الفهم الخاطئ لطبيعة الفكر الفلسفي

الاستاذ الدكتور : نزار الربيعي

الفهم الخاطئ لطبيعة الفكر الفلسفي

ان انفصال العلوم عن الفلسفة الأم تعبر اليوم لاشك في أن الفلسفة اليوم تختلف عن العلوم من وجوه عدة وذلك بعد ان اتسعت المعارف الإنسانية، وأصبحت العلوم تنطوي على قدر هائل من المعلومات التي يصعب على أي نظام فكري واحد أن يستوعبه، انشقت العلوم عن الفلسفة واحدا تلو الآخر، ومازال بعضها يجاهد حتى ألان لتأكيد استقلاله عنها مثل علم النفس وعلم الاجتماع، وهكذا أصبحت الفلسفة منصبه على التأمل في مشكلات لا يمكن إخضاعها للفحص العلمي.
ولما كانت العلوم ونتائجها تتصل بواقع الإنسان اتصالا مباشرا، وتؤثر في حياته تأثيرا بالغا محسوسا واعتقدوا أن هذه العلوم هي الكفيلة بحل كل مشكلات الإنسان المادية وتفسير العالم والحياة بكل ما يرتبط بهما من مشكلات، وبذلك بدت الفلسفة بعيدة عن الواقع بهذا المعنى، وترفا عقليا لا ينبغي أن يباح في عالمنا المعاصر.
ان الفلسفة إلى العصر المعاصر كانت ليست مهنة يمتهن بها الإنسان فقد كانت عملا مباحا فلم يكن هناك فلاسفة متخصصون، بل كانت هواية تمارس بجانب المهنة التي يمتهنها الفيلسوف، وعلى سبيل المثال، كان سقراط (469 - 399ق.م) كان يعمل نحاتا، وكان الكندي (185-256هـ / 805-873م) طبيبا 370 والفارابي (260-339هـ / 874-950م) طبيبا ومنجما وابن سينا( 427هـ / 1037م) وابن رشد 520-595هـ / 1126-1198م) قاضيا وطبيبا ، وفي القرن الماضي وبالأخص العقد الثاني والعقد الثالث أصبح الفلسفة مهنة يشغلها بشكل مقصود ومتعمد فلاسفة محترفون
هذا قد يكون من أهم العوامل التي تساعد على وجود هذا الفهم الخاطئ لطبيعة الفكر الفلسفي، لأن الفلسفة لم تكن منعزلة عن حياة الإنسان ومشكلاته الاجتماعية والسياسية، ولا يبدأ الفيلسوف تفكيره من الفراغ، بل يعيش مجتمعًا بكل إبعاده ويحاول أن يقدم تفسيرًا عقليًا بطريقة مشاكل الحياة. ومن هنا، فإن البحث الفلسفي ضروري لكل محاولة علمية لفهم الظواهر التربوية، ولهذا كان من البديهي ان نسلط الضوء على توضيح الفلسفة .
ونشوء الفلسفه هي منذ خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان كائناً مفكراً، وزوده بالطاقات والقوى والأعضاء المساعدة التي تمكنه من التفكير وتحصيل المعرفة. وبهذا استخدم الإنسان تفكيره منذ ظهوره على سطح الأرض، إلا أن هذا التفكير مر بمراحل ووسائل عديدة ومتنوعة منها ما هو سوي ومنها ما هو غير ذلك.
فبعض أنماط هذا التفكير كانت أولية بسيطة من نسيج الخيال الساذج، وبعضها كان يُرجع حدوث الظواهر إلى أسباب مادية، في حين راح تفكير آخر يفترض وجود قوى وأفكار مجردة تفسر نظام الكون.
لقد وجدت الفلسفة مع وجود الإنسان فكانت المستودع الذي وضع فيه خبراته، والفكر الإنساني لا يستطيع الاستغناء عن الفكر الفلسفي اطلاقا من انه صناعة باطلة لا قيمة لها من وجهة نظر خصومه بل انه محاولة للوصول إلى الحقيقة.
ومن المؤكد ان الشرق القديم سبق اليونان في الكثير من العلوم، من رياضيات وميكانيكا وكيمياء، ومن علوم نظرية في الإلوهية والبعث، والخير والشر، وان الكثير من فلاسفة اليونان كطاليس وفيثاغورس ودمقريطس وحتى أفلاطون زاروا بلاد الشرق العراق ومصر ونهلوا من علومه وثقافته، ومعظم مؤرخي الفلسفة متفقون على أن الفلسفة اليونانية نتاج عبقري أصيل في التماسها المعرفة لذاتها، بمعنى ان العقل يتجه إلى كشف الحقيقة بباعث من اللذة العقلية، في حين التمس الشرق القديم المعرفة لسد حاجة عملية وإشباع عقائد دينية، وإلى هذين المرجعين ترجع معلوماته التجريبية وتأملاته العقلية
كانت الفلسفة القديمة إذا بحثت عن ما وراء الطبيعة من طبائع الأشياء وحقائق الموجودات لمعرفة أسباب الحوادث الأولى وغاياتها البعيدة المتجاوزة المحسوسة إلى أن جاءت الحركات التجريبية والوضعية والواقعية في الفلسفة التي ضاقت بالتفكير الميتافيزيقي، ونزعت إلى الفكر الذي يعتمد على مناهج البحث التجريبي والبحث في ما يمكن الاطلاع إليه بالحواس، وما يمكن معرفته في الوجود، فلم تعد الفلسفة منشغلة بالبحث عن ماهية الوجود وما بعد الطبيعة، بل لتصبح تستهدف الشق المعرفي إمكان المعرفة ووجودها وإيجادها، كما لتصبح تركز وبصورة أكثر من الماضي على موضوع الأخلاق وخاصة في عصر المعلوماتية من أجل ضمان حسن تطبيق التكنولوجيا وتقليل أضرارها مما فتح المجال لتوثيق علاقة ما بين الفلسفة والأخلاق في ما يسمى بالفلسفة الأخلاقية.
ونظرا لغياب العلم والتفسيرات العلمية قديما فقد اخترعت الأساطير، مما يؤكد وجود التفكير الفلسفي منذ أقدم العصور، والذي كان يهدف إلى تفسير الوجود تفسيرا شاملا منسقا وكيف يجب أن نفكر منطقيا بمشكلة المعرفة .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1053 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع