د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
05.09.2025
الدليل الاجتماعي
من منا لم يشعر بانجذاب تجاه شخص أو مجموعة دون أن يُدرك ذلك؟ كم مرة اشترينا قطعة ملابس أعجبتنا على شخص آخر، فاشتريناها فورًا. وعندما عودنا إلى المنزل، شعرنا بالندم والعجز حقا على فهم ما حدث لنا؟ أو ندم الناخبين بعد نتائج الانتخابات.
انه شعور القهر، لأننا في لحظة انفعالنا مع الناس من حولنا أقدمنا على تصرف متهور. وبعد تفكير عميق، أدركنا أن المرشح لبقٌ في حديثه، وقد هيأ بالفعل جمهورًا جيدًا لإقناع الناخبين. لقد سمعنا كثيرا: “سحرتنا هتافات الجمهور تمامًا، ومن دون تفكير انتخبناه". لكننا نسينا أنه في الماضي، كان يُطلق وعودًا دون أن يفي بها حقًا. ألم نركض جميعًا في الشارع بجنون لمجرد أننا شاهدنا شخصًا يركض، ثم آخر، ثم جميع الآخرين؟ إنها ظاهرة فقدان الفردية، حيث نلتقط مشاعر الآخرين في الحشد، ونتخذ توجهًا مشتركًا تجاه الموضوع.
وفي السياسة، يصبح جمهور القائد مبهر بسبب ضغط الحشد، وتلاعب الأضواء. هي عوامل الستثنائية تحفز الرغبة في الخضوع للتأثيرات، وتسحر الجمهور.
علي سبيل المثال، تروي قصة بنورج المأخوذة من "الكتاب الرابع" للكاتب الفرنسي الشهير فرانسوا رابليه (1892) قصة مثالية. كان بنورج ورفاقه يبحرون في البحر، وفجأة نشب جدال بين تاجر الأغنام وبنورج. ويرجع السبب ان تاجر الأغنام سخر من ملابس بنورج.
بعد عودة الهدوء، قرر بنورج شراء خروف من تاجر الأغنام.
وبعد صفقة طويلة وغير مثمرة، لم يتمكن بنورج من الحصول على سعر مناسب له، لأن القطيع ينتمي إلى سلالة الكباش ذات الصوف الثمينة، وسعره مرتفع. فقرر بنورج الانتقام. وبعدما اشتري الخروف، ألقى به في البحر امام الجميع. فانضم القطيع إلى خروف بنورج في البحر وكلها غاصت في البحر. في النهاية، انضم باقي القطيع إلى صاحبه تاجر الاغنام والرعاة الآخرين الذين حاولوا كبح جماحهم بالتشبث بهم. في الواقع، أدى اتباع القطيع دون تفكير إلى ظهور عبارة "خراف بنورج"، التي تشير إلى الشخص الذي يتبع القطيع دون تفكير. وقد ميّز التطور، والتقدم، والتغيرات الحضارية، قوة الحشود.
لقد أحدثت سقوط السلالات الحاكمة وغزو الشعوب، تغيرات جذرية في أفكار الناس، ومعتقداتهم، وآرائهم. نعيش في عصرٍ يشهد فيه الفكر الإنساني تحولاتٍ مستمرة، استنادًا إلى التأثير الرقمي، وتطور المعرفة، والتغيرات الاجتماعية، وديناميكيات الجماعات.
تُشارك التجارب الآن عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتتشكل المعتقدات جماعيًا، وتزداد المجموعات الاجتماعية قوةً، وتمتلك القدرة على تغيير الآراء جذريًا.
وبالطبع، تتمتع وسائل الإعلام بالإضافة إلى سرد الأحداث على منصات التواصل الاجتماعي، بالقدرة على التأثير على جماهير واسعة، وتوليد ردود الفعل، والتميز عن المنافسين الرقميين. يعتمد التسويق السياسي أيضًا، على وسائل التواصل الاجتماعي لتحسين رؤية الرأي العام واستهداف جمهور الناخبين بدقة.
علي سبيل المثال: ان التركيبة السكانية، والجغرافيا، والاهتمامات، والتوجهات تتيح للسياسيين تكييف خطاباتهم مع اهتمامات المجتمع، وبناء تواصل مباشر مع مستخدمي الإنترنت. كما ان البث المباشر لمستخدمي الإنترنت، يساهم في التفاعل مع المحتوى بشكل يومي وبسهولة. يحدث كل شيء آنيًا لجمهور افتراضي كبير، ويمكن بناء علاقات خاصة. ووفقًا لمبدأ علم النفس الاجتماعي، يميل الناس إلى تبني سلوك أو وجهة نظر الأغلبية.
يُحلل عالم الأنثروبولوجيا وعالم السيكولوجية الاجتماعية الفرنسي لوبون (1895)، آليات الحشود والتحول المعدي للأفراد باعتباره تضحية بمصالحهم الشخصية لصالح الجماعة. وهذا السلوك يتعارض مع الطبيعة البشرية. يرى لوبون أن: "الحشود كائنات مؤقتة، تتكون من عناصر غير متجانسة، بمجرد اتحادها، تُظهر خصائص جديدة ومختلفة".
في الحشود، يفقد الأفراد هويتهم، ومعتقداتهم، وشعورهم بالتماسك. يُنوَّم الناس مغناطيسيًا ويدخلون في حالة من الوعي المتغير يسمى "الغيبوبة". يمكن أن يخضع الحشد للتنويم المغناطيسي الجماعي، وذلك من خلال اندماج المشاعر المشتركة. بمجرد التركيز على الشيء، يحدث انتقال لا واعي للمشاعر من شخص لآخر، ثم من مجموعة لأخرى حتى تصل إلى الحشد بأكمله.
وفقًا لنظرية هاتفيلد وكاتسيوبو،(1993) حول العدوى العاطفية: "تنتقل المشاعر من شخص لآخر، عن طريق تقليد الإشارات غير اللفظية (تعابير الوجه، وضعية الجسم، نبرة الصوت) وتفسيرها. تحدث هذه العملية، التي غالبًا ما تكون لا واعية، على مرحلتين: تقليد السلوكيات العاطفية للآخرين، يليه تعديل تجاربنا العاطفية وفقًا لهذه الإشارات المُقلدة" (إي. هاتفيلد وجي. كاسيوبو، 1993. العدوى العاطفية).
عندما يكون الشخص في مزاج سعيد أو مكتئب، فإنه ينقل ذلك أيضًا إلى من حوله. كما ان التحدث إلى شخص مكتئب قد يُشعرنا بالاكتئاب أيضًا، بينما التحدث إلى شخص سعيد وواثق من نفسه، يساعد على التحفيز وربما الي مزيد من الاجتهاد في العمل. كما تعد منصات يوتيوب، وفيسبوك، وإنستغرام، وغيرها، أدوات فعّالة تُمكّن من إشراك المجتمعات، وتسويق المنتجات بشكل ممتاز، وإنشاء محتوى يجذب جمهورًا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي.
640 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع