نزار السامرائي
البرنامج النووي الإيراني تهديد خطير للأمن القومي العربي
في المراحل الأخيرة من المفاوضات التي جرت بين إيران ومجموعة 5+1، والتي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوربية من جهة، وإيران من جهة أخرى، وفي مشهد مسرحي صاخب، ناشد جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانية حينذاك، وزراء خارجية الدول الغربية، قائلا لهم (أرجوكم لا تحرجوني مع بلدي، أعطوني هذه الفرصة)، وبدا ظريف في ذلك التصريح ظريفا جدا، كما لو أنه سمسار عقاري يسعى لعقد صفقة بين طرفين، لا تربطه بصلة بأي منهما، فيحث البائع على التظاهر بالامتناع عن البيع، ويغري المشتري بتغيير رغبته بالشراء، وذلك لتعزيز فرصه بالحصول على ثمن أتعابه.
بكل تأكيد فإن تلك المزحة السياسية الثقيلة والدخيلة على لغة العمل الدبلوماسي الأوربي، لم تنطلِ على المفاوض الغربي المثقل بتجارب المناورات السياسية والدبلوماسية بحصيلة تجاوزت عدة قرون، بل أن تلك الدول تعاطت معها بإيجابية وكأنها إحدى حقائق العصر الدبلوماسي للألفية الثالثة، لأنها كانت تريد توقيع الاتفاق بأسرع وقت.
فأوربا كانت قد مرت بظروف صعبة منذ بداية عصر النهضة وحتى نشوء النظام الدولي الأول، بعد معاهدة ويستفاليا التي تم توقيعها عام 1648، والتي تعتبر أولَ اتفاقيه دبلوماسية في العصرِ الحديثِ، وأرست قواعد نظام سياسي جديد في اوروبا الوسطى والغربية، بُني على مبدأِ سيادةِ الدولِ على نفسها، واستمر ذلك النظام حتى نشوء النظام الدولي الثاني بعد الحرب العالمية الأولى، الذي أفرز مركزي استقطاب هما المملكة المتحدة وفرنسا، اللتين تقاسمتا العالم باحتلالات مباشرة، ما تزال تفرض عُقدّها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الدول التي خضعت للاستعمار المباشر.
استمر النظام الدولي الثاني إلى أن وضعت الحرب الثانية، أوزارها فأرست أسس النظام الدولي الثالث، والذي لم يعمر طويلا فانهار بعد تهديم جدار برلين، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، والذي جر معه دول حلف وارشو إلى هاوية ما زالت روسيا وريث الدولة السابقة، تحاول الخروج منها بكل ما لديها من قوة عسكرية وسياسية، ولكن حظوظها ما تزال تراوح في مكانها.
بالمقابل يبدو أن محاولات الولايات المتحدة لإيجاد نظام دولي رابع يتميز بأحادية القطبية لم تتكلل بالنجاح، حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انفراد أمريكا بالساحة الدولية، لأسباب كثيرة، ربما يأتي في مقدمتها وصول رؤساء ضعفاء إلى البيت الأبيض، أثقلتهم فضائح سياسية أثرت كثيرا على قدرتهم في اتخاذ القرارات المعززة لذلك الطموح، ومن بينها أيضا بروز الصين كقوة اقتصادية جبارة تسعى لجعلها قوة سياسية مكافئة، فأرغمت الإداراتِ الأمريكية إلى رسم مسار خاص للاستراتيجية الأمريكية، لا يستطيع تجاهل التنين الصيني، ولا أن يُغفل ما يعدّه تهديدا موازيا، وهو التهديد الذي بات الإسلام السياسي يشكله على الحلم الأمريكي، ثم أن تحرر قطار الاتحاد السوفيتي السابق من العربات المثقلة بعبء التباين بين القدرات الاقتصادية لمجموعة (الكوميكون) وهي التي كانت تثقل حركته، ومن ثم انصراف روسيا بوتين إلى الداخل محملة بكثير من أوهام الإمبراطورية الروسية القديمة المترامية الأطراف، كل ذلك بات يشكل هاجسا مزعجا لرؤساء أمريكان ضعفاء تزاحموا على حكم الولايات المتحدة في فترات متعاقبة وممتدة لعدة عقود.
كما لا ننسى أن من بين أسباب الإخفاق الأمريكي، الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على كل من أفغانستان والعراق مطلع الألفية الثالثة وألحقتا بها خسائر هائلة بشرياً ومادياً، كما ألحقت بسمعتها الكثير من الجروح الغائرة التي تحتاج زمنا ليس بالقصير، من أجل التحرر من آثارها، وفي ثقة حلفائها وأعدائها بقدرتها على الإيفاء بتعهداتها لتعزيز ثقتهم بقدرة النموذج الأمريكي.
جرت مفاوضات 5+1 بين إيران والدول الغربية، في ظل ظرف خدم إيران في كل شيء إلى حدود بعيدة، وإن كان ذلك لا صلة له برجاء ظريف آنف الذكر، بل لأن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان يريد بكل الوسائل أن يختم ولايته الرئاسية بانتصار سياسي يتناسب مع حصوله اللافت على جائزة نوبل للسلام ولمّا يعرف العالم عن تجربته شيئا، حرص على إمضاء الاتفاق مع إيران حتى لو تم سْلْقه على عجل، ومن دون أن يتضمن أية ضمانات أمنية بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني بما يخدم الهدف المعلن أمريكيا بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي حتى لو تم اللجوء إلى خيارات أخرى.
ولأن أوباما معجب بما يسميه "نبوغ الحضارة الفارسية وابداعاتها"، فقد كان يتحرك في نطاق استراتيجية أمريكية أدخلت كثيرا من المراقبين في حيرة شديدة عن مدى تطابق أهدافها المعلنة مع الخطوات العملية المتخذة لتنفيذها، وبدأت معالمها تكشف عن نفسها تباعاً، وكانت تركز على ما قيل بأنه، مقايضة التنازلات الزائفة التي قدمتها إيران للغرب بشأن برنامجها النووي، بمقابل إطلاق يدها للهيمنة على المنطقة مع ما يشكله ذلك من قنبلة نووية جاهزة للدفاع عن الأمن القومي الإيراني خارج أراضي إيران، وهذا ما أتاح لها نشر أيدولوجيتها بدعم أمريكي غربي صامت أو عن طريق غض النظر عن كثير عن محاولاتها ومحاولات أذرعها بالانتشار الواسع في دول لم يكن المشروع الإيراني قد وصلها بعد.
والآن وقد عاد جواد ظريف ليشغل منصب نائب الرئيس الإيراني الجديد، بعد فترة قصيرة من تخليه عن أسبابه التي كان قد أعلنها عند انسحابه من منصبه، وقد بات ممكنا العودة إلى مفاوضات 5+1، تحت ستار من التضبيب الأمريكي، والاستعداد الإيراني المعلن، للعودة إلى الاتفاق السابق، الذي تم تمريره أثناء رئاسة باراك أوباما أكثر الرؤساء الأمريكيين شغفا بالخطب الرنانة، حينذاك يكون من حق المراقب أو لزاما عليه أن يسأل، إلى أين تتجه سفينة المنطقة؟
وفي الوقت الذي أزاحت فيه صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، النقاب عن معلومات سرية على قدر كبير من الأهمية، ذكرت فيها إلى أن وكالة المخابرات المركزية كانت قد أخفت معلومات مهمة عن مدى تطور البرنامج النووي الإيراني، بهدف مساعدة إدارة أوباما للمضي في تمرير اتفاق عام 2015، وبرغم أن هذا التضليل الذي مارسته الجهة المفترض أن معلوماتها هي التي تحدد مسار السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن مثل هذا الفعل إذا تأكد وقوعه بالصيغة التي ذكرتها واشنطن بوست أو بأية صيغة أخرى، فإنه يمكن أن يكون مشروعا لفضيحة سياسية لا تقل عن فضيحة ووتر كيت أو فضيحة إيران كونترا، وعلى أية حال فالتاريخ السياسي الحديث للولايات المتحدة حافل بمثل هذه الممارسات المدانة شعبيا وقانونيا.
وهنا قد يتساءل خبراء القانون الدستوري في الولايات المتحدة وفي ظل هذا الظرف الانتخابي الحساس، هل تشكل هذه الحادثة التي تعود لعقد من الزمان، بواكير فضيحة سياسية؟ قد تؤثر على فرص المرشحين الجمهوري والديمقراطي بالفوز بالانتخابات؟ وهل أن الرئيس أوباما كان هو المسؤول عنها إلى الحد الذي دفعه إلى اصدار أوامره للـ (CIA) بأن تتستر على تلك المعلومات المهمة، أم أن الوكالة تصرّفت من تلقاء نفسها؟ هنا يبرز سؤال آخر، هل أن حرص أوباما على عقد الاتفاق كي يرضي نزعته الضيقة بعشق النموذج الإيراني، هو الذي فرض على وكالة المخابرات هذا السلوك المنحرف من وجهة نظر أمريكية؟ فأمر بالتستر على تلك المعلومات، أم أن وكالة المخابرات تتحمل مسؤولية اخفائها عن الرئيس، الذي لو كان على علم بغاطس التطور الذي أحرزته إيران في ذلك البرنامج، لما أقدم على توقيع اتفاق 2015، الذي ركز على موضوع واحد وأغفل جوانب لا تقل أهمية عن الموضوع النووي، كالبرنامج الصاروخي الذي يهدد دولا صديقة للولايات المتحدة أو حليفة لها.
غالب الظن أن الحياة السياسية في الولايات المتحدة، الحافلة بكثير من مثل هذه الأخطاء، قادرة على طمس معالمها بسهولة تجعل الكثير من المياه تمر فوقها ولا تدع لها أثرا كما حصل في كثير من الفضائح السياسية السابقة والمدوية.
ويبقى دور الممثل الإيراني في تأدية دور الممثل المحايد بين طرفين يريد لهما الخير، من دون كسب سياسي أو مادي يدخل جيبه، أو مصلحة سياسية تغير من مستقبله السياسي في بلده الذي تعب وأتعب العالم معه، نتيجة الثنائية التي تعتمدها إيران في سياستها الخارجية؟ أو مما يمكن أن يخبئه له الزمن من أدوار يظن أنه جدير بها على المستوى الدولي سواء في الأمم المتحدة أو وكالاتها الخاصة؟ أو ما يحلم به من دور في الأمانة العامة أو مكتب الأمين العام للأم المتحدة؟.
1281 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع