العراقي وصور المرشحين: قراءة اجتماعية – سياسية في مواسم الدعاية الانتخابية

قاسم محمد داود

العراقي وصور المرشحين: قراءة اجتماعية – سياسية في مواسم الدعاية الانتخابية

في كل موسم انتخابي، تتجدد موجة الحملات الدعائية التي تملأ الشوارع بالملصقات واللافتات والصور الكبيرة للمرشحين، حتى تبدو المدن العراقية وكأنها معارض مفتوحة للوجوه السياسية. لكن هذا الزخم البصري لا يقابله بالضرورة اهتمام المواطن بالسياسات أو البرامج الانتخابية.

فالإحباط السياسي وتجدد الوعود غير الملموسة يخلقان شعوراً عاماً بالتعب واللامبالاة، حتى باتت الحملات الانتخابية في نظر كثيرين مجرد طقسٍ شكلي يتكرر دون أثر فعلي في الحياة اليومية.
تحوّلت الجدران في المدن العراقية إلى مرايا لانقسامات السلطة السياسية، حيث يُستخدم الفضاء العام لتثبيت الوجوه والرموز أكثر من عرض البرامج والأفكار.
وبدل أن تكون الصورة وسيلة للتواصل مع الجمهور، أصبحت أداةً لتأكيد الحضور في مشهدٍ سياسيٍّ مأزوم، تحكمه الولاءات والانتماءات لا الكفاءات أو الرؤى.
يختلف حضور الدعاية الانتخابية من مدينة إلى أخرى، لكنه يكشف دائماً عن طبيعة العلاقة بين المواطن والسلطة، إليك على سبيل المثال نماذج لتفاعل المواطن مع مهرجان الصور واللافتات هذا ففي بغداد: ازدحام اللافتات وتكرار الشعارات، مع تفاعل شعبي يتراوح بين التجاهل والسخرية.
أما في الموصل: ذاكرة الحرب لا تزال ثقيلة، والوعود بالإعمار لم تتحقق، فتبدو الصور مجرد رموز جوفاء لا تحرك الأمل.
كذلك في الأنبار: التركيز على الانتماءات العشائرية والرموز المحلية أكثر من البرامج السياسية، ما يعكس تداخلاً بين الولاء العشائري والانتماء الحزبي.
يتعامل المواطن العراقي مع صور المرشحين بطرق متعددة — بعضها ساخر وبعضها احتجاجي.
فمن تمزيق الملصقات أو تعليق العبارات الساخرة عليها، إلى تحويلها إلى مادة للنقد والتندر في وسائل التواصل الاجتماعي.
وهكذا تحوّل الشارع إلى مساحة للتعبير الصامت عن رفضٍ سياسيٍّ متنامٍ، بينما اختارت فئات واسعة المقاطعة أو اللامبالاة كأدوات احتجاج رمزية. هل يُعقل أن يمنح الناخب صوته لمرشّح لمجرّد أنّ صورته تبتسم له من جدارٍ مُتَغَبِّر؟! أهي الانتخابات أم مسابقة "أجمل بورتريه تحت أشعة الشمس"؟! يبدو أن بعض المرشحين يراهنون على الفوتوشوب أكثر مما يراهنون على البرامج الانتخابية!
في العصر الرقمي، لم تعد الشوارع وحدها مسرحاً للدعاية الانتخابية. فالمواطن العراقي بات أكثر نشاطاً على المنصات الرقمية، حيث تتحول صور المرشحين إلى رموز للنقد والتعليق. المحتوى الرقمي على وسائل التواصل يلعب دورًا محوريًا في صناعة الرأي العام، حيث يسرّع انتشار المعلومات ويشكل مواقف المستخدمين بسرعة، بينما تحدد الخوارزميات ما يراه الأفراد فتزيد من الانحيازات، ويتيح المحتوى التفاعلي والحملات الرقمية توجيه النقاش العام والضغط على صناع القرار، مما يجعل للجمهور تأثيرًا متزايدًا في تشكيل الرأي الجمعي. هذه المساحات الافتراضية باتت أكثر صدقاً في التعبير عن الوعي الشعبي، وأقرب إلى نبض الناس من الشوارع المزدحمة بالشعارات الفارغة.
تكشف هذه الظاهرة عن توازنٍ هش بين العجز السياسي والرغبة في التمرد الرمزي. فالمواطن لا يزال يبحث عن صوته وسط فوضى الخطاب الدعائي، ويستخدم الرموز — من تمزيق الملصقات إلى النكات السياسية — للتعبير عن رأيه في نظامٍ لا يمنحه مساحة كافية للمشاركة الفعلية.
إنها مقاومة ناعمة، لكنها تعبّر بوضوح عن وعيٍ اجتماعيٍّ يتنامى في صمت.
أن أي حملة انتخابية ناجحة في العراق لا يمكن أن تعتمد على كثافة الصور أو الشعارات وحدها، بل على إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. الثقة تُبنى بالفعل، لا باللافتات. والصورة مهما كانت براقة، لا تعوّض خدمةً غابت أو وعداً لم يتحقق.
برغم فشل الصور واللافتات في إقناع الناخب العراقي، إلا أنها نجحت في شيء واحد: توفير مورد رزق موسمي لمن ينتظر بفارغ الصبر يوم ما بعد الانتخابات، لا ليعرف من فاز، بل ليملأ "الستوتة" بإطارات الحديد — فائز آخر من نوعٍ مختلف!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

919 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع