الديكتاتورية سبب في فقدان الهوية

د. يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
2025. .0228

الديكتاتورية سبب في فقدان الهوية

"إن انعدام الأمن في العالم ظاهرة مجتمعية يمكن أن تؤدي إلى العنف وعدم التسامح وفقدان الهوية والجنون. إن الحصول على عمل ومنزل أصبح في أيامنا هذه من ترف الحياة، لأن هذين العاملين يسمحان للإنسان بالحصول على أسرة مستقرة وجيران جيدين وظروف معيشية مستقرة دون خوف من المستقبل. عندما نعيش في عالم يعاني من انعدام الأمن السياسي والاقتصادي، تصبح مسألة الهوية الاجتماعية غير مؤكدة لأن السياسة الاقتصادية والهوية الاجتماعية مترابطتان. كل فرد يحدد هويته ويؤكدها من خلال انتمائه الاجتماعي والي المجموعة التي ينتمي إليها. ومن خلال المجموعة، يتعرف الفرد على نفسه ويشكل
هويته وذلك يؤثر في مواقفه وسلوكه.
لا يختار الأشخاص العيش بلا مأوى، وهناك أسباب مختلفة قد تجعلهم يعيشون حياة بدون استقرار، ومحفوفة بالتهدد مثل الفقر، وقلة العمل، والعنف العائلي، والكوارث المناخية، والإدمان، وخسارة الأسرة. العيش في حالة من الفقر أمر صعب للغاية. يعاني الأشخاص الذين لا يتوفر لهم سكن، من مشاكل صحية وجسدية وعقلية. ويكون متوسط العمر المتوقع لديهم أقل 47٪ من الأشخاص الذين يتوفر لديهم سكن مستقر.
في الواقع، يمثل السكن عاملاً محتملاً للتنمية الاقتصادية والإقليمية، لأنه مؤشر مهم يمكنه الكشف عن مدى تفاقم الأزمة الاقتصادية، والتكلفة الكبرى للمجتمع الاستهلاكي، وزيادة البطالة والشعور العام بانعدام الأمن الذي يولدها.
وفقًا للمجلد 36، العدد 3، الملحق 1، 2010: "من بين 36000 شخص تم سؤالهم في استطلاع "الصحة العقلية في عموم السكان"، فإن أكثر من 75% من الاشخاص يربطون مصطلحي الجنون والمرض العقلي بالسلوك العنيف والخطير. كما انهم يربطون مصطلح الاكتئاب بالحزن والعزلة والانتحار. إن الأشخاص الأصغر سنا وأصحاب المستويات الأعلى من التعليم والدخل، يصنفون السلوك العنيف في كثير من الأحيان على أنه مرض عقلي وليس جنون.
قد يكون معدل البطالة مرتبطا بشكل مباشر بعدم المساواة في الدخل، بسبب ان العاطلين عن العمل قد يكون لديهم قدرة محدودة على الوصول إلى الموارد، في حين أن أولئك الذين يعملون يكسبون دخلا أعلى بكثير. إن عدم المساواة في الدخل والفقر، يشكلان مشكلة متزايدة في جميع أنحاء العالم بسبب تأثيرها السلبي على مستوى التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي والثقافي، فضلاً عن ازدهار الأمم.
وفقا لنظرية المربع السحري لنيكولاس كالدور (1971)، فإن المؤشرات الأربعة التي تسمح بقياس أهداف السياسة الاقتصادية يمكن تلخيصها على النحو التالي: معدل النمو، ومعدل البطالة، ومعدل التضخم، والميزانية التجارية. تشكل هذه المتغيرات الرباعي للسياسة الاقتصادية للبلاد، مثل النمو الاقتصادي، والتشغيل، وإيرادات الميزانية من الواردات والصادرات، واستقرار الأسعار.
هل نفتقر إلى القيادية الاستراتيجية والفعالة عالميا؟
تلعب القيادية الجيدة دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية، وازدهار الأمم. كتب جون كالفن ماكسويل (2022)، مؤلف وقس أمريكي العديد من الكتب التي تركز على القيادية. كما طور 5 مستويات من القيادة كمعايير لرفع "مستوى اللعب" من حيث القيادة: المستوى الأول: المنصب - تتطلب القيادة الأصالة والولاء والثقة والرؤية المشتركة.
المستوى الثاني: الإذن – التطوير المستمر مع فريق العمل وتبادل المعلومات والتعرف على الأخطاء وتصويبها حتى الوصول إلى الأمر الأول.
المستوى 3: الإنتاج والنتائج - يمثل التطور والاعتراف، والرؤية المشتركة، والدافع للجميع
المستوى الرابع: تنمية الموارد البشرية - الشفافية وتقاسم المسؤوليات حسب التخصص، وعملية صنع القرار لصالح الجميع، المستوى الخامس: القمة (الذروة) – الاستثمار في الإرشاد والتوجيه من أجل ظهور قادة جدد.
وقد أصبحت هذه المبادئ التوجيهية الآن معيارًا للعديد من المنظمات والشركات الدولية المتعددة الجنسيات.
قال ماكسويل: "القائد يعرف الطريق، ويمشي في الطريق، ويُظهر الطريق.
إن قوة القيادة هي، القدرة على التأثير وتحفيز الناس على التغيير، والنمو وتحقيق الأهداف المشتركة. يبدأ الأمر بالنمو وقيادة نفسك، ويمتد إلى مساعدة الآخرين في رحلتهم القيادية.
القيادة هي في الواقع القدرة الإدارية في فن الرؤية المشتركة، والدافع، والأداء، والتوجيه لأولئك الذين يعملون بوعي نحو قمة المعرفة. القادة هم أولئك الذين يشجعون تبادل المعرفة والعمل الجماعي، لتصميم المعرفة وانتقادها وتحسينها لتمكين تطوير الجودة.
القيادة غالبا ما تكون سمة مرتبطة بلقب الشخص، أو أقدميته، أو رتبته الهرمية. الأنماط القيادية الأربعة المعروفة والمستخدمة هي: الاستبدادية، والديمقراطية، وعدم التدخل، والأبوية. القيادة اليوم تقع في مكان ما بين الاستبداد والأبوية حيث يتمتع القائد بالسيطرة الكاملة تقريبًا، ويتخذ جميع القرارات.
لكن الأسوأ هو عندما يتم ارتكاب الأخطاء، حيث لا يتحمل القادة العواقب، ويلقون اللوم على من هم من حاشيتهم. على سبيل المثال، يوجد في الشرق الأوسط نوع من القيادة الأبوية وغالباً ما يطلق عليه الإدارة الاستبدادية، لأن القائد يتخذ القرارات بمفرده ويعتبر نفسه الضامن لجودة القواعد في البلاد. وبما أن قيم وثقافة الإدارة قوية، فإن هذه الصورة الأبوية نفسها يتم إعادة بنائها في العائلات، حيث يكون الأب هو الوحيد الذي يتخذ القرارات لعائلته نظراً لأن الرجل هو الوحيد الذي يملك السلطة. إن هذا الموقف نفسه الذي يتبناه صاحب السلطة يسعى إلى فرض الوصاية والسيطرة الأبوية على الشعب، فضلاً عن الحق في إدارة السياسة الاقتصادية للبلاد. وتسمى هذه المجتمعات بالمجتمعات المبنية على النسب حسب ما ذكره عالم الأنثروبولوجيا البريطاني إيفانز بريتشارد (1902) في دراسته للمجموعات العائلية التي يتمتع فيها الذكور بشرعية خاصة تجعلهم قادرين على حل النزاع.
بينما في المجتمعات التي تضم شخصيات كاريزمية مرموقة، تتمثل السلطة أحيانًا من خلال عدد قليل من الشخصيات المعترف بصفاتها الأخلاقية، أو سماتها المادية. ومع ذلك، فإن هذه الكرامة تبقى فردية، ولا تنتقل وراثيا.
كما ان في المجتمعات التي تتزعم القيادة، يمارس عدد قليل من الأفراد السلطة بالوراثة وذلك غير قابل للجدال، إلا أن مدى هذه السلطة يظل متغيرا.
وليس الوضع أفضل في الولايات المتحدة، فقد أثبتت الانتخابات الأميركية الأخيرة أن الدكتاتورية تعود بقوة، مع انتخاب الرئيس دونالد ترامب، الذي ألمح إلى أنه قد يسيء استخدام سلطته، إذا أعيد انتخابه للبيت الأبيض، خلال حملته الانتخابية في عام 2024.
وأعلن أن نظام العدالة والصحافة والجيش في خدمته فقط، كما هو الحال في الأنظمة الاستبدادية التي يعجب بها كثيرا.
نيكولا مكيا فيلي (1469-1527)، الفيلسوف والمنظر والسياسي الإيطالي، ومؤسس الحركة الواقعية في السياسة الدولية، كان موظفًا مدنيًا في جمهورية فلورنسا لمدة 14 عامًا. بعد ملاحظة آليات السلطة، أكد أن الزعيم الجيد: يجب أن نخافه بدلاً من أن نحبه "إذا لم نتمكن من تحقيق الاثنين" من أجل تجنب الثورة. كما يجب على القائد أن يحظى بدعم الشعب لأنه من الصعب التصرف بدون دعمهم. ويقول مكيا فيلي أيضًا: "هناك طريقتان للقتال، واحدة بالقوانين، والأخرى بالقوة. "الأول خاص بالبشر، والثاني مشترك بيننا وبين الحيوانات." "نحن نشن الحرب عندما نريد ذلك، وننهيها عندما نستطيع."
على سبيل المثال، نرى أن دول الشرق الأوسط تظهر نمطاً أبوياً من القيادة، وأسلوباً إدارياً ينظر فيه القائد إلى مرؤوسيه باعتبارهم جزءاً من عائلة كبيرة ممتدة. يعتمد أسلوب القيادة الأبوي على نهج أبوي في الإدارة. وقد أدت سياساتهم إلى ظهور تعريف اجتماعي جديد: تعريف علم الاجتماع الريفي والديني، لأن علم الاجتماع السياسي لهذه الأنظمة القمعية لا يستطيع أن يدعي أنه عالم مستقل. علاوة على ذلك، تعمل التفاوتات الكبيرة على تقويض استقرار البلاد بشكل متزايد، لأنها تعيق التقدم الاقتصادي وتضعف الحياة الديمقراطية. إن التنمية الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل، تقوض جهود الحد من الفقر وتدمر شعور الناس بالإنجاز واحترام الذات. ويؤدي هذا الوضع المهين، إلى تقويض جهود الحد من الفقر وتدمير شعور الناس بالإنجاز واحترام الذات. لا تزال الأمراض العقلية والجريمة تشكل تهديدًا للهياكل الاجتماعية. إن دول الشرق الأوسط تقع بين الاستبداد والدكتاتورية لأنها تحاول بكل الوسائل تعزيز سلطاتها في اتخاذ القرار، حتى لو اضطرت إلى إضعاف أو تفكيك مؤسسات الديمقراطية. وبهذه الحالة، يفرض القادة المستبدون تعليماتهم ويتوقعون أن يتم إتباعها. لا يطلبون النصيحة ولا يأخذون في الاعتبار تعاون مرؤوسيهم.
يعود تاريخ القيادة الاستبدادية إلى العصور القديمة.
كان يوليوس قيصر، أحد أشهر زعماء الإمبراطورية الرومانية، حاكمًا مستبدًا سعى إلى تعزيز سلطات اتخاذ القرار من خلال الحد من نفوذ أعضاء مجلس الشيوخ في الإمبراطورية. ومن بين الزعماء الاستبداديين المشهورين الآخرين نابليون بونابرت وجنكيز خان، اللذين تمتعا بالسيطرة المركزية على الجيش والحكومة.
القيادة هي القدرة على الشجاعة الأخلاقية، والقوة الأخلاقية والثقة؛ والوفاء بالوعود وتلبية التوقعات الموعودة. كما يتضح من الاتساق والتوافق والشفافية في القيم، والمعتقدات، والأفعال؛ ودمج القيم والمبادئ، لخلق حياة هادفة ومساهمة في نمو الآخرين..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1337 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع