الفقراء في أميركا

                                         

                         د. منار الشوربجي

لو أنك مسؤول كبير في بلد يمر بأزمة اقتصادية تزداد وطأتها بالضرورة على الفقراء أكثر من الأغنياء، ماذا تفعل للخروج من الأزمة؟ هل تبحث عن سبل لإنعاش الاقتصاد، أم تستدير للانقضاض على الأكثر ضعفا في المجتمع، فتقلص شبكة الأمن الاجتماعي التي تحمي الفقراء، لأن "الميزانية لا تسمح"؟

في تقديري، يبدو البديل الأول أكثر عقلانية وإنسانية معا. فالأحرى بك أن تسعى لإيجاد وظائف، بل ومشروعات جديدة كثيفة العمالة.. الخ، بدلا من المساس ببرامج حماية الفقراء فيزدادون فقرا وينزلق آخرون في فخ العوز والفقر، لكن العكس تماما يحدث في أميركا اليوم.

فبعدما مرت بكساد شديد، بدأ في 2007 وكان الأسوأ منذ ثلاثينات القرن العشرين، شهدت الولايات المتحدة مؤخرا بعض المؤشرات المحدودة وغير المستقرة للتحسن.

لكن الجمهوريين في الكونغرس كانت عينهم طوال الوقت على تقليص شبكة الأمن الاجتماعى، وكان من بينها واحد من أكثر برامج العناية بالفقراء نجاحا في التنفيذ، والمعروف شعبيا باسم برنامج "طوابع الطعام".

فالحكومة الفيدرالية، من خلال ذلك البرنامج، توزع على الفقراء "طوابع" يذهبون بها إلى متاجر المأكولات فيستبدلونها بالأطعمة، وتحصل المتاجر بدورها على الثمن من الحكومة. ولا يستطيع الفقير أن يحصل على ما يحلو له من طعام من المتجر، وإنما يحصل على الأنواع الواردة في القائمة التي تحددها الحكومة. ولطالما ساعد هذا البرنامج ملايين الأسر الفقيرة، وجنب أطفالها الجوع وسوء التغذية. لكن أعداد المنتفعين بالبرنامج ارتفعت للضعف في سنوات الكساد الأخير، وهو ما أثار الجمهوريين، ووجده بعضهم فرصة للقضاء التدريجي على البرنامج الذي يعادونه أصلا.

ومن هنا، وافقت الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب في 19 سبتمبر الماضي، على مشروع قانون يخفض تمويل البرنامج عبر التشدد في المعايير الواجب توافرها في المتقدم للانتفاع به، وحرمان الولايات من استثناء أحد ليحصل على طوابع الطعام أكثر من ثلاثة أشهر فقط.

والقانون صار يشترط لحصول الفقير على المزايا، أن يعمل لمدة 20 ساعة يوميا على الأقل بمجرد إتمام طفله عامه الأول. ولا يسمح، وفق معايير بعينها، للفقير بالبقاء مسجلا في البرنامج لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، كما يفرض القانون على الولايات إجراء اختبار مخدرات من أجل قبول المتقدمين للاستفادة بالبرنامج.

 أما مجلس الشيوخ، الذي يرفض تلك الشروط "القاسية"، فمشروعه ينص كما نص مشروع قانون مجلس النواب، على حظر الحصول على طوابع الطعام لأي شخص تمت إدانته في أية جريمة من قبل. ولا يزال المشروعان قيد الدراسة من المجلسين، للاتفاق على صيغة موحدة ترسل للرئيس للتوقيع عليها.

والجمهوريون يعادون برنامج طوابع الطعام أصلا، لأنهم يعتبرونه "يدلل الفقراء ويدفعهم للكسل والاعتماد على الحكومة، مما يجعلهم غير جادين في الحصول على عمل، فيظلون عالة على دافعي الضرائب". لكن الأرقام المعلنة مؤخرا، تعطي صورة تختلف مع موقف الجمهوريين.

فليس صحيحا أن كل المستفيدين من البرنامج عاطلون، فهناك فهناك 10% من الأسر العاملة تستفيد من برنامج طوابع الطعام، لأن أجورهم تجعلهم "فقراء" وفق المعايير الأميركية، والأوضاع الاقتصادية تشي بأن آخرين على وشك انطباق معايير البرنامج عليهم.

ففضلا عن أن أكثر من 46 مليونا يعيشون تحت خط الفقر في أميركا، فإن دخول الطبقة الوسطى انخفضت بنسبة 3.8% خلال الكساد الأخير، بل إن ثلث الأسر الأميركية العاملة (32%) لم تعد تتمكن من تلبية الكثير من احتياجاتها.

والحقيقة أن كلا من مشروعي النواب والشيوخ له تداعياته التي دفعت بكل الديمقراطيين للتصويت ضد مشروع مجلس النواب، وأدت ببعضهم للتصويت ضد مشروع مجلس الشيوخ. فالقانونان يستهدفان بقسوة الطبقات الأدنى، التي كانت الأزمة الاقتصادية أشد وطأة عليها.

فمشروع مجلس النواب يتجاهل أن ثلثي المستفيدين من برنامج طوابع الطعام، من الأطفال وكبار السن والعاجزين عن العمل، بل والمحاربين القدماء العاجزين أيضا.

وسيكون هؤلاء هم الأكثر تضررا من تقليص البرنامج، وخصوصا الأطفال. فهناك واحد من بين كل خمسة أطفال يعيش تحت خط الفقر في أميركا، وحرمانهم من الطعام سيزيد فقرهم تفاقما، بما يؤثر على تعليمهم وحياتهم الاجتماعية، ويورث الفقر لأجيال جديدة. واشتراط القانون عمل المستفيد يفترض أن الوظائف كثيرة ليس على الفقير إلا البحث عنها، وساعات العمل التي يشترطها تعني أن العمل المقصود هو عمل لبعض الوقت.

فإذا كانت العمالة الفقيرة التي تعمل كل الوقت لا تستطيع تلبية الحاجات الأساسية للأسرة، فما بالك بالذين يعملون بعض الوقت ويمكن طردهم في أية لحظة! باختصار، يعاقب القانون البالغين، فلا يتضرر سوى الأطفال.

أما النص الموجود في مشروعي المجلسين، والذي يحظر مزايا البرنامج مدى الحياة على أي متقدم تمت إدانته في جريمة حتى بعد انتهاء العقوبة بسنوات، فإنه يميز صراحة ضد الأميركيين من أصل إفريقي، الذين يعانون من ظلم النظام القضائي الجنائي، الأمر الذي يضر بأطفالهم ضررا بالغا، ويخلق حلقة مفرغة تجعل فقر الجماعة السوداء مزمنا.

والتمييز يطال حتى كبار السن منهم، الذين عاشوا زمن العنصرية وتمت إدانتهم في جرائم لا علاقة لهم بها أصلا.

المفارقة في ذلك كله، أن الجمهوريين الذين يصرون على خفض مزايا الفقراء، هم أنفسهم الذين قدموا في المشروع نفسه دعما مذهلا للمزارعين الأغنياء، يكلف الميزانية مليارات الدولارات. ولتلك المفارقة دلالة مهمة، ففقراء أميركا ليس لديهم لوبي قوي يدافع عن مصالحهم، مثل لوبي المزارعين الذي يلعب دورا بالغ الأهمية في تحديد السياسة الزراعية في الولايات المتحدة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1341 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع