بين فيصل الأول وجلّوب الطرفة: حين كانت الزعامة موقفاً لا وظيفة

كريم جمال الطرفة

بين فيصل الأول وجلّوب الطرفة: حين كانت الزعامة موقفاً لا وظيفة

 

الزعماء العشائريون قبل السياسة.. والهيبة قبل المناصب

في عالم اليوم، صارت الزعامة أحيانًا لقبًا يتداول بين الأيدي وفق الولاءات، أما في الماضي فكانت الكلمة تُحسب والموقف يُحترم. هذا المقال يستعرض صفحة من ذاكرة العراق، حين كان الملك فيصل الأوّل يستشير شيوخ العشائر العظام، في زمن كانت فيه الهيبة أثمن من كل منصب.

تُروى في ذاكرة العزيزية قصصٌ تُضيء ملامح زمنٍ مضى، زمنٍ كانت فيه الكلمة ميزان الرجال، والموقف صفة الزعيم، قبل أن تُصبح الزعامة اليوم لقبًا يُشترى ويُباع على موائد السياسة.

ومن تلك القصص ما يُروى عن الملك فيصل الأوّل، رحمه الله، الذي كان يزور بين الحين والآخر الشيخ جلوب الطرفة في العزيزية، لما عُرف به الشيخ من مكانة مرموقة، وسمعة طيبة، ورأي مسموع في شؤون الناس والعشائر.

ويذكر كبار السن أنّ الملك فيصل قال للشيخ جلوب يوماً:

“لولا أنّك لا تقرأ ولا تكتب يا شيخ جلوب، لأنت الأحق بحكم العراق”

وهذه العبارة تعكس مدى احترام الملك للحكمة الفطرية والمكانة الاجتماعية التي كان يحظى بها الشيخ، رغم جهله بالعلم المكتوب.

كان الملك فيصل الأوّل يُصغي إلى الشيخ جلوب ومن معه في قضايا سياسية وعشائرية بالغة الأهمية، إذ وجد فيهم صورة العراق الحقيقي، البعيد عن التكلّف والمصطنع. ورغم أن أولئك الشيوخ لم يكونوا من أهل القراءة والكتابة، فإنهم كانوا من أهل الفطنة والمعرفة والعقل الراجح، يستقون حكمتهم من التجربة، ويزنون الأمور بميزان المروءة والعدل.

ذلك الزمن لم يكن الشيخ فيه تابعًا أو موظفًا عند السلطة، بل كان السلطان نفسه يستشير الشيخ، ويحترم كلمته، لأن الزعامة آنذاك كانت تُبنى على الهيبة والصدق لا على الولاء السياسي.

أما اليوم، فكم تبدّل الحال! صار كثير من شيوخ العشائر أسرى الأحزاب والشعارات، يركضون وراء المناصب والمكاسب، بعدما كانوا رموزاً للكرامة والقرار الحرّ، فاختلطت الأصالة بالادّعاء، وتحوّل المنبر العشائري من صوتٍ للناس إلى صدى للمصالح.

إننا حين نستذكر تلك الحقبة لا نفعل ذلك حنيناً إلى الماضي فحسب، بل لنذكّر أنفسنا أن الزعامة مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سلطة اجتماعية، وأن هيبة الشيخ كانت تُقاس بمقدار ما يحفظ من دماء الناس لا بعدد من يصفق له.

هكذا كان العراق في زمن فيصل الأول، وهكذا كانت عشائرنا حين كان الشرف عنواناً، والكلمة موقفاً، والزعيم رجلاً يُهاب إذا تكلّم، لا تابعًا يُصفّق حين يُقال له صفّق..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

864 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع