فؤاد عجمي
لقد أحسنت مطبوعة الأونلاين «بوليتيكو» التعبير عندما كتبت «عثّر باراك أوباما بسوريا فسقط على إيران».
حظه كبير هذا الأوباما. ذلك الحظ الذي حمله لدخول مجلس الشيوخ الأميركي. ثم جعله يتغلب على بلادة حملة هيلاري كلينتون خلال حملة الانتخابات الرئاسية؛ إذ خسرت أمامه ترشيح الحزب الديمقراطي على الرغم من فوزها عملياً بأصوات كل الولايات المهمة، في حين خدمت أوباما ثغرات النظام الانتخابي ليكسب أصوات تجمعات انتخابية في ولايات مثل مونتانا وآيداهو. كذلك خدمه الإعصار «كاترينا» الذي هز أميركا في سبتمبر (أيلول) 2008 ودمّر فرص حملة منافسه الرئاسي جون ماكين.
ذلك الحظ خدمه أيضاً في الأزمة السورية.
لقد عرّض أوباما هيبة سلطته للسخرية، ومثلها سمعة أميركا في العالم، عندما هدّد بعواقب خطيرة للديكتاتورية السورية عقاباً لها على استخدامها السلاح الكيماوي، غير أنه لم يلبث أن تراجع واقترح تصويتاً في مجلسي الكونغرس على التحرك العسكري ضد سوريا.
ومجدداً خدم الحظ أوباما في الوقت المناسب، إذ ما أن لاح أنه سيخسر التصويت المقترح في الكونغرس، جاءه الخلاص على شكل اقتراح روسي طرحه فلاديمير بوتين يقوم على تخلّي النظام السوري عن ترسانته الكيماوية.
المشكلة مع الاقتراح الروسي أنه عائب، لأن الضمانة الوحيدة فيه تكمن في توفير متنفس لنظام بشار الأسد. فجأة أتاح هذا الاقتراح للأسد فرصة الإفلات من العقاب. غدت نسياً منسياً جرائم الحرب المستمرة لنحو ثلاث سنوات، وتحوّلت جرائم يوم واحد فقط هو 21 أغسطس (آب) عندنا استخدمت قوات بشار الأسد السلاح الكيماوي في هجوم استهدف غوطة دمشق النقطة المركزية للدبلوماسية الروسية - الأميركية. وهكذا صار الرئيس السوري، الطاغية الذي ارتكب الفظائع بحق شعبه، ودمّر مدناً فخورة عريقة في القدم والحضارة، لاعباً دبلوماسياً محورياً. صار مطلوباً منه اليوم تقديم كشف بترسانته النووية وأن يكون أميناً في تعهده بتسليم الكشف إلى المفتشين الدوليين.
لقد كانت الانتفاضة السورية بحاجة إلى التعاطف والدعم، وحقاً صدّق قادتها ولو لبعض الوقت بأن النخوة والشهامة الأميركية قادمة لا محالة. بيد أن آمالهم تبخرت، ولم يغيّر أوباما عادته. لقد بذل أقصى جهده لتجاهل محنة سوريا ومعاناتها، ولم يبدل شيئاً في سياسته، بل لقد كان ممتناً لباب الهروب الذي فتحه له سيد الكرملين.
وسط كل هذا الارتباك، وانفضاح هذا التقاعس الأميركي، حل حسن روحاني ضيفاً على الأمم المتحدة في نيويورك.
الرئيس الإيراني المنتخب أرسله المرشد الأعلى، وقادة «الحرس الثوري»، لعقد صفقة مع رئيس أميركي يتوسل خرقاً يستطيع وصفه بإنجاز في سياسته الخارجية. القيادة الإيرانية كانت واضحة في مطالبها. كانت تريد رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من دون المساس بمواصلتها تطوير قدراتها النووية.
روحاني، وكذلك المرشد الأعلى الذي أعطاه الإذن بالتحرك، كانا مقتنعين بأنهما في «بازار» للبيع والشراء. وكان تحرّق باراك أوباما لملاحقة روحاني والتقرّب منه نقطة مهمة لمصلحة الملالي الإيرانيين، الذين لم يقدموا أي تنازلات حقيقية. بل، على العكس، لقد ساعدوا بشار الأسد في قلب الوضع الميداني السوري لمصلحته ومع ذلك ها هم يتلقون وعوداً بأن يصبحوا شركاء في تحركات الدبلوماسية الدولية حيال سوريا. لقد كانوا مخلصين ومثابرين في دعمهم تابعهم
في دمشق، بينما كانت الدول الديمقراطية تتخلى عن قوات المعارضة وتتركها من دون قدرات تتيح لها الدفاع عن النفس.
لا عجب إذاً في أن يتكلّم حسن روحاني عن سوريا واصفاً إياها بـ«درة حضارية» بينما كان مقاتلو «الحرس الثوري» و«حزب الله» يمطرون ما تبقى من أرض سوريا المعذبة بالموت والدمار.
نعم كسب أوباما الماكر مجدداً. كان واثقاً من أنه قادر على إعادة عقارب الساعة لوأد الانتفاضة السورية من دون أن يكترث للتداعيات الكارثية المدمرة للحرب السورية على كل من لبنان والأردن والعراق وتركيا.
كان أوباما يراهن على أنه لن يواجه ضغوطاً من الداخل الأميركي للقيام بعملية إنقاذية في سوريا. ومن ثم فإنه طرح أمام الشعب الأميركي خياراً مضلاً زائفاً: التخلّي أو التورّط بحرب على الأرض. وذكّر الأميركيين تكراراً كم سئموا وأنهكوا من الحروب.
ولكن بعد هذا كله وقع «التسونامي» على هيئة إغلاق المرافق الحكومية. ما عاد أحد يتذكر اسم تلك الدولة المطلة على البحر المتوسط التي مزقتها الحرب لنحو ثلاث سنوات.
التحية لباراك أوباما، إنه «هوديني العصر»... ساحر الإخفاء. لقد جعل نفوذ المتجمع عبر العقود يختفي أمام جمهور غائب حاضر!
* موقع «ذي كارافان» - معهد هوفر - جامعة ستانفورد الأميركية
1486 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع