عدنان حسين
البلاد في خطر، والجميع في خطر، والمستقبل في خطر، وهذه هي الفرصة الأخيرة لتفادي وصول هذا الخطر الى ذروته.
هذه هي الجملة المفيدة التي قيلت في مؤتمر "الشرف الوطني"(!) المنعقد في القصر الرئاسي أمس الأول الخميس. المتحدثون في المؤتمر رددوا هذه الجملة كلٌّ بلهجتة ولكنته، لكنهم لفّوا وداروا حول هذه الفكرة التي شكلت مضمون الجملة، بل انهم توافقوا أيضاً في صيغة القول مداورة بان الآخرين، من مستمعي الخطاب، هم مصدر هذا الخطر وعليهم وحدهم تقع مسؤولية نزع الفتيل، فأحدٌ منهم لم يتحلّ بفضيلة وشجاعة الاعتراف بنصيب حزبه وكتلته وقواته المسلحة (نظامية كانت أم ميليشياوية) في تشكيل الخطر ومفاقمته وفي صناعة دولة فاشلة ومجتمع تتناهشه الضغائن.
ما كنا، ولن نكون، في حاجة الى مؤتمر استعراضي كالذي عقد يوم الخميس، ينمّق فيه الأخوة الأعداء عباراتهم و"يرندجون" جملهم ليضحكوا على الذقون بمخاطبتهم إيانا عن الخطر المحدق بنا وببلادنا، فهو خطر من صنيع أيديهم هم بالذات... ما كنا نحتاجه، وسنحتاجه اليوم ولاحقاً، أن يتعاهد صنّاع هذا الخطر، كلّ مع نفسه أولاً، على الكفّ عن التفكير والتصرف بالطريقة التي فكّر وتصرف بها طوال السنين العشر الماضية.. السلم الأهلي والأمن الاجتماعي لا يتحققان باعتماد "الحل الأمني" دون غيره من جانب الحكومة والمتنفذين فيها لمعالجة المشاكل وفرض الإرادة على الآخرين. فالقمع الوحشي لتظاهرات شباط 2011 وما بعده لم يحقق المطالب التي أقرّ رئيس الحكومة ومن يحيط بها لاحقاً بانها محقة ومشروعة ودستورية، ولم يجلب لرئيس الحكومة والمحيطين به ما سعيا اليه من استخدام القوة الغاشمة، وهو ان يستسلم الناس لأقدارهم. وارتكاب مجزرة في الحويجة لم ينهِ الاعتصامات في المناطق الغربية، ولم يُرغم الناس على التخلي عن مطالبهم التي وصفها رئيس الحكومة والمحيطون به لاحقاً أيضاً بان بعضها محق ومشروع ودستوري.كما ان تحريك الجيش الى طوزخرماتو لم يُرغم البيشمركة وقيادتهم على رفع الراية البيضاء.
وفي المقابل فان الرد على العنف الحكومي بعنف عشوائي ضد المجتمع بأجمعه، يترصد الناس في الشوارع والساحات والأسواق والمدارس والمستشفيات ودور العبادة، وتسعير النعرات الطائفية، لم ينهيا التمييز والتهميش وسياسات الكيل بمكيالين من جانب الحكومة وقواها المتنفذة، مثلما لم تحقق أية نتيجة، غير المزيد من العنف، عمليات القتل والقتل المضاد على الهوية التي تنفذها ميليشيات وجماعات مسلحة تابعة للقوى والاحزاب الطائفية المتشاركة في الحكم.
لو كان الذين اقترحوا وخططوا وهيأوا لمؤتمر "الشرف الوطني" جادين وصادقين في ضمان السلم الأهلي وصيانة الأمن الاجتماعي، كما أعلنوا في خطبهم، لعملوا تحت قبة برلمان "الشراكة الوطنية" على تشريع القوانين التي تحقق ذلك، وداخل "حكومة الشراكة الوطنية" على تنفيذ هذه القوانين والمشاركة في صناعة القرارات وصياغة السياسات.
مؤتمر "الشرف الوطني" لن يتجاوز حدود الثرثرة في مقهى على ناصية شارع لسكان المنطقة الخضراء الذين ملّوا، في ما يبدو، روتين حياتهم فسعوا الى نوع من التغيير لا يتجاوز تلك العبارات المنمقة والجمل "المرندجة" .. وقابلوني بعد سنة إن كنت قد تجنيت على أحد.
1185 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع