د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
2025. 03.01
الصداقات المؤلمة
"الصداقة يمكن أن تجعلنا أفضل بشرط أن تكون متينة، الأشخاص الغيورون يدمرون كل شيء بمرور الوقت مثل الإعصار العابر. إنهم يصنعون الشائعات ويغذون فضول البلهاء الذين يرددون وينشرون الشائعات مثل المجانين والسكارى. إذا كان أصدقاؤك مزيفون، عليك ان تهرب منهم".
ان علاقات الصداقة هي مصادر الرخاء والتنمية البشرية. انها تعزز المشاركة والتضامن بين الناس. لا يمكن لأي إنسان أن يزدهر أو ان يحقق إنجازاته بمعزل عن الآخرين. وفي المجتمع، تعمل العلاقات الودية على تعزيز التماسك الاجتماعي وتمكين التنمية الفردية، والتقدم الإنساني والأيديولوجي. الصداقة عند سقراط، أمر طبيعي ولها طابع خاص يقوم على تبادل المصالح المشتركة. بالنسبة لأرسطو، "هناك ثلاثة أنواع من الصداقة: الصداقة المفيدة القائمة على المصلحة، والصداقة الممتعة القائمة على المتعة، وأخيرًا الصداقة النادرة والأكثر تطلبًا، والتي تعتبر الفضيلة هي الأساس والخير هو الهدف". (أرسطو، 2007. الأخلاق النيقوماخية). ويعرّفها بأنها: "المودة والارتباط المتبادل بين شخصين". كما يميل الانسان
إلى تكوين صداقات، وهذا أمر ضروري لرفاهيته وتطوره الشخصي.
بشكل عام، للصداقة قيم تصنيفية مهمة مثل المساعدة المتبادلة، والاستماع المتبادل، وتبادل النصائح، والنقد الإيجابي، والإعجاب بالآخرين وكذلك مشاركة الأنشطة الترفيهية. لكن تظل مسألة الثقة والاخلاص دائمًا مبادئ يجب إثباتها.
من منا لم يمر بتجارب سيئة؟ ولهذا السبب فإن تعميق العلاقات مع الآخرين يمكن أن يصيبنا بخيبات الأمل والاكتئاب. في الواقع، يمكن للخيانة وعدم المصداقية أن تهز بسرعة أساس الثقة بين الناس. عندما نكتشف أننا نتعرض للخداع من قبل الآخرين، فإن ذلك يخلق المعاناة والكثير من الألم. وهذا ما يسمى بالعلاقات السامة. من منا لم يشعر بشعور بالندم بسبب مشاركته في الجمعيات أو النوادي الاجتماعية؟ حيث نكتشف في أغلب الأحيان الكثير من الخداع والتصرفات المتقلبة، والخالية من الخير. فأهم شيء بالنسبة لنا في الصداقة، هو الثقة المتبادلة والشعور بالأمان.
لا أعتقد أنني الشخص الوحيد الذي يشعر بالعزلة في مجموعات الأصدقاء، وأعتقد أيضًا أنه يجب علينا التمييز بين الأصدقاء والمعارف، والزملاء العابرين. على سبيل المثال، تعميق الصداقات الجديدة مع الآخرين، يمكن أن يجعلنا نقع في فخ المنحرفين النرجسيين، الذين يبحثون فقط عن مصالحهم الشخصية. وبمجرد إشباع مصالحهم الشخصية، يتحولون إلى مصاصي دماء أشرار، وجاحدين للجميل.
تتحول هذه الصداقات الزائفة إلى علاقة متنافرة، ومشوهة. ما الذي يدفع الناس الي الغيرة؟ علي سبيل المثال: اللياقة البدنية، المستوى الدراسي، الشهرة، براعة العقل، المال... الكثير من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى التنافس بين الناس. لكن في أغلب الأحيان، ان الشخصية النرجسية والمسيطرة هي التي تجعل الكثير يرغبون أن يكونوا أفضل من الآخرين، مما يخلق شعور الغيرة.
كثير من الناس لديهم حاجة ملحة أن يكونوا مركز الاهتمام للجميع. ويعاني هؤلاء الأشخاص في الواقع من اضطراب الشخصية الهستيرية، لأنهم يسعون باستمرار إلى أن يكونوا محل الانظار. غالبًا ما يشعرون بالاكتئاب، عندما لا يستطيعون أن يكونوا نجم الجمهور. غالبًا ما يكونون حيويين ومسرحيون ومتحمسون ومغريون، وفي بعض الأحيان يكونوا ساحرون للمعارف الجديدة. لكنهم سرعان ما يصبحون متقلبين المزاج، ولاذعين. وتصبح الصداقات سامة عندما تسبب المعاناة للآخرين. منذ اللحظة التي يشعر فيها الشخص بالقلق أو الغضب، فهذا يعني أن العلاقة مع الصديق أصبحت عبئاً مما يؤثر على الصحة النفسية. ويصبح الشخص المخدوع فاقد لطاقته الإيجابية. كما يزدهر البشر فقط، عندما يتم مشاركة مشاعرهم مع الآخرين. كيف ممكن تفسير سبب تزايد خيبات الأمل في الصداقات؟ لماذا يتغير مزاج الأصدقاء فجأة؟ لماذا يصبحون متقلبين المزاج بدون سبب ويتصرفون كما لو أنهم لا يعرفوننا؟ إنهم لا يتحكمون في سلوكهم، ويصبحون ساخرون، وأشرار، وذلك بدون سبب.
التنمر على سبيل المثال، هي شكل من أشكال التحرش الأخلاقي والنفسي الذي يتم تنفيذه بشكل جماعي ضد شخص ما، ويمكن أن يكون ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي أو في مجموعات النشاط. ويهدف إلى إجبار الضحية على الشعور بأنه مستبعد من المجموعة. ومن خلال التجربة، كلما زاد عدد الأشخاص الذين يجتمعون معًا، كلما تعززت هذه السلوكيات السيئة.
وفقًا للطبيب وعالم الأنثروبولوجيا غوستاف لوبون "إن سلوكيات الأفراد وعمليات تفكيرهم في الحشد تصبح كيانًا لأنها تتأثر بفقدان الفرد إحساسه بالمسؤولية، والانطباع بعالمية السلوك". بالنسبة لليبون: "يزداد هذان العاملان تبعًا لحجم الجمهور". (ج. ليبون 1895. سيكولوجية الحشود).
يقترح ليبون أنه عندما يجتمع الناس معًا، فإنهم يظهرون سلوكيات حشد غير عقلانية. لقد واجهت شخصيًا هذا النوع من السلوك غير المعقول مع صديقة منذ بضع سنوات. عندما كنا بمفردنا، كانت السيدة محتشمة، لكنها سرعانه ما تتحول إلى شخص خبيث عندما نكون في مجموعة مع نساء أخريات. علمتني هذه التجربة أن أختار أصدقائي بحكمة، وأن أعرف كيف أتركهم عند الضرورة. لا يوجد شيء في هذا العالم يجبرنا علي نقبل سوء المعاملة من الآخرين.
ما يجب أن نفهمه هو أنه، بعد يوم حافل من العمل نحتاج إلى رؤية أصدقاء حقيقيون وبدون شروط. كل واحد منا يحتاج إلى إعادة شحن نفسه بالطاقة الإيجابية، لتعزيز إحساس بالرفاهية العامة.
حتى لا نفقد الدافع للحياة، من الأفضل أن يكون لدينا عدد قليل من الأصدقاء بدلاً من جيش من الاصدقاء يستنزفون طاقتنا ويجعلوننا متوترون. للحصول على المزيد من الإيجابية في الحياة، من المهم أن نحيط أنفسنا بالأحاسيس والمشاعر الطيبة، والأشخاص الإيجابيين.
في الواقع، هناك عدة فئات من الأصدقاء: أولئك الذين يتشككون دائمًا، والذين يجبرونك على تبرير نفسك طوال الوقت. هناك نرجسيون يحبون التلاعب بك ليجعلوك تفقد ثقتك بنفسك، ويتركوك تشك في نفسك وفي أبنائك وحتى في علاقتك مع شريك حياتك. هناك أيضًا من يهيمنون على المحادثة، ويعرفون كل شيء، ومثاليون، ولديهم أبناء عبقريون. دعونا لا ننسى أولئك الذين يشعرون بالغيرة، ويحبون التشكيك في قدراتك. وبحسب المحللة النفسية كلاين (1957)، في كتابها “الحسد والامتنان”: الحسد “هو الغضب الذي يشعر به بعض الناس، عندما يرون شخصا من حولهم يملك شيئًا ويستمتع به، بينما هم لا يستطيعون امتلاك هذا الشيء. ومن وجهة نظر فرويد، تسمح الآلية النفسية عند الانسان بفهم الآخرين بشكل أفضل والبقاء حذرين مع بعض الشخصيات المعقدة في الفئات الاجتماعية وعلى جميع المستويات.
823 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع