أحمد العبداللّه
(جمهورية صيدنايا)..جهنم على الأرض!!
يختزل(سجن صيدنايا)الرهيب معاناة وآلام وعذابات الشعب السوري عبر أكثر من نصف قرن من تسلّط العصابة الإجرامية الأسدية المجوسية على بلده, فهو تجسيد للوحشية والرعب الذي كان يرزح تحته السوريون في السجن الكبير؛(جمهورية صيدنايا)!!. لقد كان هذا(المسلخ البشري)ووسائل التعذيب المستخدمة وطرق الموت التي يتم بها الإجهاز على الضحايا والقبور الجماعية الملحقة به، بمثابة شهادة ناطقة على عقيدة العصابة الفاسدة المجرمة التي تقوم ليس فقط على إلغاء الإنسان والتعامل معه كرقم، بل باعتباره كائن أدنى لا يستحق العيش في(مزرعة الأسد)!!. وحسنًا فعل القائد الفاتح أحمد الشرع إذ أمر بتحويله لـ(متحف), كي يكون شاهدًا للأجيال السورية القادمة على أسوأ حقبة سوداء مرّت في تاريخهم.
زنازين مرعبة وسراديب مظلمة ضيقة كالقبور، وروائح نتنة ورطوبة خانقة, وشبح الموت يخيم في دهاليزه الموحشة كل لحظة. وقد وصفته منظمة العفو الدولية في تقرير لها, بأنه؛(المكان الذي تذبح الحكومة السورية شعبها فيه بهدوء)!!. وأكدت؛إن أكثر من(13)ألف من المعارضين السياسيين أُعدِموا شنقًا فيه، بين شهر أيلول 2011 حتى شهر كانون الأول 2015, وبسرية تامة. ويذكر التقرير؛أن السجناء يتعرضون للاغتصاب, أو يتم إجبارهم على اغتصاب بعضهم البعض.
ويضيف التقرير؛ في كل أسبوع يتم اقتياد 20 إلى 50 معتقلا من زنزاناتهم لشنقهم عند منتصف الليل. ويموت آخرون تحت التعذيب المستمر والمنهجي, كما يتم حرمان المعتقلين من الطعام والماء والرعاية الطبية. ويخلص تقرير المنظمة إلى؛(إنه من غير المعقول أن تطبّق هذه الممارسات على نطاق واسع وبشكل منهجي, من دون الحصول على إذن من أعلى المستويات في الحكومة السورية).
ويذكر التقرير شهادة عنصر سابق عمل في صيدنايا, إنه في يوم التنفيذ، والذي يصفه حراس السجن بالـ(حفلة)!!، يتم اقتياد المحكوم عليهم بالإعدام من زنازينهم في فترة ما بعد الظهر. وتقوم السلطات بخداع المعتقلين بأنهم سيُنقلون لسجون مدنية، ولكن بدلًا من ذلك يُؤخذون لغرفة في طابق سفلي من المبنى، وهناك يتعرضون للجلد المبرح خلال ساعات الليل قبل اقتيادهم لغرفة الإعدام, حيث يُسمح لأي عنصر بضربهم لحين وصول الضابط المسؤول. ويضيف هذا الشاهد, أو بالأحرى المجرم السادي؛(كنا نعلم أنهم سيموتون في أي حال، لذا كنا نفعل ما بوسعنا من أجل إيذائهم)!!.
ويمضي تقرير منظمة العفو الدولية بالشرح؛ يتم اقتياد الضحايا بعد عصب عيونهم لمنصات إسمنتية لشنقهم, وهم يجهلون متى وكيف سيموتون حتى لحظة وضع الحبل حول أعناقهم!!. وأفاد معتقلون ناجون كانوا محجوزين في الطابق الذي فوق غرفة الإعدام، بأنهم كانوا يسمعون في بعض الأحيان أصوات غرغرة أرواح الضحايا الآتية من مكان الإعدام. ومن ثمّ يتم تحميل الجثث في شاحنات لدفنها في قبور جماعية في أراضٍ تعود لمعسكرات للجيش حول دمشق, لتضييع آثارها.
والقصص المأساوية للناجين من جحيم صيدنايا, هي حقًا أغرب من الخيال. كقصة الطيار(رغيد الططري), صاحب أطول فترة اعتقال سياسي, والذي أمضى(43)سنة في سجون العصابة الأسدية منذ اعتقاله عام 1981,من ضمنها عشر سنوات في صيدنايا, فقط لأنه قال لزميل له؛إنه لو تم تكليفه بقصف حماة أو أي مدينة سورية أخرى, فلن ينفذ الأوامر, فتمت الوشاية به على هذه الكلمة!!. وليمكث في غياهب المعتقلات لغاية يوم تحريره من قبل رجال إدارة العمليات العسكرية.
وفي مقطع مصوّر محزن للغاية يوثّق تحرير امرأة سورية بلغت من العمر(85)عاما، اعتُقلت منذ عام 1983, وكانت تعمل صيدلانية في دمشق. وقد ظهرت بشعر أبيض وجسد نحيل وأيدٍ مرتعشة، وعلامات الصدمة والرعب ظاهرة على محيّاها. وسبب احتجازها أنها نصحت صديقة لها بعدم تزويج ابنتها لضابط من الطائفة النصيرية، وعندما علم الأخير بذلك أبلغ عنها(الأجهزة الأمنية), فاعتقلتها, ولتنقطع أخبارها منذ ذلك الحين حتى يوم تحرير سوريا!!.
وقد تم توثيق حالات عديدة إنه بعد شنق الضحية, تُؤخذ جثته إلى(مكبس)حديدي لكبسها وسحقها وجعلها مثل الورقة!!. ويوجد تحت المكبس مجاري لتصريف الدماء، ثم يتم تقطيعها بالمفرمة, وبعدها يتم حرقها في محرقة ملحقة بالسجن, أو إذابتها بأحواض الأسيد!!. ففي صيدنايا, لا يكفي إزهاق الأرواح فحسب, بل يجب إفناء الأجساد أيضا, لعدم ترك أي دليل إدانة!!. وهكذا كُتب على السوريين التعايش مع تلك السلطة الغاشمة المستبدّة, وقضاء أيامهم ولياليهم في خوف ورعب وقهر, حتى قيل إن؛(المواطن السوري لا يستطيع أن يفتح فمه إلّا عند طبيب الأسنان)!!.
ومنذ إنشاء سجن صيدنايا سنة 1987، في عهد المجرم الهالك حافظ أسد, تعاقب على إدارته عشرة مدراء جميعهم من الطائفة النصيرية, وكذلك كان زبانية التعذيب المعيّنين فيه، فهم ينحدرون في الغالب من قرى الساحل. وكان النظام المجرم مستمرا في تنفيذ الإعدامات لغاية يوم زواله في 8-12-2024. ففي مقطع مصور يظهر ثلاثة من السجناء الذين تم إخراجهم من سجن صيدنايا، قالوا؛ إنهم نجوا من الإعدام الذي كان مقررًا أن يُنفذ بهم في اليوم نفسه الذي تم تحريرهم!!.
ووجد الثوار في(صيدنايا)منظومة مراقبة بالكاميرات لكافة دهاليز السجن وزنازينه تعمل على مدار الساعة, وبسرعة(انترنيت)هائلة, وقد تم العبث بها وتخريبها جزئيا من قبل بعض العاملين في السجن قبل فرارهم. والتفسيرات تذهب إلى إن سبب وجود تلك المنظومة المتطورة في دولة متهالكة ومتخلفة تقنيًّا ومحاصرة, كـ(سوريا الأسد), هو لكي يتابع رأس النظام المجرم وهو قابع في قصره, مشاهد التعذيب والقتل والاغتصاب التي تتمّ في صيدنايا(على الهواء), و(يتلذّذ)بها!!. أو ربما لنقل تلك المقاطع المصورة ببث مباشر لغرف سوداء حول العالم, تدفع بسخاء مقابل هذا النوع من(البضاعة)!!.
ويبدو إن النظام الأسدي قد جسّد مفهوم(الوحدة العربية)في سجونه!!، بتحويله سوريا لـ(غوانتانامو)لمصلحة إيران، يُغيّب فيه مواطنون عرب، سواء بعد اختطافهم من بلدانهم أو أثناء زيارتهم لسوريا, أو تواجدهم فيها. فسجون الأسد لا تشمل السوريين المعارضين له فقط، وإنما جعلها تبتلع كل المناوئين لميليشيات إيران وأذرعها في المنطقة, خاصة من العراق ولبنان وفلسطين والأردن واليمن، وقد تم إعدام بعضهم قبل تحرير ما تبقّى منهم بزوال النظام.
وكشف سائق جرافة كان مكلّفًا من قبل السلطة الأسدية بدفن الجثامين، إن أجهزة النظام المخلوع الساقط قامت بدفن عشرات آلاف الجثث قرب منطقة القطيفة في ريف دمشق. وإن عمليات الدفن استمرت على مدى خمس سنوات، وبشكل أسبوعي. ويخمّن السائق عدد الجثامين بنحو(200)ألف خلال تلك السنوات من عمليات الدفن, بين؛ 2014- 2019!!.
وصرّح السفير الأميركي السابق لقضايا جرائم الحرب(ستيفن راب)لوكالة(رويترز)؛ إن الأدلّة التي ظهرت من مواقع المقابر الجماعية في سوريا كشفت(آلة الموت)التي أدارتها(دولة بشار الأسد). وقال(راب)بعد زيارة موقعين لمقابر جماعية في بلدتي؛القطيفة ونجها قرب دمشق:(لدينا بالتأكيد أكثر من 100 ألف شخص تعرضوا للإخفاء والتعذيب حتى الموت في هذه الآلة). وأضاف؛(إن هذا النوع من القتل المنظم من قبل الدولة وأجهزتها، لم نشهد له مثيلًا منذ عهد النازيين)!!.
إن ما اقترفه النظام الأسدي الساقط عبر أكثر من نصف قرن من إجرام ضد الشعب السوري, هو أمر لم يفعله أيّ نظام قمعي آخر في التاريخ. وهو عار في جبين الإنسانية, لتجاهلها آلام السوريين ومأساتهم الطويلة. وعار وشنار على كل دول العالم التي صمتت, بل وتواطأت في كثير من الأحيان مع سلطة ظالمة غاشمة وباغية، أطلقت العنان لآلة القتل والتعذيب والترويع ضد شعب أعزل. وإن كل قوانين الأرض لا تكفي للاقتصاص من هذا النظام النازي على جرائمه ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية, والانتهاكات الممنهجة بحق المعتقلين السياسيين من قتل وتعذيب وتجويع واغتصاب, بل ووصلت لحد تجربة أسلحة كيميائية على آلاف المعتقلين السياسيين، وكانت التجارب في مراحلها المبكرة تُجرى في أمكنة مغلقة، وبعد(نجاحها)يتم تجريبها على المعتقلين في الصحراء، باستخدام الطيران الحربي!!.
وأخيرًا وليس آخرًا, أقول؛عندما يكون الإجرام في الدنيا بهذا الحجم المهول الذي تشيب له الولدان, وتكون العدالة الأرضية قاصرة أو عاجزة عن القصاص من المجرمين مهما فعلت بهم, يزداد يقين الإنسان المسلم وإيمانه بالمعاد وباليوم الآخر. فهناك.. وهناك فقط, يُجازى المجرمون بما يستحقون, ويشفي الله سبحانه وتعالى صدور المؤمنين الصابرين المحتسبين, وتُوفّى كل نفس بما عملت وهم لا يُظلمون. قال تعالى؛((وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)).
681 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع