عن شبيه الجزار خلخالي

نزار جاف

عن شبيه الجزار خلخالي

محاکم الثورة! هکذا کانوا يسمون المحاکم الصورية لمجاميع من رجال الدين الذين شرعوا بمحاکمة مسٶولي النظام الملکي الذي أطاحت به الثورة الايرانية في عام 1979، هذه المحاکم کان يديرها رجال دين متميزين بعواطف مشبعة بالحقد والکراهية والدموية، وکان مايلفت النظر فيها هو إنه لم يکن هناك من يخرج سالما من بين أياديهم فأحکام الموت کانت جاهزة سلفا وکانوا يتلذذون بإصدار أحكام الموت حتى کانوا تجسيدا للسادية بأنصع صورها، ومن بين هٶلاء الجلادين الذين نصبهم الخميني کقضاة، رجل الدين سئ الصيت خلخالي، حيث تميز بکونه الاقسى والاکثر تطرفا ودموية من بينهم حتى لايزال يضرب به الامثال کأفظع جزار في هذا النظام لحد الان.
خلخالي هذا، کان من المتمادين الى أبعد حد في خدمته للخميني ونظامه وکان لايرف له جفن وهو يصدر أحکام الموت من دون أي مسوغ قانوني أو حتى شرعي، وإنما کان يکفي أن يساق أمامه ويقال إنه من أنصار النظام السابق حتى يمکن القول بأنه صار بمثابة ظاهرة من حيث دمويته وخضوعه المفرط للنظام، وهنا يجب التنويه أنه کان يتم قتل وتصفية الکثيرين من الابرياء لدوافع وأغراض شخصية مبيتة بالاستفادة من الظروف والاوضاع الطارئة ووجود حکام وقضاة رديئين مثل خلخالي!
صدى وإنعکاسات جرائم الجلاد خلخالي إنعکس سلبا على نظام الملالي ولذلك فقد قام النظام بإبعاده عن المشهد حتى قضى نحبه في خلسة من الزمن، ولکن، هل إن نهاية خلخالي کانت بمثابة نهاية للظاهرة التي جسدها بالدموية والتبعية المفرطة للنظام؟ الاجابة قطعا بالنفي، ذلك إن النظام الذي أبعد خلخالي عن المشهد لکنه وفي نفس الوقت حرص أشد الحرص على إبقاء خطه ونهجه ولکن مع إدخال تغييرات من أهمها طابع السرية والحذر من العلنية والمباشرة، وفي ذلك الخضم، حيث کانت الاوضاع مضطربة وملائمة جدا لمنتهزي الفرص، قفز ابراهيم رئيسي الى الواجهة وهو لم يبلغ العشرين عاما، ومن المفيد هنا التذکير بأنه کان ضمن 70 طالبا دينيا تم إختيارهم للمشاركة في دورات حول الحكم والسياسة في النظام السياسي الجديد للخميني وکان رجل الدين المطرف بهشتي من يشرف على تدريبهم.
رئيسي هذا ومنذ البداية تميز بإندفاعه غير العادي بالتفاني في خدمة النظام، ولدوره غير العادي الذي قام به في قمع السخط المتزايد والاحتجاجات في مدينة مسجد سليمان حيث تم تعيينه لهذا الغرض، فإنه وفي عام 1980، وفي سن العشرين، أصبح رئيسي المدعي العام لمدينة كرج. بعد بضعة أشهر، تمت ترقيته ليصبح المدعي العام في كرج، وفي عام 1982، تم تعيەنه مدعيا عاما في مدينة همدان مع احتفاظه بمنصبه في كرج. شغل المنصبين من 1980 إلى 1983. في هذه الفترة، تم تنفيذ عمليات إعدام جماعية لقوات المعارضة، وخاصة مجاهدي خلق، (حيث لعب رئيسي دورا محوريا في هاتين المحافظتين لقمع حركات المعارضة.
في عمله، لم يکن هناك من ينجو قسوة رئيسي المفرطة إلا من کان له حظا عظيما، ودمويته وإخلاصه الاستثنائي للنظام کان وراء تعيينه في عام 1985، کنائب للمدعي العام ثم المدعي العام في طهران وکذلك کمساعد وزير المخابرات في شؤون جماعات المعارضة بمكتب المدعي العام في طهران. كان دوره هو استئصال مجاهدي خلق وقوى معارضة أخرى، ولذلك فقد تم تكليفه بسرعة بمناصب قضائية مختلفة مع ملاحظة مهمة جدا وهي دوره کعضو في لجنة الموت الرباعية التي قامت بإعدام آلاف السجناء السياسيين عام 1988، وهذا ماجعله يبرز کمسٶول لايکترث وإن تجاوز کل الحدود الانسانية، بل وحتى يمکن القول وبکل ثقة من أنه الاقرب الى خلخالي.
على مدى العقود الأربعة الماضية ماعدا تعيينه من قبل خامنئي في عام 2016، رئيسا لأستان قدس رضوي، والذي يشرف على مؤسسة دينية تصل ميزانيتها لمليارات الدولارات وتدير التبرعات لضريح الإمام رضا في مدينة مشهد، وهو مايدل مدى ثقة وإعتداد خامنئي به.
تطورات الاحداث منذ أواخر عام 2017، وتزايد حرکة الاحتجاجات الشعبية بصورة ملفتة للنظر وإندلاع التحرکات الاحتجاجية الواسعة والنوعية ضد النظام في 28 ديسمبر2017، و15 نوفمبر2019، وتميزهما بطابعهما السياسي الواضح هو الذي جعل خامنئي يجد في شخص رئيسي من يمکنه دون غيره في السيطرة على الاوضاع والذي يجدر الانتباه له هنا، إن الرجل وعلى الرغم من فشله وإخفاقه في تحسين الاوضاع الاقتصادية بصورة خاصة وکذلك الحد من النشاطات المضادة ولاسيما وقد حدثت إحتجاجات سبتمبر2022، خلال عهده ودامت لعدة أشهر، لکن خامنئي مع ذلك ظل يدعمه ويسنده بل وحتى يقوم بتبرير عدم تمکنه من الإيفاء بوعوده التي قطعها على نفسه أثناء الانتخابات الرئاسية، وهو يثبت کونه حالة خاصة بالنسبة لخامنئي لم تکن لأي من أسلافه، لکن، يجدر هنا أن نعلم بأن رئيسي کان من النوع الذي يصغي قلبا وقالبا لخامنئي ولايناقشه أو يجادله في أي أمر وهو کان حاله منذ البداية وهذا ماجعله موضع ثقة خاصة لدى خامنئي إذ يندفع في خدمة النظام من دون حساب وينقاد حرفيا للأوامر والتوجيهات الصادرة من خامنئي کما من قبله خميني، وهکذا نوعية لم تتوفر لدى النظام إلا ماندر، ولعل إصطدام خامنئي مع أحمدي نجاد وکذلك جفائه مع کل محمد خاتمي وحسن روحاني، ووصول الاوضاع في النهاية الى الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بإسقاط النظام، جعل خامنئي يشعر بقلق بالغ وبحاجة النظام الى رجل مستعد للقيام بکل شئ من أجل النظام وکذلك ينفذ ولايناقش، ولم يکن هناك في الحرس القديم للنظام رجلا کرئيسي، ولذلك فإن مصرعه يعتبر بمثابة کارثة کبرى لخامنئي من الصعب جدا تعويضه وإن الايام القادمة ستکشف آثار وتداعيات هذا الامر.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

486 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع