مدخل إلى عالم السهل الممتنع

احمد عبدالله

مدخل إلى عالم السهل الممتنع

لطالما وجد الخطاط نفسه أمام سيلٍ من الأسئلة حول فنه، لكن أكثرها شيوعًا هو: كيف أتعلم الخط العربي؟ .

يختلف هذا السؤال جذريًا عن سؤالٍ آخر قد يبدو قريبًا منه: كيف أجعل خطي جميلاً؟، فالأول يمثل بوابة إلى عالم عميق تتداخل فيه المهارة بالفكر، بينما يبقى الثاني في إطار الحاجة الوظيفية لأولئك الذين ما زالت الكتابة جزءًا من مهامهم اليومية.
وهنا، يواجه الخطاط معضلة: كيف يُجيب دون أن يُثقل كاهل السائل بحقيقة قد تفوق توقعاته؟ فيلجأ إلى إجابات مختصرة مثل: "الخط يُتعلم عبر الأستاذ"، أو "أساسه التمرين والصبر"، أو "الأدوات ضرورية"، وكأنه بذلك يمنح السائل مفتاحًا دون أن يكشف له عن حجم الباب الذي عليه أن يجتازه. وما إن يبدأ الهاوي رحلته حتى يُفاجأ بأنه لم يدخل الى حبر ودواة، بل عالمًا قائمًا بذاته، عميقًا ومتفرعًا، يوازي في تعقيده وتاريخه سائر العلوم الإنسانية، ويكتشف أن ما بدا له ليس مجرد منحنيات يجب اتقانها بل هو في الواقع نظام فكري وجمالي له امتداداته الفلسفية والثقافية.
لكن ما ينتظره خلف هذا الباب أكثر تعقيدًا؛ فبعد أن يجتاز المرحلة الأولى من التعلم، يجد نفسه أمام برزخ يفصل بين الهواية والاحتراف، حيث يبدأ باستكشاف روحانية هذا الفن، لا بوصفه مهارة يدوية، بل تجربةً تتطلب إعادة تشكيل الذات بما يتلاءم مع منحنيات الحروف وتراكيبها. هنا، يتحول الخطاط إلى ناسكٍ في معبد الحرف، يتأمل في التفاصيل، يدرس العلاقات بين الأشكال، ويكتشف أن كل انحناءة، كل امتداد، يحمل بُعدًا فلسفيًا يتجاوز حدود الجمال الظاهري.
ومن هنا، ندرك أن الخطاطين، منذ تطور هذا الفن حتى يومنا هذا، لم يكونوا مجرد ناقلين لمهارةٍ بصرية، بل كانوا روّادًا في بناء عالم موازٍ، يطورونه لا لمجرد نشره، بل لإثرائه وتوسيعه. فالخط العربي ليس مجرد أداة تواصل، بل هو هوية وجودية تتجاوز الانتماءات والحدود، كيان مستقل، حيث يصبح الحرف امتدادًا للفكر، لا مجرد شكله.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1153 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك