الرمي قبل التصويب

                                                        

                             د.مهند العزاوي                  

يشهد العالم متغيرات جوهرية في نمط التنافس الدولي ضمن سياسة الوصول الى المنطقة الحرجة من العالم ,

وتبرز ملامح الفوضى والانفلات الامني والاحتكاك الحربي الاقليمي الغير مباشر , تارة عبر الحروب الاعلامية , وأخرى بالرسائل الحربية الصلبة والنزاعات الشبحية الدائرة , وتمارس كل من روسيا والصين اعادة رسم سياستها الخارجية عبر توظيف القوى الاقليمية كمخلب جيوقاري في المنطقة ,   يقابله تراجع  الولايات المتحدة الاميركية في ظل الركود الاستراتيجي في اتخاذ القرار والمتعلق بالانتخابات الامريكية , وكذلك الاتحاد الاوربي  المنشغل في ترميم التصدعات والأزمات الاقتصادية والتي اضحت قاب قوسين او ادنى من تفكك الاتحاد الاوربي  , ناهيك عن الانحسار العربي وانشغاله بترميم السياسية وتحديثها ونشهد إقليميا فشل نظرية العمق الاستراتيجي لتركيا اضافة الى  هستريا الدور الايراني ونهايته الذي ثبت فشله في ميدان التطويع والإخضاع للعالم العربي , وفي خضم تلك الفوضى السياسية والامنية يذهب البعض ضمن سياسة الالهاء وخلق الفرص من الفوضى والنزاع الى التلاعب بمشاعر المسلمين عبر نشر فلم بائس او صور تعبر عن حقد منتجيها , ويمكن وصف هذه السلوكيات خرقا اخلاقيا وقانونيا وامنيا يهدد الامن والسلم الدوليين , بغية خلق واقع فوضوي يعتمد على الارتداد العاطفي الغير محسوب ليوظفه تجار الامن القومي في تحقيق الفوضى الهدامة العابرة للقيم والقوانين الدولية , وإدخال المجتمعات في اتون  حرب الاديان والفوضى العائمة والأزمات المتفاعلة .
الانتخابات الامريكية
تسير عجلة الانتخابات الامريكية  بقطبيها الجمهوري والديمقراطي ,  ومرشحيها رومني واوباما  الى محطة التنافس على البطاقة الرئاسية القادمة , ونشهد تراشق الاتهامات ضمن الحروب الاعلامية للطرفين بعدم المعرفة بالسياسات الخارجية  , دون الاخذ بنظر الاعتبار تداعيات السلوكيات الشخصية للحقب الماضية , وقد تخطت المحظورات الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي العالمي , وخصوصا ما يطلق عليها حرب الخيار (خطيئة غزو العراق) وما خلفته من تنافس دموي لملئ الفراغ العراقي بأدوات اقليمية , حيث اشاعت ثقافة المليشيا والطائفة , وخلفت الاضطراب السياسي والأمني , ومارست شتى انواع الاستنزاف للقدرات العراقية البشرية والمالية وقد القت بظلالها على استقرار المنطقة بشكل عام.
خارطة طريق
وعد الرئيس الامريكي اوباما في اعلان خارطة طريق للانسحاب والجلاء من العراق بشكل مسئول , تضمن ارساء الديمقراطية والعدالة وحكومة غير طائفية وعوده المهجرين .... الخ وذهبت ادراج الرياح , ومارس الهروب الى الامام من العراق دون التحسب لأهميته الاستراتيجية , وقد جرى الانسحاب الامريكي العاجل على اجنحة الفوضى الطائفية واحتلال ايراني سافر ينتهك القواعد الاساسية للقانون الدولي والتوازن العربي الاقليمي , واضحى هذا الاحتلال يستنزف الدولة العراقية ومواردها البشرية , ويخترق عناصر الامن والسلم والدوليين ويتخطى المحظورات الاستراتيجية السبع المتعلقة بأمن المنطقة كونها خزين الطاقة الاستراتيجي في العالم , واستمر اوباما في ادارة الحروب الخاصة عن بعد في دول مختلفة ضمن ما يطلق عليه الحرب على الارهاب كعقيدة محورية في مبدأ اوباما .
الرمي قبل التصويب
استدرك المجتمع الدولي مخاطر التهديدات التي يطلقها قادة الحرس الايراني بغلق مضيق هرمز , والذي يعد ممر اعالي البحار ويخضع للقانون الدولي ويصنف واحد من اهم خمس ممرات دولية للنفط والتجارة الدولية , وتستخدمه  ايران  كورقة ضاغطة ضمن سياسة "لي الاذرع" وقد اجرت اكثر من مناورة عسكرية بحرية وصاروخية في المضيق تحاكي غلق المضيق وإشعال حرب فيه  , بغية حيازتها التقنية النووية و صناعة قنبلة نووية تقود الى شرق اوسط نووي ,  ويعد هذا تحديد صلب ضمن الاستراتيجية الدولية العليا , حيث شرعت 30 دولة بمناورات (12) وهي الاكبر في العالم لبسط التاثير الدولي وتثبيت المنطقة وتامين حرية الملاحة الدولية في حالة تنفيذ ايران تهديدها , وتحاكي المناورات قوس جغرافي حربي يربط مضيف هرمز بمضيق عدن تحسبا لاستخدام ايران القوة اللامتناظرة من المليشيات التابعة لها في عمليات مرادفة لغلق المضيق , وقد وصفها المختصون انه استعراض قوة لا يؤثر في السلوكيات الايرانية , ويمكن توصيفه الرمي قبل التصويب لان السياسات الامريكية هي من اوصل ايران الى قوة مارقة بالمنطقة بعد ان تخطت معادلة التوازن العربي الاقليمي.
صعود العقد الايراني
 مارست ايران الانتهازية السياسية وركبت موجة التاثير الدولي , وقد تشدقت زيفا باكذوبة المقاومة والممانعة بغية اختراق المجتمعات العربية وتمزيقها عاموديا بسلاح التفتيت الطائفي ونجحت نسبيا لعقد كامل, وقد خلقت اصطفاف طائفي سياسي مجتمعي تمخض عن انظمة طائفية تنتهج عقيدتها وتمارس سلوكياتها المدمرة , ويتزامن صعود العقد الايراني مع حروب المغامرة الامريكية وقد شكلت ايران فيها راس النفيضة لتهدم دولتين عضو في النسق الدولي والمنظومة الاقليمية وهما افغانستان والعراق وبدافع التخلص من الخصوم ومن منظور طائفي مغلف بشعارات وهمية ثبت زيفها , ولم تكتفي بذلك بل تخطت الحدود السياسية للدول العربية من خلال الذراع الايديولوجي  عبر الاثير ومن خلال انشطار وتناسل وسائل الاتصال المختلفة التي تبثها اقمار عربية ناهيك عن قطيع من الاقلام المسمومة والمرتزقة السياسيين يمارسون الضخ الطائفي على حساب الدولة والوطن.
العراق انموذجا
استخدمت ايران وأدواتها السياسية في العراق " عقيدة الصدمة "وعملت على محو الذاكرة العراقية من تاريخها وانجازاتها بل وسخرت ممارسي التاثير على ترويج فكرة ان العراق لا وجود له متناسين ان العراق حضارته تمتد لأكثر من 6000 سنة قبل الميلاد , وهذا هو اسلوب المحتل الايراني ودوائره ليقتل الروح الوطنية والتماسك الاجتماعي  بعد ان خلف ملايين الضحايا من القتلى والمفقودين والمعتقلين والمهجرين مقابل صمت دولي ملفت للنظر يتخطى القيم القانونية الدولية ويؤسس لثقافة الغاب.
نهاية العقد الايراني
 تشير الملامح والوقائع الى نهاية العقد الايراني الذي اتسم بخلق الاضطرابات والفتن في الجسد العربي والتمدد المليشياوي على حساب الدولة , واعتقد سيعاد رسم السياسة بالمنطقة من جديد خصوصا في ظل الهستريا الايرانية المسلحة والتي تبحث عن عدو خارجي لتصدير ازماتها الداخلية وتشغيل منظومات الحرب الباردة ضد العراق , والتي انتقلت الى العالم العربي توسعا , واعتقد ان القدرة الايرانية  ترهلت كثيرا في ظل انشغالها بالقتل الطائفي لشعوب المنطقة  ليقف العالم على اعتاب نهاية العقد الايراني الدموي الذي بات يترنح وفاقدا توازنه ويعيش هستريا الدم في كل موضع نفوذ لها.
المنظومة العربية
تاخر العرب كثيرا في قراءة اللوحة الاستراتيجية العربية , والدفاع عن مصالحهم كوحدة جغرافية تحكمها وشائج اجتماعية ومصالح مشتركة ومصير متصل , ويبدوا انهم لم يتحسبوا لخطورة الاختراق الايراني للدول العربية والمجتمعات الاسلامية , وقد استخدموا سياسة اللون الرمادي كوسيلة احتواء مرن لم يفهمه الطرف الاخر , وعلى العكس من القيم الاستراتيجية التي تؤكد التنبوء بالخطر والوقاية من التهديد قبل وقوعه , وبذلك تخطى العرب الوقاية وأصبح العلاج ضرورة ملحة لإيقاف هذه الفوضى الزاحفة , التي مابرحت تجرف كل انجاز عربي  بل وتمحي تاريخ امة ووطن وشعوب.
توسعت ايران من خلال العراق ضمن سياسة الاقواس الى كافة الدول العربية لتعميم انموذج العرقنة النازفة , وهذا ما يحصل بالضبط حيث جرى نقل السيناريو اللبناني العراقي الطائفي الى سوريا  والبحرين واليمن والسعودية ودول اخرى ضمن قائمة الاستهداف لخارطة المسار الايراني , وفي ظل نهاية العقد الايراني الدموي سنشهد نهضة عربية قادمة تنظف الفوضى ,  وكما اعتقد سيعاد رسم السياسة بالمنطقة وفق الاستراتيجيات الناجعة التي تعتمد على نظرية الدولة , واعتقد ان الضبابية والهروب الى الامام  لترحيل التهديدات دون بحثها ووضع الحلول وتوظيف الموارد بمثابة الرمي قبل التصويب .
الاثنين‏، 24‏ أيلول‏، 2012
* مفكر وإعلامي عربي
خبير استراتيجي
مدير مركز صقر للدراسات الاستراتيجية

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1065 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع