عائشة سلطان
البقاء للأقوى أم للأصلح؟
يقال إن واحداً من الأخطاء المتداولة منذ زمن في عالم الترجمة هو ترجمة عبارة (Survival is for the fittest) إلى (البقاء للأقوى) بدلاً من (البقاء للأصلح)، فهل الترجمة على ما هي عليه خاطئة أم أن هناك مفهوماً مختلفاً للبقاء مضمراً في العبارة مختلفاً عما يفهمه معظمنا وفق نظرية السياقات الاجتماعية والوظيفية؟
فالقصد في العبارة لا ينصب على مفهوم البقاء الأخلاقي أو السياسي أو الوظيفي في الحياة، وإنما على البقاء والصمود البيولوجي كنوع لديه قدرة التأقلم وقوة الإرادة للاستمرار بعيداً عن الصلاح والرشد في حد ذاته.. إلخ! وعليه فالترجمة بهذا المعنى لا تبدو لي خاطئة.
إن الشخص الأقوى والأنسب والأصلح للمكان أو المركز أو للوظيفة أو العيش، لا يمكنه أن يستمر فيها ما لم يكن قوياً، بمعنى مطلق (أي أنه قوي بأدواته وبامتلاكه للمؤهلات العلمية والعقلية والقدرات الجسدية والمالية.. إلخ)، ما عدا ذلك لن يستطيع أن يستمر حتى وإن كان صالحاً وطيباً وذا ذكاء وإمكانات علمية فقط، لا بدّ من تكامل مبدأ القوة، فالحياة تحتاج الكثير لتسمح لك بالبقاء واقفاً!
هذا ليس تغليباً لمنطق القوة والهمجية والتسلط و.. إلخ، كما يحب البعض أن يفهم، ولكن لأن الصراعات التي تحدث في مناطق الصراع على البقاء (المؤسسات، النفوذ، المال، السلطة..) لا تقل توحشاً وشبهاً عن عالم الغابة، الكل ينتظر أن يعرف نقطة ضعفك ليهجم عليك ويقضي عليك من خلالها ما لم تكن مستعداً، يقظاً، قادراً على الرد والدفاع عن منجزك ومكانك وهذا من القوة كذلك، أما الاستسلام وادعاء الطيبة والصلاح فمعروف نهايته!
عندما ترجمت العبارة كان القصد منها الإشارة للقدرة البيولوجية على مقاومة تحديات الموت والفناء، وهي التحديات التي أفنت الديناصورات وأدّت لانقراضها، بينما لم ينقرض النمل والبعوض وديدان الأرض والجراثيم، فأيهما أقوى وأيهما أنسب وأصلح؟ أصلح بمعنى القدرة على اختراع واكتشاف أساليب البقاء والتأقلم. وليس الصلاح في حد ذاته!
830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع