مصطفى محمد غريب
أكاذيب الانتصارات
لطالما سمعنا وقرأنا جملة " التاريخ يعيد نفسه " وهو ايضاً أحد الامثال الإنكليزية الرائجة (History repeats itself)) ولكن ليس العودة كنص متكامل او حدث التشبيه المطلق وانما والحقيقة تتطابق نسبياً ما بين الحاضر والماضي فتكرار قضايا الحروب تدل على ان التاريخ اعادها ولكن بنوعية وطرق اخرى، لكن جوهر الحرب يتشابه في الواقعة والتاريخ وكلمة التاريخ يُذكر بالمأساة والنتائج الوخيمة والتفسير او الإعلان المخادع ذو الهدف السياسي الذي يضحك على ذقون الجماهير في البلد او البلدان المعينة التي تحاول تحويل هزيمتها الى انتصارات مزعومة، هذه الجملة ايضاً جعلتنا نعود لحكم البعث العراقي من خطب وادعاءات صدام حسين او ادعاءات وخطب الملالي في ايران، حول كلمة " انتصرنا " لقد عانى الملايين من المواطنين في كِلا البلدين من هذه الادعاءات والكذب المفضوح وسخريتهم وهم يرون بأم اعينهم الخسائر البشرية الكبيرة وما أصاب الاقتصاد من فواجع وتدهور في كافة المجالات والتدمير المنقطع للبنى التحتية، اما اذا دققت في الأوضاع الاجتماعية وما خلفته الحروب من آفات اجتماعية لأيقنت الكذبة او الادعاء " بالانتصار" ما هو إلا تزوير من قبل مطلقيها وبخاصة الحكام المسؤولين ، وما زال صوت صدام يدق كناقوس قديم " انتصرنا " والعراق مقسم الى ثلاث اقسام "منع تحليق الطيران الحربي خط ( 36 الشمال الى خط 33 الجنوب قرب حدود بغداد، اما العاصمة بغداد فهي تحت يد صدام حسين وبطانيته يصرخون ليل نهار " انتصرنا"، أما حكام ايران وبعد توقيع السيد الخميني وخطابه المعروف في ( 19 / تموز / 1988 ) الذي وافق على قرار" 589 " الصادر عن مجلس الأمن بعدما كان متعنتاً رافضاً وكثيراً ما أشار انه سيقاتل حتى الانتصار لكن الانتصار انقلب الى تلك الكلمات والجمل الحزينة " تباً لي والذي بقيت حتى هذه اللحظة وشربت كأس السم بقبول القرار واني اشعر بالخجل" لكن كل ذلك الخجل والعار انقلب الى الانتصار والكرامة والشعب الإيراني كان الضحية فهو الي دفع ضريبة الدم من أبنائه.
ــــ وكما يقال " رباط الكلام " لماذا عدنا الى الماضي ونحن في وضع بعيد زمنياً وبخاصة تكرار حديث الحرب مع إيران ونتائج تلك الكارثة المأساوية على الشعبين العراقي والإيراني.
الحرب بين إسرائيل وإيران وما خلفته من نتائج كارثية وما خلفته من دمار وقتل الابرياء والخسائر المادية التي تبلغ عشرات المليارات من الدولارات وتدمير المطارات والمستشفيات والمعاهد التعليمية وروض الأطفال وافران الخبز والاحياء السكنية والمؤسسات المهمة بما فيها المنشآت النووية الايرانية الثلاثة ...الخ وماذا نجد ؟ الصراخ بالانتصار الكاذب فنتن ياهو يتبجح بالانتصار ويدعي انهم حققوا أهدافهم الشريرة فيقول " الانتصار في إيران يفتح الباب لتوسيع اتفاقيات السلام، إطلاق سراح الأسرى، وحسم المعركة مع حماس".وحكام ايران وفي مقدمتهم السيد خامنئي يعلنون الانتصار ومن على منصة إكس يسجل السيد خامنئي " اهنئكم على النصر على إسرائيل"، بينما الرئيس الأمريكي ترامب يفند الادعاءات حول انتصاراتهم الهلامية التي اطلقت، بانه أي ترامب اصدر الأمر بوقف اطلاق النار فانصاع الاثنان إسرائيل وايران ، ثم بعد ذلك ادعى ترامب حول صواريخ قطر" اود ان اشكر ايران على ابلاغنا مبكراً مما سمح بعدم ازهاق ارواح او إصابة احد، اثنا عشر يوما من الطائرات الحربية والصواريخ الباليستية وشعوب ودول المنطقة وكذلك الكثير من شعوب ودول العالم مشدودة وقلقة خوفاً من امتداد الحرب لتشمل المنطقة ثم العالم إلا أن باطن الأمور أظهر بأنه مخطط" زمنياً وكذلك النتائج" فوقفت الحرب بين مصدق ومكذب بمجرد أن طارت الطائرات الامريكية منفذةً وعد ترامب وقصفت المنشآت النووية الإيرانية وحسب الادعاء الأمريكي ان البرنامج الإيراني للطاقة النووية انتهى، وانتهى الخطر ولملم الموضوع خلال ساعات واعلن ترامب وقف اطلاق النار، إلا ان غزة المدمرة بقت تحت نيران إسرائيل واسلحتها الامريكية لأنها اخطر من صواريخ ايران.
أي انتصارات هذه ؟ واي مسرحية كوميدية للضحك على عقول الملايين والملايين المغيبين؟ ما الهدف من الكذب الفاضح للحكام وعدم الاعتراف بالحقيقة وهل هناك النية ؟ لإشعال حروب اخرى عفواً " مسرحيات قصيرة" ولهذا ان كلمة الانتصار مطلوبة لوجستياً لتلبية متطلبات للوصول الى اهداف مخطط لها.
الهجوم الإسرائيلي وما لحق من خسائر في الجانب الإيراني ومقرات الحرس الثوري وقتل قيادات بارزة وعلماء نوويين ثم ما لحق بالجانب الإسرائيلي من خسائر مادية وبشرية فقد نجحا الاثنان بطريقة خادعة توظيف قرار الرئيس الأمريكي ترامب وقف اطلاق النار كانه " انتصار نوعي" يمثل القدرة الواهية، فايران اعتبرت بقاء النظام وعدم سقوطه انتصاراً نوعي وإسرائيل اعتبرت القصف الأمريكي لثلاث منشآت نووية إيرانية " فوردو ، نطنز ، واصفهان"وهي التي تضم الكثير من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، إضافة الى مفاعلات ومصانع لإنتاج الوقود النووي، انتصاراً نوعي ، مع العلم ان معنى الانتصار بعيد كل البعد عن الاثنين وانسب تسمية يكون بالمثل الشعبي، "تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي، وسوف نبقى نسمع الصراخ بالانتصار ونضحك منه وستبقى التهديدات من الطرفين تقلق الشعوب وبخاصة منطقة الشرق الأوسط !..
710 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع