يا دار العز بِيج صليوه

                                       

                      عبد القادر ابو عيسى

صحى مجبل كعادته مثل كل يوم أسوة بباقي المخلوقات التي تعيش في المحيط الذي يعيش فيه ( الهور الواسع ) المليئ بالقصب والبردي .

 

عند اول تباشير الصباح .صوت حركة الماء تسمع بوضوح نتيجة حركة متواترة من الطيور والضفادع والاسماك أصوات طيور مألوفة , صوت ديك هنا وصوت طائر( الططوة ) العالي معلنة عن نهار جديد وكأنها مكلفة بأيقاض الجميع من بشر وغير بشر .

     

وطائر ( البرهان ) الجميل يحوم بقرب ( الصريفة ) التي يسكنها مجبل عله يحضى بكسرة خبز من فضلات طعام وصوت ثور جاموس يحدث جلببة عند دخوله الماء محدثاً امواج مد وانتثار ماء خارقاً السكون المحيط في المكان . ورائحة خبز تنور تثير الشهية وعلى الحافة قرب الشختور المربوط بمجموعة من القصب يقف عليها عصفور( الحمّر) يزقزق بفرح رافعاً وخافضاً ذيله يقف على قصبة طويلة أطول من قريناتها تتباهى بطولها وزهرتها التي تشبه ذيل قطة تتمايل يحركها نسيم خفيف مثل تمايل فتاة جميلة , وبمسافة ليست بعيدة مجموعة من دجاج الماء تسعى للبحث عن رزقها تتميز عنهن واحدة مع صغارها تتجنب الاختلاط مع البقية . طبيعة جميلة والكل يعرف ما يفعله , أتجه مجبل الى(شختوره ) فك رباطه تناول المردي دفع الزوق بأتجاه عمق الهور , سألته امه وزوجته ترنو اليها
يمه مجيبل أتأخر؟؟؟

– فرد عليها بكلمات مقتضبة – ما ادري يمكن
ردت امه عليه – جا خوش تكيّد يمه 

– ردمجبل – انشاله

الام والزوجة يعرفون مكان الصيد والناس التي تتواجدفيه كلهم من نفس ( السلف ) منطقة سكنهم تربطهم صلات قرابة .

  

يحمل في شختوره لوازم الصيد المعتادة نوعين من الشباك ( سلّية وكطعة ) وفالة وسكين صغيرة وقليل من الملح واحياناً كمية من الطحين اذا تطلب الامر المبيت لأكثر من يوم بالاضافة الى علبة كبريت وعدة ارغفة من الخبز وقليل من التمر يأكلها عندما يجوع ويشرب من ماء الهور . وبندقية صيد تسمى ( الميل ) يتم تحويرها في البصرة بأستبدال صبطانتها بواحدة اطول حتى يكون مداها ابعد , لأن طيور البط والتي يسمونها ( الخضيري او الطير الحر) والوز هذه الطيور تطير بمجرد شم رائحة البشر او مشاهدة اية حركة غير عادية لذا عند صيد هذه الطيور تأخذ بعضالأحترازات , يأتيها الصياد عكس اتجاه الريح ويتخفى بين نباتات القصب والبردي او يكمن في مكان يصنعه يسمى بـ ( النوجه) ..

     

وهناك طريقة أخرى لصيدها بالشبك حيث تنصب في منطقة معينة محددة تسمى ( البَركَه ) وتنثر في هذه البَركَة انواع من الحبوب ويستمر هذا الحال لمدة شهر على اقل تقدير حتى تألف الطيور المكان وبعدها يتم الصيد بسحب الشباك المنصوبة تحت الماء حيث تعلق ارجل الطيور فيها ومن ثم يتم جمعها .
 وصل مجبل الى منطقة صيد السمك منطقة مفتوحة خالية من القصب والبردي تتراء له خيالات بشر من وراء حواجز القصب الكثيف يسمعون صوت شختور يسير بأتجاههم يصيح أحدهم مستفسراً عن القادم

– ياهو هاذ ؟؟

– يرد مجبل – آنه مجبل -.

يحييهم ويأخذ مكانه , ينزل للماء لنشر شبكته يساعده احدهم ينشرها في مكانها المطلوب يتركها ويتجه الى مكان آخر يحمل الشبكة الأخرى ( السلية ) يرميها ويسحبها من على ضهره مرات متكرره وهو واقف على مؤخرة ( الشختور ) يصيد بعض الاسماك الصغيرة .يبقى على هذا الحال مع اقرانه لغروب الشمس , يسحب الجميع شباكهم فرحين بما حَوت من خير وبعضهم يحمّل شختوره ببعض القصب اليابس لأستعماله كوقود . أثناء عودته يمر بمنطقة مياه ضحلة يرى مجموعة من اسماك الكطان بالقرب من شختوره يتناول ( الفالة ) يرميها بالقرب من رأس الكطان الكبير تنغرس فيه يرفعها الى الاعلى يبتسم ضاحكاً بفرح محدثاً نفسه

– صيده مو علبال –

يضيفها الى السمك الذي اصطاده , الصيد بواسطة الفاله يعتبر افضل من الصيد بالشِباك ويهدى للشخص العزيز . وصل مسكنه عند غروب الشمس جاءت والدته وزوجته مسرعات مرحبات به

– هله يمه الله اجويك

– يرد مجبل عليها – ويجويج .

تقوم الأم والزوجة بتفريغ وعزل ما اصطاده من سمك لغرض بيعه الى تاجر السمك الذي يسمونه ( الصفاط ) يجلس مجبل داخل الصريفة على بساط تحته حصير كبير من القصب متكئاً على وسادة اصطوانية , يسمع صوت اطلاقات نارية يفهم منها ان احد ما يدعو الآخرين لوليمة عرس .

السكان يعرفون ان الدعوة فرح او وفاة من طريقة اطلاق النار فيتواجدون للمشاركة بالحدث .

سأل مجبل امه – ياهو المعرس؟؟؟ –

ردت الام – ابن عليوي صبار-

سألها – تجوون ويياي؟؟

– ردت – نِجي بدّل هدومك ونروح –
في هذه الاثناء يسمع صوت بالقرب من سكنه ينادي عليه – مجبل .. مجبل – ينهض يرد عليه – ياهو هاذ..؟؟

– آني استاذ فاروق – يرحب به – تِفَضل .. تِفَضل – خير انشاله - زاد فضلك أنروح للعرس – مسترسلا في كلامه

–هو ياهو لمعرس يرد مجبل صبار ابن عليوي تِبَشّر انروح .
يجلس استاذ فاروق بجانب مجبل , ترحب به الام يشكرها ويثني عليها وعلى اهتمامها به وعلى طعامها الطيب وخبز التنور الحار الذي تقدمه له ولزميله المعاون بدون مقابل لكون المدرسة قريبة منهم

– ترد الام على ثنائه بطيبتها المعهودة – جا يمه وين ترحون جايين من بعيد وتعلمون فروخنه وفوكاها ما نضيفكم الله وأكبر تكاطعت الوادم

– يرد استاذ فاروق – بارك الله بيكم ما تقصرون .

  

المدرسة عبارة عن صفين كبيرين من القصب يستخدمان للتدريس وكأدارة وسكن للمدير ومعاونه في نفس الوقت وهما من يقومان بتدريس الطلاب وادارة المدرسة هذا هو كل كادر المدرسة , وتوجد في المدرسة رحلات لجلوس الطلاب واحياناً يجلسون على ارض مفروشة بحصران مصنوعة من قصب الهور والبردي اذا زاد عدد الطلاب عن الحد المقرر.

هَمَ الجميع بالذهاب نادى مجبل على امه ان تتبعه وزوجتهِ وصلوا الى مكان العرس سلّموا على والد العريس و ولده وعلى الحاضرين والنساء دلفن الى مكان تواجد النساء بدأن بالزغاريد . جلس مجبل والاستاذ فاروق بين الحضور . جاء احد معارف مجبل المقربين وسلّم عليه وجلس بجانبهِ ودار حديث بينها واتفقا على ان يذهبا غداً الى مركز المحافظة لأنجاز بعض الامورالمهمة ومنها زيارة احد اقاربهم وتقديم التعزية له بمناسبة وفاة والدته , من عادة سكان هذه المناطق نادراً ما يذهبون الى مركز المحافضة الا للضرورة القصوى والسبب في ذلك بعد مناطقهم وصعوبة وسائط النقل وقربهم من القرى في الجانب الايراني التي يسمونها ( المجابلات) اي المقابلات للقرى العراقية فيفضلون ان يذهبوا بما يصطادونه من سمك ويبيعونه هناك ويتسوقون ما يحتاجونه وتربطهم بسكان هذه القرى علاقات تزاوج وعلاقات عشائرية وعاداتهم ولهجتهم ولغتهم العامية متشابهة تماماً مع سكان القرى العراقية بل هي نفسها تماماً ..

عند مطلع الفجر التقيا لابسين افضل ما لديهم من ملابس اتجها الى البر ومن هناك استقلا سيارة اجرة من السيارات التي تعمل بين البصرة وميسان وصلا مدينة العمارة اتجها الى دار قريبهما (عبد الواحد ) الساكن في منطقة ( الدبيسات ) حي من احياء مدينة العمارة مصطحبين معهم مجموعة من السمك وكيس لبن كبير وبعض قناني حليب الجاموس كهدية , مكثا عنده قليلا واستأذناه لقضاء بعض الامور بعد ان وعداه بالرجوع اليه والمبيت عنده , رجعا ظهراً متعبين بعد تجوالهما في مدينة العمارة واسواقها تناولا طعام الغذاء وشربا الشاي , طلب منهم مجبل اخذ قسط من الراحة ( قيلولة الضهيرة ) وعند العصر أستأذنهم عبد الواحد للذهاب الى دائرته التي يعمل فيها حارس ليلي موصياً ابنه جبار بالاهتمام بضيوفه ..

– بويه جبيير دير بالك على عمامك .

ذهب مجبل وسويلم الى سوق العمارة لشراء بعض الهدايا من قطع قماش وغيرها لعوائلهم , وعند الغروب اتفقا ان يمرا على بيت الشيخ المرحوم ( محمد لعريبي شيخ مشايخ البو محمد ) للسلام على اولاد الشيخ كونهم من مشايخهم , وكان المرحوم من ابرز شيوخ العمارة ونائب في البرلمان وله ( صيت ) مشهور على كل العراق , وصلا قصر الشيخ المعروف والواقع على الشارع الرئيس بين منطقة القادرية و مركز المحافظة اندهش سويلم لرأيته القصر فقال محدثاً مجبل - بويه هذا شلون غصر؟؟

– ردعليه مجبل – شلبالك مثل صرايفنه .
وقفا امام الباب الذي كان مفتوحاً على مصراعيه واناس يدخلون وآخرين يخرجون وبدون استأذان – أستغربا الحال وتبادلا نظرات الاستفهام هم مجبل بطرق الباب المفتوح والحيرة بادية عليه , ناداهم احد الاشخاص من داخل الدار – تفضل عمي – نظرا الى بعضهما ودخلا الدار وجلين مترددين وقفا في باحة الدار شاهدوا عدد من المناضد منصوبة تحيط بها الكراسي واناس جالسين حولها وعليها انواع مختلفة  من القناني والاقداح والصحون الصغيرة وروائح مختلفة لم يعتادوها فهما منها انها مشروبات كحولية – شاهدا نادلا يدور على الجالسين حاملا صينية كبيرة فيها صحون صغيرة ( مزّه ) ملبياً طلباتهم , بادره مجبل أكِلّك بويه –ألتفت اليه النادل ليفهم منه مايريد هم مجبل بالحديث , جاء صوت من بعيد موجه للنادل

     

– ابو صباح نص ربع عرك عوازه وماعون لبلبي

– رد النادل – صار عمي

– وقطع حديثه معهم متجاهلهم تركهم واتجه صوب المنادي مما زاد من حيرتهم واندهاشهم , سويلم مخاطباً مجبل – أمشينه بويه الوادم عدهم عزيمه وأحنه عيب ما معزومين – رد مجبل – تَريث بوية أشمالك خلي نسال ونسلّم ونروح وأحنه جايين جايين أصبر شوي – في هذه الاثناء وقعت عين مجبل على غرفة صغيرة من زجاج جالسين فيها عدد من الاشخاص اتجه اليها مجبل يتبعه سويلم سلّموا على الموجودين بادرهم احد الحاضرين – تفضلو – رد مجبل – ايزيد فضلك – مسترسل في كلامه عمي احنه جايين انسلم على ولد المحفوض ونمشي أحد منهم موجود .؟ ,

افتهم الحاضرين الموضوع فطلب محدثهم ان يجلسوا وطلب من احد الجالسين ان يجلب لهم ماء يشربونه قائلا لهم – جايين من مكان بعيد ومن زمان ما مارين على هذا المكان – رد سويلم من سنين طويله شنو عدكم عرس لو عزيمه ؟؟

– رد محدثهم لاهاذا ولا ذاك ورثة الشيخ أجّرو هذا المكان الى نقابة ,,,,,, . وهذا التشوفه مشرب...

– رد مجبل والنار تفور في قلبه غير مصدق ما يسمع وكأن ذلك كابوس وليس حقيقة  ..

ـ جا وين كامل وين عبود وين شدود ولد الكوشة أخوة باشة .. ويقصد بهم اولاد الشيخ محمد لعريبي – مشرب عرك يا طركاعة السوده دار العز هاي تاليه؟؟؟

واردف مجبل قائلا ... منو صاحب المشرب ؟؟..

رد عليه المتحدث .. آني صليوه أبو فادي أستريحو عمي أنضيفكم ..

خرجا مصدومين ودمعة نزلت من طارف عين مجبل .. قائلا بصوت متهدج – انعل ابوهه للدنيا لابو هيج وكت ..

توسطا باحة الدار وقفا بين الجالسين وصدح مجبل باعلى صوته والألم يعصر قلبه طاوياً عبائته في يده رافعاً اياها الى الأعلى وأخذ يهزج ( يا دار العز بيج صليوه – يادار العز بيج صليوه )..

عرف بعض الحاضرين الموقف والبعض الآخر تصوروا أنه سكران فأخذ بعض المنتشين يضربون على مناضدهم مرددين وراء مجبل( يا دار العز بيج صليوه )...

خرجا مجبل وسويلم مقهورين محبطين يملئهم الالم والحسرة . تبعهم احد الجالسين بعد ان فهم الموضوع نادى عليهم يا اجاويد أضيّفكم بداري الدنيا ليل وين رايحين ؟؟

– ردو عليه عدنه ابن عم رايحيله -  دارك معموره من أي عمام..

ردعليهم – سواعد بتران

– والنعم منكم ولد شيخ محمد ابو ( التريكات )..

وكان الشيخ محمد احد شيوخ السواعد قد رفع عمود أمام مضيفه طوله عشرة امتار رافعاً عليه أربع ( لوكسات ) يضيئها ليلاً كي يراها الضيف ويهتدي بها الى المضيف وكان يقدم للضيوف ثلاث وجبات طعام من خبز وأرز ولحم.. والسواعد يتفاخرون بهذا الشيخ الكريم الى الآن .. رد عليهم نعمة حالكم بالسلامة وعاد راجعاً .

وصلا الى دار عبد الواحد وجوههم مكفهرة يعلوها الوجوم والحزن , تفاجئ جبار ابن عبد الواحد برؤيتهم على هذا الحال ..

خير موش عله بعضكم خُلكّم ضييج اتبينون!!

– قصّوا عليه القصة معاتبين اياه على عدم اخباره لاهو ولا والده , رد عليهم جبار .. عمي وهاي سالفه أتتسولف دَنخبّركم بيههَ سايم عليكم العباس لا تطروها بسلفكم ........ / القصة حقيقية
من يومها انتشرت في مدينة العمارة ( وذهبت مثلاً في أغلب أرجاء العراق )
 شكراً لتفظلكم قرائة القصة
عبد القادر أبو عيسى / 5 / 10 / 2013
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1053 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع