«بَسُوسنا» الدائمة!

                                        

                            دلع المفتي

كما تعلمون، وباختصار.. حرب البسوس التي قامت بين قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ضد بني شيبان وأحلافها، واستمرت لمدة 40 سنة، كانت بسبب.. ناقة! ذاك تاريخ لم ينقض.

فالبسوس ما زالت تحتفظ بآثارها في نفوسنا، وما زلنا نحافظ على حمية الجاهلية، ولم (ويبدو لن) نتخلص منها أبداً.
في الدول المتحضرة «كش برا وبعيد»، حين يرتكب شخص ما جريمة ما، يتم القبض عليه، يُحقق معه، يُعين له محام، تُوجه إليه التهم، ثم يُحاكم. هكذا بكل بساطة تراتبية الموضوع. أما عندنا، فعندما يرتكب احدهم «هفوة»، حتى وإن كانت مجرد التفوه بكلمة نابية أو شتم آخر.. تقوم الدنيا ولا تقعد. ليس عليه، بل على عائلته، وقبيلته، ومذهبه، ودينه، وأصله وفصله وكل من عنده «غمازة» مثله.
هكذا نحن.. نحاكم الكل بجريرة شخص!
يشتم أحدٌ ما أحداً ما على تويتر، أو في الشارع، أو في مجمع، فتدق فوراً طبول الحرب وتحضر الفزعة.. أين؟! في مضارب قبيلته. فنحن لا نقبل أن يسمى متهم بعينه أو يعتقل شخص لجرمه، بل تسن السيوف وترفع الرماح دفاعا عن القبيلة وأصلها وفصلها. ويتنادى الكل لجمع ولملمة الشرف الذي أريق على يدي تافه مارق، بالهجوم، لا على المتهم بذاته، بل على قبيلته بأكملها.
يقف شخص ما مع دكتاتور يحكم بلده بالحديد والنار، وتشاء الظروف ان هذا الشخص ينتمي الى مذهب معين، انتهى! يوضع المذهب وكل من ينتمي إليه في الخانة السوداء، يُشتم، يُلعن، يُكفر ويُخرج من الملة، ثم يُحارب وفي نية مبطنة أن يُمحى عن وجه البسيطة هو ومذهبه وكل من يتبعه.
تتعرض واحدة لحادث على يد غريب، (هكذا شاءت الأقدار، أن ولدته امه في بقعة غريبة عن عالمنا)، فيجر شعب بلده كله خلفه بمصيبته. فجأة يصبح كل من ينتمي الى جنسيته مجرماً، سافلاً، خارجاً عن أصول الإنسانية. فنشتمه ونشتم شعبه، نطالب بمنعه هو وكل من ينتمي الى جنسيته من دخول بلادنا، نحاول منع استيراد أي منتج من بلده، ونعتصم امام سفارته، مطالبين بالقصاص من الشعب بأكمله.
يتعدى صاحب دين على ديننا، مجرد شخص تافه أراد جذب الانظار، او بث حقد وكره دفين. لكن لا.. هذا ليس مجرد فرد، فنظرية المؤامرة معششة في نفوسنا أكثر من أقوال رسولنا وتعليمات ربنا. هناك مؤامرة كونية خلفه، وعلينا ان نحاربه ونطول دينه وأتباعه، وكما شتم ديننا نشتم «سلسفيل» أسلافه، فالعين بالعين والسن بالسن، والبادي أظلم. سنلعن الساعة التي نزل بها دينهم، ونكذب نبيهم، ونشكك في معتقداتهم، وندمر اماكن عباداتهم ونحرق كتبهم السماوية. هكذا نخرج متعادلين.. بالبشاعة!
هي ما زالت الناقة نفسها التي تسببت في حرب البسوس، لكن بأشكال مختلفة، وبسببها نشن حروبنا على عائلات وقبائل وأديان ومذاهب وقوميات، لا بسبب تفاهة شخص انتمى إليها.. بل بسبب غبائنا!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1296 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع