إسمها كلاب لابرادور! لكنها تشع بالإنسانية!

                                                          

                          سيف الدين الألوسي

الكثير منا ومن الناس لا يفرق بين الشعوب وحكوماتها , ويعكس تصرفات قادة تلك الدول على شعوبها ,

ومن تلك أمثلة كثيرة وأولها الولايات المتحدة الأميركية , معظم الناس لا يفرقون بين أهل السياسة وسياسة الولايات المتحدة وبين شعبها , الشعب الاميركي وبنسبة عالية جدا هو من أطيب الشعوب التي رأيتها حقيقة بالصدق والأنتاج والعمل والتسامح الديني والعرقي وأطاعة القانون وتقديسه , ولهذا السبب نرى القانون الأميركي يضمن الحقوق الاساسية بصورة متساوية لكل مواطنيه ولكل من دخل البلاد بصورة شرعية , ومن تلك الحقوق ممارسة شعائر الأديان ( للمسلمين حقوق كبيرة تفوق ما هو موجود في كثير من الدول الأسلامية ) , وحقوق الاطفال والايتام والعجزة وغيرها من حقوق البشر المعروفة .

ملخص هذه المقدمة البسيطة ليست لعمل دعاية للولايات المتحدة ولكن لبيان قصتين أنسانية رأيتها بنفسي وتدل على مدى أعتزاز الدول والناس بمعوقيهم وأبنائهم وبناتهم وأعطائهم الشعور بالقوة والثقة بالنفس .

المشاهدة الأولى - قبل سنة تقريبا كنت عائدا من زيارة مكتبة جامعة بيركيلي كاليفورنيا , حيث أذهب الى تلك الجامعة العريقة بين فترة وأخرى , لمشاهدة بعض عروض الطلاب والتجول في مرافقها وأقسامها وخصوصا مراكز الدراسات والكتب التي تخص العراق وتأريخه سابقا , وخصوصا في فترة تأسيس الدولة العراقية وما تلاها من أحداث , سبق أن كتبت مقالة متواضعة عن تلك الجامعة سابقا في الگاردينيا الغراء .

صعدت الى البارت أو قطار الأنفاق القريب لغرض عودتي الى سكني الذي يبعد حوالي الساعة بالقطار , صعد معي طالب في الجامعة ضرير يقوده كلب من نوع ( لابرادور أبيض) وهو من الكلاب ومن أصل كندي وهي فائقة الذكاء , صعد هذا الطالب وكلبه وهو يحمل على ظهره شنطة صغيرة تحمل كتبه وحاسوبه الشخصي من نفس المحطة القريبة من الجامعة .

جلس الطالب في المقاعد المخصصة للمعوقين وأمامه على الأرض كلبه , في كل محطة يذيع السائق أسم المحطة وبعد حوالي عشرة محطات , وقبل النزول بالمحطة القادمة نبه الكلب صاحبه بقرب النزول ليتحضر , وعند وقوف القطار قاد الكلب صاحبه الشاب الضرير وبعد فسح المجال له من قبل كل الركاب النازلين والصاعدين , أخذه مباشرة الى السلم الكهربائي وخرج من المحطة وأنا أنظر عليهم , حیث أصعده في باص النقل في محطة الباصات , وبعد أن تم عبوره الشارع عند خلوه من السيارات , بقيت أتفرج وأتابع ما جرى وحتى بعد ترك القطار المحطة بمسافة , كان تعامل الكلب كأنه صديق وفي لصاحبه , وتعامل الناس والموظفين في المحطة والشارع ومحطة الباصات بكل أنسانية وتحضر .

المشاهدة الثانية - قبل أسبوع وعند عودتي الى عمان حيث يقيم معظم أهلي وأقاربي وأصدقائي اليوم , ركبت الطائرة متوجها من مدينة سان فرانسيسكو الى مدينة شيكاغو وهي المرحلة الاولى من طيراني الى عمان , جلست في بوابة الأنتظار المخصصة للطائرة , قبل موعد مغادرة الطائرة بقليل أتت فتاة لا تتجاوز التاسعة عشرة من العمر ضريرة ومصابة بمتلازمة مرض وراثي , يقودها كلب من نوع اللابرادور أيضا ولكن بلون أسود , تم أدخالها والكلب من قبل موظفو الخطوط مع أول المسافرين و مع عدد آخر من المعوقين وكبار السن , لأول مرة أرى كلب يدخل مقصورة الركاب حيث كان حسب علمي أن هنالك أماكن خاصة للحيوانات في الطائرات , المهم , تم جلوس تلك الفتاة الضريرة في الصف الأول للدرجة السياحية , وحيث توجد فسحة أمام الكراسي حيث جلس الكلب على أرضية الطائرة , جلست على بعد عدة كراسي من مقعد الفتاة وكنت أراقب الكلب طيلة زمن الرحلة البالغة أربع ساعات وربع , منذ البداية كان الكلب ينظر الى الفتاة بنظرات كأنه أم تنظر الى أبنها المريض , تعابير وجهه العاطفية أثارت دهشتي حقا , حيث ينبهها الى مقدم مضيفات الدائرة بحركة من يده وهو جالسا على الأرض أمامها , لم يصدر هذا الكلب أي صوت طيلة الرحلة ولم يتحرك من مكانه , أستغربت جدا لعدم تحركه الى قضاء حاجته طيلة الرحلة !! وقد ذهبت أنا الى التواليت مرة !! ( نأخذ مدرر لأصابتنا بفرط ضغط الدم ) .... كان صبورا ووجهه يراقب الفتاة وتعابير وجهه العاطفية ترغم أي أنسان على الاعجاب به ويقول سبحان الله تعالى على ما خلقه .

عند الوصول الى مطار شيكاغو تم أنزال المعوقين وكبار السن قبل الجميع , نزلت بعدهم بقليل وأنا أتلفت الى أشارات المطار في التيرمنال مثل تائه ؟! و لتبديله بآخر وركب القطار المؤدي اليه , سبقني الكلب وصاحبته وكأنه موظف متمرس في المطار الكبير جدا وخرج قبلي من التيرمنال دون أي معوقات , ولأرى والد الفتاة ووالدتها وشقيقتها بأنتظارهم في الباب الخارجية ! , تم الترحيب بالفتاة من قبل عائلتها والكلب مسرورا بالجميع وهم مسرورين كأنه أحد أفراد العائلة وتم وصولهم بالسلامة ولقائهم !! ذهبت لتدخين سيكارة و في خارج المبنى ! ورأيت الكلب يصعد في السيارة ويجلس في المقعد الخلفي بين
الشقيقتين المسرورتين !! غادرت الى التيرمنال الدولي بالقطار وبقيت أفكر بهذا الكلب (ولا أعرف أسم يحمله لأحييه ) !!

بقيت أفكر وأفكر بكثير من البشر الذي عرفتهم وتنكروا للجميل والذي أعتبره واجبا للبشر !! , وللكثير من الناس الذين نسوا أقاربهم في شدتهم ! وللكثير ممن فقدوا معنى الأنسانية الحقة ! , واليوم أحدى عضوات البرلمان كانت تتكلم عن ضرورة التبرع من الميسورين !! و لأيتام العراق كون العراق أصبح من أكثر البلدان في الأمية وبسبب توجه الأطفال الى العمل المبكر وخصوصا الأيتام ! ومن المفروض أن تكون هي المساهمة الأولى ومن راتبها لتربية ورعاية أولادها ( أولاد وطنها ) , توقفت كثيرا عند من فقدوا نعمة البصر في وطني الغالي سابقا واليوم , توقفت كثيرا عن أحترام حقوق الأنسان من قبل موظفي الشرطة والجوازات والخطوط و مع أبنائهم من أصحاب الأحتياجات الخاصة , توقفت كثيرا عندما يتم القول أن البيت الذي فيه كلب لا تدخله الملائكة ويكون نجسا !!!!!!! توقفت وتوقفت عن ظلم حتى الحيوانات و من قبل البشر في مجتمعات لا تعرف الحق من الباطل ولا الشين من الزين ! تحية صادقة الى كلاب اللابرادور وبقية الحيوانات التي أضافت لي دروسا في معنى الأنسانية وخدمتها والتي لا يعرفها الكثير والكثير من البشر مع الأسف ... تحية لكل حيوان وبشر خلقه رب العباد للفائدة وليس للقتل والدمار وعذاب أبناء جلدته ووو!!!!!! , ويا ريت يتعلم الكثير من مدرسة كلاب اللابرادور الأخلاقية فهي نعم المدرسة الأخلاقية .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1321 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع