعية على منع العزلة، وتعزيز الصحة النفسية، وبناء شعور بالتضامن، وهو أمرٌ أساسيٌّ للوصول الي المرونة.
لكن في الحقيقة، ان الأسباب الرئيسية للتفكك الاجتماعي تشمل العوامل الاقتصادية (البطالة، الفقر، عدم الاستقرار)، والعوامل الاجتماعية (التمييز، الفصل، عدم الاستقرار الأسري)، والعوامل النفسية والثقافية كالفردانية.
فهي تُضعف الروابط الاجتماعية، وغالبا ما تؤدي إلى انهيارها والإقصاء التدريجي. على سبيل المثال، قد تكون البطالة سببا في عدم الاستقرار والشعور بالإقصاء من المجتمع. يُضاف إلى ذلك التمييز، والفراغ الاجتماعي، وعدم الرضا.
لكن إذا أعدنا النظر، سندرك أن نظام سياسي غير متكافئ يُولّد صراعات وانقسامات وتُقوّض الشعور بالمواطنة والرؤية المشتركة. مما يضعف الروابط الاجتماعية ويُزعزع الاستقرار الاجتماعي والأسري (يزيد في نسبة الطلاق) ويخرب حسن الجوار.
على سبيل المثال، تشعر الأسر الفقيرة بأنها ضحايا للتمييز الاقتصادي والاجتماعي والاستبعاد من المجتمع
في حكاية لافونتين (1668-1694)، تُبيّن قصة "البقرة والماعز والغنم في شراكة مع الأسد" كيف يُحكم المجتمع. وهكذا، وبعد صيدٍ مُربح، بدلًا من أن يُشارك الأسد الفريسة بالتساوي، يُقطّعها إلى أربعة أجزاء، ويأخذ الأجزاء الثلاثة الأولى متذرع بقوته، ويُهدّد بقتل كل من يلمس الجزء الرابع، مُظهرًا بذلك سيادة قانون الأقوى على العدل والإنصاف. يُمثّل الأسد السلطة المُهيمنة والظلم، بينما تُجسّد الماعز والغنم عجز الضعيف في مواجهة الظلم، حتى في ظلّ التحالف.
يساهم شعور الظلم والتهميش، بعدم الثقة بالسلطة وخيانة المجتمع والعزلة منهم. وذلك بسبب سكوت الناس على الظلم، مما يعتبر تواطئ و جريمة لأنها سبب في العنف والقتل.

من الناحية النفسية، قد يُؤدي التمييز المرتبط بالتهميش إلى الغضب والاستياء والعنف. كما أن المعاناة المرتبطة بانعدام الأمن قد تُعزل الناس وتُحولهم الي مرضي نفسيين. إن عدم التحدث أو اتخاذ إجراء في وجه الظلم، هو بمثابة السماح للوضع الراهن بالبقاء. والوقوف موقف المتفرج السلبي، وهو أمرٌ ضارٌّ بقدر كونه مشاركًا. كما ان اختيار عدم الصمت مسألة أخلاقية وواجب سياسي.
وتتضمن نشأة الإدراك البشري، عملية بيولوجية تطورية تُحرك التاريخ الثقافي والتطور الفردي. ووفقًا لعالم النفس المعرفي الأمريكي مايكل توماسيلو (1999)، فإن القدرات المعرفية، مثل التفكير والتخطيط وفهم نوايا الآخرين، تلعب دورًا اجتماعيًا وثقافيًا، وتساهم في ظهور الإدراك البشري. وتدعم نظرية توماسيلو في النشوء، فكرة أن السمات المعرفية والاجتماعية الفريدة للإنسان تتطور خلال الطفولة، وتحديدًا بين الولادة وسن السابعة. ويشرح كتابه "التحول إلى إنسان: نظرية النشوء" (2019)، كيف أن هذا التطور موجه بالقدرة البشرية على القصد المشترك. كما انه يُحوّل المهارات البدائية الفريدة إلى كفاءات بشرية معقدة، مثل التعاون والتعلم الثقافي والأعراف الاجتماعية. ويُحدد توماسيلو مسارات تُميّز البشر مثل: "الإدراك الاجتماعي، والتواصل، والتعلم الثقافي، والتفكير التعاوني، والروح الاجتماعية، والأعراف الاجتماعية، والهوية الأخلاقية".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

850 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع