مجزرة حماة ١٩٨٢.. جريمة العصر


أحمد العبداللّه

مجزرة حماة ١٩٨٢.. جريمة العصر

(لقد مهّدتُ لكم الطريق لحكم سوريا لمئتي عام قادم)!!..فرحًا مختالًا, وبهذه العبارة خاطب المجرم الهالك حافظ أسد ضباطه وزبانيته, وهو يمنحهم ترقيات لرتب أعلى, بعد تدميرهم مدينة حماة في سنة 1982, ويثبّت عرشه الدموي على جماجم أكثر من 50 ألف إنسان من أهلها, في أكبر مذبحة بشرية في تاريخ سوريا. تلك المجزرة البشعة التي وصفها الكاتب الفرنسي(ميشال سورا)في كتابه؛سورية..الدولة المتوحشة, بأنها؛(نهر العنف يشقّ هذا البلد مثل الجرح المفتوح)!!.

كان المجرم رفعت أسد قائد ما يُسمّى بـ(سرايا الدفاع), هو من قاد الحملة العسكرية على حماة في الثاني من شباط 1982 واستمرت(27)يوما بلياليها الحالكات. وقد تجحفلت مع رفعت, أو كما عُرف بـ(جزار حماة)تشكيلات من الجيش الطائفي والأفرع الأمنية المختلفة وميليشيات حزب البعث زاد تعدادهم على 12 ألف. وقبل بدء الحملة تم تطويق المدينة بثلاثة أنساق عسكرية ولم يُسمح لأي كان بالخروج منها, فكان هدف النظام المجرم هو تدمير حماة على رؤوس أهلها, وجعلها عبرة للسوريين, وقطعوا الماء والكهرباء والاتصالات لمنع تسرّب أي أنباء للعالم الخارجي. ثم ابتدأت المجزرة بقصف عشوائي وكثيف بالطائرات والدبابات والمدافع وراجمات الصواريخ على أحياء المدينة أدى لتدمير كلي أو جزئي لآلاف المنازل وعشرات المساجد والعيادات الطبية، وسقوط أعداد كبيرة من الأهالي بين قتيل وجريح.

وبعد يومين من القصف بدأت عملية اقتحام المدينة بإسناد من دبابات اللواء المدرع 47. وشرعوا بتفتيش همجي للبيوت رافقه اعتقالات وانتهاكات ونهب, وكانوا خلال عمليات التفتيش يتعمدون سبّ الذات الإلهية والقرآن العظيم والدين والنبيّ الكريم محمّد(صلى الله عليه وسلم). لقد فعلوا الأفاعيل في حماة؛ قتلوا الرجال وقطّعوا أيدي النساء..ذبحوا الأطفال والشيوخ بالسواطير و(بالبلطات).. اقتلعوا العيون.. بقروا بطون الحوامل ومزّقوا الأجنّة.. اغتصبوا الفتيات في البيوت والشوارع وأمام الرجال, ثم في الجوامع وفتحوا مكبرات الصوت فيها حتى يسمع أهل المدينة صريخهن. دخلوا الملاجئ وخطفوا النساء ثم قتلوهن وألقوا بجثثهن في حفر كبيرة وهنّ عاريات!!. هذه ليست مشاهد من فيلم رعب, بل هو بعض ما لاقاه أهل حماة في تلك الأيام السود التي كانت وصمة عار لن تزول من وجوه المجرمين أحفاد القرامطة والحشاشين.

وكان يتم التركيز بشكل خاص على قتل الأطباء والمهندسين وعلماء الدين. وأُعدمت عوائل كاملة برجالها ونسائها وأطفالها, كعوائل الدباغ والأمين وموسى والعظم والشققي. وتذكر السيدة هبة الدباغ في كتابها؛(خمس دقائق وحسب..9 سنوات في السجون السورية), والتي اعتقلت في نهاية 1980 بوشاية كاذبة، وخرجت من السجن بعد تسع سنين لتجد أن كل عائلتها المكونة من عشرة أشخاص؛(الأب والأم والأطفال والبنات الصغيرات)قد ذبحهم النظام النصيري القرمطي المجرم في مجزرة حماة الكبرى، وأنها كانت الوحيدة التي نجت من العائلة!!.

وفي مقابلة متلفزة عرضتها قناة(بردى)السورية مع مجند في(الوحدات الخاصة)الأسدية يدعى(عبد الغني صباهي), وكان أحد المشاركين بمجزرة حماة, يقول؛ كنّا نقتحم البيوت ونُخرج منها الرجال ونقتلهم في الشوارع بالمئات ثم نستدعي(التراكس)لتحميلها في سيارات قلابة لدفنهم في سهل الغاب, وبعضهم أحياء. لقد هدّمنا المساجد والمدارس والبنايات الحكومية والبيوت على رؤوس ساكنيها بالدبابات, وباستخدام القاذفات الصاروخية المحمولة على الكتف!!.

ويضيف؛ مرة دخلنا أحد المساجد, فوجدنا الناس يؤدون الصلاة, فقبضنا عليهم, وسألنا أحد المصلين عن عمله, فأجاب بأنه طبيب عيون, فاستلَّ أحد عناصرنا حربته مباشرة وقلع عينيه!!. وكنا نأتي بشيوخ المساجد ونحرق أذقانهم بالقداحات, ونضربهم بأخمص البنادق بقسوة على وجوههم حتى تتشوّه وتسيل منها الدماء الغزيرة!!.

ويستمر(صباهي)في روايته؛ كان الإجرام الذي حصل في حماة يفوق الخيال, التمثيل بالجثث, والقتل والإرهاب والعذاب والاغتصاب والنهب والتدمير وسفك الدماء, كان لا يصدق. دخلنا على بيت واعتقلنا 14 شخصا من عائلة واحدة وقتلناهم, ندخل على حارة ونجمع 400-500 شخص, ثم نصفّهم ونعدمهم في الشارع, وكلهم أبرياء, ومنهم ضباط, ومنهم أعضاء في حزب البعث, وفي المخابرات ومحامين وطلاب, فلم نكن نفرق بين أحد منهم, ولا نطالبهم بإبراز هوياتهم, بل نقبض عليهم فورا وننفذ فيهم الإعدام بشكل جماعي, بعد أن نعذبهم ونكسر عظامهم!!.

وتفيد إحدى الممرضات في مشفى حماة الوطني, أن عناصر الأمن وسرايا الدفاع حاصروا المشفى واقتحموا ردهاته وقاموا بالإجهاز على الجرحى بحراب بنادقهم, وأُجبروا الفريق الطبي على معالجة جرحى قوات النظام فقط. وأضافت؛أنها التقت بإمرأة حديثة الولادة وصلت للمشفى, وقد أخبرتها إن عناصر الأمن حين داهموا منزلها, أخذوا طفلها الرضيع من حضنها, وأمسكوه من رجليه ثم شدّوه منهما بقسوة حتى مزّقوه!!. كما تحدثت لها عن بقر بطون الحوامل, وحالات اغتصاب للفتيات والنساء وحتى العجائز. وذكرت إن عناصر الأمن في حي الأميرية أخرجوا الشباب من البيوت، وطلبوا منهم الاستلقاء على الأرض ثم جعلوا الدبابة تسير فوقهم!!!.

وطبقت عصابات القرامطة الجدد سياسة الأرض المحروقة مع عدد من أحياء حماة التاريخية العريقة, وبخاصة أحياء؛ البارودية والكيلانية والحميدية، ودمرتها بالكامل على رؤوس ساكنيها، ولم ينجُ منهم أحد إلا قليلا. ولغرض محو أثر مسرح الجريمة شيّدت السلطة الأسدية فندق(أفاميا الشام)فوق مقبرة جماعية تضم آلاف الجثث. أما الحديقة المجاورة للفندق, فكانت هي حارة الكيلانية نفسها, والتي أزيلت تماما من على وجه الأرض. وامتلأت الشوارع بالجثث المتفسخة التي كانت تنهشها الكلاب السائبة. إنها مشاهد بشعة تعكس همجية وحقد وإجرام الحثالات النصيرية القرمطية.

ولم يكن بإمكان أهل حماة فعل شيء, فالجميع في البيوت بانتظار الموت. وفي يوم كان فيه المجرم رفعت أسد يتجول في شوارعها, بعد رفع حظر التجوّل والسماح للناس بمغادرة منازلهم، فخرج الأهالي يومها لصلاة الجمعة، فقال العبارة التي يتداولها أهالي حماة لحد الآن؛(لسا في رجال بحماة؟!!). وأمر أوباشه المجرمين من أحفاد القرامطة والحشاشين بجمع أكبر عدد من الرجال وذهبوا بهم لمقبرة(سريحين)، وهناك نُفّذ بهم الإعدام ميدانيًا، ويقدر عددهم بـ(5000)إنسان!!.

وسيطر الخوف والرعب مع شعور قاتل بالعجز والقهر على أهالي حماة الكرام، لا سيما في الشهور الأولى بعد المجزرة، إذ كان الجميع يتوقع استدعاءه لأحد أقسام الشرطة أو مداهمة منزله واعتقاله في أي لحظة. وقامت السلطة الأسدية بجلب أعداد كبيرة من عوائل الطائفة النصيرية من قرى سهل الغاب غربيّ حماة وتم إسكانهم في البيوت التي غادرها أصحابها أو قضوا نحبهم، وعمل هؤلاء وشاة ومخبرين للفروع الأمنية, والتجسس على أهل المدينة.

هذه هي حماة؛(مدينة أبي الفداء)* و(مدينة النواعير),التي فتحها الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح(رضي الله عنه)عام 18 للهجرة, والتي كان لها نصيب من اسم نهرها؛(العاصي)الذي تغفو عليه, فقد(استعصت)على الحكم النصيري القرمطي وكانت شوكة في حلقه, ولم تطأطئ رأسها له أبدًا عبر ستة عقود كاملات. ابتداءًا من أحداث جامع السلطان 1964, إلى(أحداث الدستور)عام 1973, وصولا للمجزرة الكبرى في 1982, وانتهاءًا بموقفها المشرّف في الثورة السورية العظيمة في 2011. حتى تُوّجت بـ(فتح الفتوح)وتحرّرت الشام من أبشع احتلال عرفه التاريخ. والحمد لله رب العالمين.
......................................
* نأمل ونتوقع من القيادة السورية الجديدة أن تجعل من يوم الثاني من شباط في كل عام, مناسبة وطنية عامة لاستذكار مجزرة حماة, مع عمل نصب يخلّد الواقعة في ساحة العاصي, وإدخال الواقعة كمادة في المناهج الدراسية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

985 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع